مقال

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع كلام المصطفي العدنان، وكان الأمر فيها رجحان الظن بصحة نسبتها، وبراءتها من التغيير والتحريف، مما أوجب على جميع المسلمين العمل بها، وأما عن رد الشبهة الثالثة، وهى رواية الحديث بالمعنى، فإنه ليس لهذه الشبهة قيام إلا إذا كان من أثرها الشك في صحة الحديث، وفقدان الظن بصحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة كما نعلم منها المقطوع به، ومنها المظنون، والمقطوع به لا يصلح محلا لهذه الشبهة، إذ في القطع به إزالة ونفي لكل شك ولكل ريبة، أما المظنون فهو الذي يصلح أن يكون محلا لبحث هذه الشبهة والنظر فيها، والمظنون كما تعلم إذا كان الظن بصحة نسبته راجحا وجب العمل به، وإلا لم يجب به العمل.

 

وبناء على ذلك لا يكون لهذه الشبهة أثر إلا فيما عمل به، إذا كان من أثرها الشك فيه وعدم الظن بصحة نسبته، أما مع وجود هذا الظن بصحة نسبته فالعمل به واجب، ولا أثر لاحتمال الخطأ بروايته بالمعنى، لأنه احتمال يبعده الدليل، ولقد كان الصحابة والتابعون وأتباعهم يتثبتون في قبول الأخبار وروايتها، شديدي الورع والخشية عند روايتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد أن يعلمهم إياه، من بيان في دين الله، أو حديث في إفتاء أجاب به في سؤال رفع إليه، أو قضاء في نزاع فصل فيه، وذلك إذا ما دعا إلى روايتهم ذلك حادثة عرضت لهم، يود الراوي منهم لو كفي مؤونة ذلك، مخافة ألا تكون روايته على وفق ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وذلك ما دلت عليه آثار عديدة، رويت حول تثبت الصحابة في الرواية، وميل بعضهم إلى الإقلال منها مخافة الوقوع في الخطأ، ولقد كان كثير منهم شديد الحرص على نقل الحديث بألفاظه، كما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما يدل على ذلك كثير من تلك الآثار المروية، وكما كان منهم من ترخص عند الحاجة في الرواية بالمعنى، فكان لا يجد حريجة في روايته حديثا بمعناه إذا ما أعوزه اللفظ لنسيان، مع الإشارة إلى أن ما يرويه ليس بما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لفظ، وذلك بأن يضيف إلى الحديث ما يدل على ذلك من نحو، هكذا، أو نحوا من هذا، أو قريبا من هذا، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وذلك لوثوقه من فهمه.

 

ومن معرفته باللغة العربية، ودلالتها، وأساليبها، وطرائق استعمالها، والإحاطة بمعاني ألفاظها، وخلاصة القول في ذلك أن رواية الحديث بالمعنى كانت محل خلاف بينهم، فمنهم من منعها وأبى ألا يروي حديثا إلا بلفظه الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نقل عنه، ومنهم من أجاز ذلك بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرع للناس في جميع أحواله وأزمانه، وفي كل مكان يحل فيه، وليس من المتيسر أن يوجد معه في كل أوقاته وأماكنه الحافظ الضابط الذي يستطيع حفظ لفظ كما سمعه، والمحافظة عليه دون نسيان أو تغيير، وللناس جميعا حاجة فيما شرع، ولا تندفع إلا بإبلاغهم، وليس يتيسر إبلاغهم دائما بما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبارة.

 

لذلك وجب الاكتفاء بإبلاغ المعنى مع المحافظة عليه، وذلك أمر ميسور، ولا مشقة فيه، وإلى هذا كان من شرعه ما هو تقرير لما حدث أمامه من قول أو فعل، وليس يروى ذلك إلا بما يدل عليه من ألفاظ لم تصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان ذلك سبيلاً معتبرا لرواية السنن الفعلية كان سبيلا كذلك لرواية السنن القولية، ويؤيد هذا الرأي ما رواه عروة بن الزبير قال، قالت لي السيدة عائشة رضي الله عنها، يا بني يبلغني أنك تكتب الحديث عني ثم تعود فتكتبه، قلت لها أسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره، فقالت هل تسمع في المعنى خلافا؟ قلت لا، قالت لا بأس وعن محمد بن سيرين ربما سمعت الحديث عن عشرة كلهم يختلف في اللفظ، والمعنى واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى