مقال

مشروعية سجدة الشكر ” جزء 1″

مشروعية سجدة الشكر ” جزء 1″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

 

لقد أغدق الله عز وجل، نعمه على الإنسان، وأسبلها عليه ظاهرة وباطنة، وفي جميع نواحي حياته، فحيثما نظر، أو تفكر واعتبر وجد نعم الله سبحانه وتعالى في كل أمر من أموره، وفي كل شأن من شؤونه، وقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم مخاطبا عباده “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم” فى سورة النحل، ومن أعظم هذه النعم هو الهداية للإسلام، والانقياد لأوامره جل في علاه، ولقد شرع الله سبحانه وتعالى، العبادات للناس ليتقربوا بها إليه، وليشكروه عز وجل، على ما أنعم به عليهم من نِعم باطنة وظاهرة، فإذا حصلت للعبد نعمة مفاجئة أو كانت غير متوقعة أو غير منتظرة، أو نجاه من كارثة حتمية فقد شُرع له أن يشكر الله على تلك النعمة بعبادات عاجلة أو آجلة، ومن العبادات المخصوصة لشكر تلك النعم أن يسجد المرء لله عز وجل، فيتوجه إليه ويشكره على ما أنعم به عليه.

 

 

فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا سجد، وإن نعم الله سبحانه وتعالى منها الدائم الملازم، ومنها ما يمُن الله عز وجل، به على عبده بين الحين والآخر، ولما كانت النعم تقابل بالحمد والشكر والعرفان، والتزاما بقول الله عز وجل “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد” فى سورة إبراهيم، ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيفية من كيفيات شكر الله عز وجل، على نعمه، وهى بسجود الشكر، ومعنى سجود الشكر، هو أن السجود لغة من الانحناء والخضوع ووضع الجبهة على الأرض، وقد قال أبو عمرو أسجد الرجل، إذا طأطأ رأسه وانحنى، وأما معنى السجود اصطلاحا فهو وضع الأعضاء السبعة فوق ما يصلى عليه من أرض أو غيرها، والشكر هو لغة يأتي بمعان أربعة متباينة ما يهمنا منها ما وافق المعنى الاصطلاحي وهو الثناء.

 

والشكر هو أيضا يمعنى صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله، وللسجود أشكال متعددة، فمنه السجود في الصلاة المفروضة، وصلاة النوافل، والسجود عند قراءة أو سماع آية وردت فيها إحدى سجدات التلاوة المعروفة، وسجود الشكر لله سبحانه وتعالى، على نعمه، وبهذا السجود يكون العبد في قمة الخضوع لله عز وجل، والتذلل له مُعربا عن ضعفه وحاجته لخالقه في كل أوقاته وأحواله، وسجود الشكر من السنن التي غفل عنها الكثير من الناس، حيث يُشرع عندما يحصل للمسلم نعمة عامة أو خاصة، أو يُصرف عنه أمر سيئ، والمراد بالنعمة هي النِعم المُتجددة، فنعم الله واردة على الإنسان في كل لحظة، وأما عن سجود الشكر كيف يكون؟ وما هي مشروعيته؟ فسجود الشكر مثل سجود الصلاة سجدة واحدة.

 

ويقول فيها ما يقول في سجود الصلاة، وهو سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى ويحمد الله ويثني عليه على النعمة التي حصلت، ويدعوه عز وجل، ويشكره، وهذا سجود الشكر كون الإنسان بشر بأن الله عز وجل، رزقه ولدا أو بشر بأن أمه شفيت من مرضها أو أباه، أو بشر بأن المسلمين فتح الله عليهم ونصروا على عدوهم فإنه يشرع له السجود شكرا لله، ولو كان على غير طهارة ويقول في السجود مثلما يقول في سجود الصلاة، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويقول اللهم اغفر لي اللهم ارزقني الشكر على نعمتك، الحمد لله على هذه النعمة، ونحو ذلك، وأما عن كيفيّة أداء سجود الشكر، فسجود الشكر نفس سجود التلاوة، فلا يلزم فيه أي شرط من شروط الصلاة، فقط يخر المسلم ساجدا دون أن يُكبر، ثم يقول كما يقال في سجود الصلاة أو سجود التلاوة، ويشكر الله على نعمه.

 

ويدعوه بما يريد، وكل ذلك دون وضوء، أو تكبير، أو تشهد، أو تسليم، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، في سجدة الشكر قول أو دعاء مخصوص أو ذكر مُعين، بل يقول المسلم ما يُقال عند السجود، ويمكنه أن يجتهد بما يشاء من ذكر أو أي كلام فيه من شكر الله وتقديسه وتمجيده، ويجوز له إضافة تحميد، أو استغفار أو شكر، أو دعاء، كما أنه إذا بُشر المسلم بما يَسره وهو يُصلي فلا يجوز له أن يسجد سجدة الشكر، أو أن يصلي ثم يضيف سجدة للصلاة على أنها سجدة شكر فذلك يبطل الصلاة، حيث إن سبب سجوده ليس من الصلاة، ولا يجوز إضافة شيء في الصلاة ليس منها، أو زيادة ما لم يرد فيه نص عليها، وإذا طال الفصل بين سجدة الشكر وسببها فلا يشرع له السجود لانتفاء السبب، وأما عن أسباب سجود الشكر، فهى إذا طرأت على المسلم نعمة ظاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى