دين ودنيا

هل يجوز توزيع التركة قبل الممات؟

هل يجوز توزيع التركة قبل الممات؟

كتبت ناهد على البطيحى

مزيد بيان وفوائد حول حكم توزيع التركه قبل الممات؟؟
ولًا: من شروط الإرث كما قال الفقهاء: التحقق من موت المُورِّث،والتحقق من حياة الوارث له.انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (١٨/٢٧٠). وآيات المواريث كلها تتحدث عن قسمة التركة بعد وفاة المُورِّث،لا قبل موته
كقوله تعالى :” فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ”(النساء.١١)،
وكقوله تعالى” وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ” (النساء 12)
وكقوله تعالى “مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ” (النساء 12)
ومعلومٌ أن الوصية لا تُنفذ إلا بعد الموت كما قال جميع الفقهاء . انظر فقه السنة(٣ / ٢٩٥).
فالمُوزِّع لتركته في حال حياته مخالف لشرط من شروط الإرث، ولآيات المواريث،لأنه قدم ما أخره الله –تعالى-،وما أدراه أنه سيموت قبل وَارِثه،بل قد يَرِث ولايُورَث .

ثانيا: مَنْ أَجاز من أهل العلم توزيع التركة قبل الوفاه، عاد فقال :”والأفضل أن يُبقِي ماله تحت يده حتى الوفاة،ربما احتاج إليه، وعقّب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- على قول من قال بجواز توزيع التركة قبل الوفاة بقوله :”لكن هذا غلط وليس بصحيح، لأنه تعجل شيئًا لم يكن،وربما يموت بعض ورثته قبله بحادث أو نحوه، فينقلب الوَارث مَورُوثا”.انظر(لقاء الباب المفتوح برقم ٢٠٢)،ولما سُئل هل يجوز للإنسان أن يوزع ماله على الورثة في حياته ؟
فأجاب :”هذا سفهٌ في العقل، أليس من الجائز أن يموتوا قبله ؟ربما احتاج في المستقبل إلى ماله، لو أصيب بمرض يحتاج إلى آلاف الدراهم،لذلك نقول هذا من السفه، انتظر الموت والله يحسن الختام .انتهى كلامه (لقاء الباب المفتوح ١٠٣).
ولما سُئل الشيخ محمد مختار الشنقيطي عن توزيع الرجل للتركة في حال حياته .أجاب :”هذا خلاف الشرع ، والسنة أن ينتظر إلى أن ينزل به أمر الله، وحينئذ يرجع الورثة إلى الشرع ليفصل بينهم (انتهى كلامه).
قلت:وما قاله الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وغيره هو الراجح من الأقوال، خصوصًا أن المُجيزين لم يذكروا دليلًا لا من الكتاب ولا من السنة يدل على جواز تقديم ما أخره الله.
وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية عن رجل توفيت زوجته وقد أنجب منها أولادا ثم تزوج بأخرى فأراد أولاده من الزوجة الأولى منه أن يقسم ما يملك عليهم، تحسبًا من إنجاب الزوجة الثانية لأولاد يشاركوهم في تركة أبيهم، فأجابت اللجنة :” ننصح بأن لا يقسم ماله في حياته فربما احتاج إليه بعد ذلك ” (انظر المجموع النفيس في فقه المواريث ص ٦٨٩).

ثالثا:لم يثبت -على حد علمي- عن أحد من الصحابة أنه ورث أولاده في حال الحياة،ولما قسم سعد بن عبادة ماله على أولاده قبل موته،وُلد له ولد بعد وفاته، فلم ينم أبو بكر وعمر “رضي الله عنهما”شفقة على هذا المولود الجديد الذي لا ميراث له،فكلما قيس بن سعد،الابن الأكبر لسعد في ذلك، فأعطاه نصيبه وبقي قيس بلا ميراث،مع العلم بأن الفقهاء ذكروا ذلك الأثر في باب (الهبة)،ولم يذكروه في باب المواريث.
رابعًا: سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:متي يرث الوارث مورّثًا؟هل في حياته أم بعد مماته؟
الجواب: إنما يرث الوَارِث من تركة مُورِّثه بعد تحقق وفاة المورِّث، ، وتأخر وفاة وارثه عنه .(١٦/٤٨٥)

خامسًا: يقول النبي صلى الله عليه وسلم “أنت ومالك لأبيك ” ولم يقل أنت ومالك لبنيك.
وكم من والد قسم تركته على أولاده في حال حياته وبقي هو بلا شيء، فباع أولاده ما أخذوه من أبيهم إسرافًا أو انحرافًا،وقعد الوالد وأولاده يتلقون الصدقات والزكوات!!!!!.

سادسًا:إذا أراد الوالد أن يوسع على أولاده فيجوز له أن يهب لأولاده من بعض ماله،لا كل ماله، بشرط العدل بينهم.انظر موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي لمجموعة من العلماء
(المجلد الثامن. ص ٢٩٣)

سابعًا: إذا خشي الوالد على أولاده من الاختلاف على ميراثه بعد وفاته، فليكتب نصيب كل ابن كما شرع الله في وصية، ويُشهد عليها، على أن لا تملّك للأولاد إلا بعد وفاته،ويحتفظ بها عنده ويكون له الحق في تعديلها إذا حدث ما يوجب التعديل، لتوافق شرع الله، وتحقق العدل.

ثامنًا: للوالد أن يمكن أولاده من مِلكه كالسكن، ومن ماله، بالاتجار فيه، ومن أرضه بالزراعة فيها دون تمليك لواحد منهم،يعني :تمكين بلا تمليك،وبهذا لا يحتاج أبدًا إلى توزيع تركته قبل وفاته، لأنه أولا: وسع على أولاده.
ثانيا: احتفظ بماله لنفسه،لأنه لا يدري ما تحمل الأيام والليالي.

تاسعا: من حق الوالد أن يوصي بثلث ماله -والثلث كثير-،ولكن لغير وارث كما جاء في الحديث الصحيح .

عاشرًا: حرية الإنسان في ماله، ليست حرية مطلقة؛بل مقيدة في حدود ما أذن الشرع به بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص عندما أراد أن يوصي بثلثي ماله :(الثلث والثلث كثير )، فتصرف الإنسان في ماله ليحرم من له حق في ماله بعد وفاته التفاف على الشرع وتحايل عليه.
حادي عشر: ما يملكه الإنسان في حال حياته من مال -بعد انفاقه وتصرفه في ماله بما أذن به الشرع – يسمى تركة باعتبار المآل-يعني:باعتبار ما سيكون-
بدليل ما رواه البخاري ٤٥٧٧ ، ومسلم (٦١٦) عن جابر قال :(عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فوجداني لا أعقل فدعا بماءٍ فتوضأ ثم رش عليّ منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله. فسكت حتى نزلت :(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاثنثيين ). فدل هذا الحديث على تسمية المال تركة في حال الحياة باعتبار ما سيكون.

وخلاصة الكلام:فالعلماء اختلفوا في مسألة توزيع التركة قبل الممات، والراجح -والله أعلم- ترك توزيع التركة في حال الحياة وإبقاء الأمور على ما هي عليه حتى الوفاة، أولا:لقوة الأدلة التي استند إليها المانعون.
ثانيا: لأن الإنسان لا يدري ما تحمل الأيام والليالي كما تقدم.
هذا بالنسبة لمن يريد أن يوزع تركته بين أولاده بالعدل، أما من يريد توزيع تركته في حال حياته ليحرم من له حق في الميراث بعد وفاته، فلا خلاف بين العلماء بحرمة ذلك ،لقوله تعالى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى