مقال

السيدة حفصة بنت عمر “جزء 5”

السيدة حفصة بنت عمر “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع السيدة حفصة بنت عمر، فاستأذن عمر في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم، وكرر النداء، ورباح لا يجيب، عندها رفع عمر صوته في أسى وضراعة يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظنه ظن أني جئته من أجل حفصة، والله لئن أمرني بضرب عنقها لأضربن عنقها، وبلغ صوته فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم،، فرق وأذن له، فلما دخل عمر أجال بصره في الخزانة وبكى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ما يبكيك يا بن الخطاب؟” فأشار عمر إلى الحصير الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم، مضطجعا عليه، وقد أثر في جنبه، وإلى قبضة من الشعير، ومثلها من قرظ، كانا كل ما في الخزانة من طعام، ثم كفكف عبرته.

 

وقال يا رسول الله، ما يشق عليك من أمر النساء؟ إن كنت طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عمر طمأنينته بابتسامة رقيقة، فما طلق الرسول نساءه، ولكن هجرهن شهرا، كاد قلب عمر يثب من صدره فرحة وابتهاجا، واستأذن رسول الله أن ينزل إلى المسجد ليعلنها جهرة بصوته الندي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يطلق نساءه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعده فتلا قول الله عز وجل من سورة التحريم، وقد حظيت السيده حفصة بنت عمر الخطاب رضي الله عنها بالشرف الرفيع الذي حظيت به سابقتها عائشة بنت أبي بكر الصديق، وتبوأت المنزلة الكريمة من بين أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

 

وتدخل حفصة بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهى ثالثة الزوجات في بيوتاته صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت بعد السيده سوده وبعد السيده عائشة، أما السيده سوده فرحبت بها راضية، وأما السيده عائشة فحارت ماذا تصنع مع هذه الزوجة الشابة، وهي من هي، بنت الفاروق عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام قديما، وملئت قلوب المشركين منه ذعرا، وقد سكتت عائشة أمام هذا الزواج المفاجئ وهي التي كانت تضيق بيوم ضرتها السيده سوده، التي ما اكترثت لها كثيرا، فكيف يكون الحال معها حين تقتطع السيده حفصة، من أيامها مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثلثها؟ وتتضاءل غيرة عائشة من حفصة لما رأت توافد زوجات أخريات على بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وهن زينب، وأم سلمة، وزينب الأخرى، وجويرية، وصفية، وإنه لم يسعها إلا أن تصافيها الود، وتسر حفصة لود ضرتها عائشة، وينعمها ذلك الصفاء النادر بين الضرائر؟ وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لزمت حفصة بنت عمر بيتها، ولم تخرج منه، ولم يرد ذكرها سوى في حدثين هامين، الأول بعد حروب الردة، وما أصاب المسلمين من فقد الكثير من حفظة القرآن، وقد قرر أبو بكر جمع القرآن بمشورة من صاحبه عمر بن الخطاب، فأمر زيد بن ثابت بجمعه في مصحف واحد ظل عند أبي بكر حتى وفاته، ثم صار عند عمر، وبعد وفاة عمر، صار هذا المصحف في حوزة أم المؤمنين السيده حفصة، ثم اختلف الناس في زمن عثمان بن عفان، لاختلاف القراءات حول أيها أصح.

 

فأرسل عثمان إلى حفصة يطلب المصحف لينسخ منه عددا من النسخ، والثاني لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة إثر الفتنة التي ضربت المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان فقد همت حفصة بالخروج معها، إلا أن أخاها عبد الله بن عمر حال بينها وبين الخروج، وكانت دار حفصة بنت عمر بن الخطاب، تقع هذه الدار جنوب المسجد النبوي، وعن عبد الله بن عمر بن حفص قال، مد عمر بن الخطاب جدار القبلة إلى الأساطين التي إليها المقصورة، ثم زاد عثمان بن عفان حتى بلغ جداره، ثم قال فسمعت أبي يقول لما احتيج إلى بيت حفصة قالت فكيف بطريقي إلى المسجد، فقال لها نعطيك أوسع من بيتك ونجعل لك طريقا مثل طريقك فأعطاها دار عبد الله بن عمر، وكانت مربدا، وكانت حفصة بنت عمر بن الخطاب قد ابتاعت تلك الدار من أبي بكر الصديق.

 

وبقيت في يدها إلى أن أراد عثمان بن عفان توسعة المسجد، فطلبت منها فأمتنعت قائلة كيف بطريقي إلى المسجد، فقال لها عثمان نعطيك دارا، أوسع منها ونجعل لك طريقا مثلها، فسلمت ورضيت، وقدعُرفت السيدة حفصة رضي الله عنها بالصيام والقيام، وعُرفت بالعلم ونقل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روت عنه ستين حديثا وقد اتفق الشيخان على أربعة منهم، وتوفيت السيده حفصة في شعبان فى العام واحد وأربعين من الهجره بالمدينة في أول خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة في ذلك الحين، ودفنت في البقيع، ونزل في قبرها أخواها عبد الله وعاصم، وقيل ماتت أم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وقيل توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ عامل على المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى