مقال

قبل أن تحمل لقب ميت!!

قبل أن تحمل لقب ميت!!

 

 

 

الأضـواء: حمادة غالي

الموت ضيف مقيم مخيف، محيط بينا في كل مكان، وكل وقت، لا يقبل الرشوة من الأغنياء، ولا يهاب الملوك وأصحاب المناصب، ولا تُغلق دونه أبواب القصور والدور

الحياة بسيطة وقصيرة. والموت مفاجئ، وانتقام القدر للأرواح لا يرحم أحد.

 

ظاهرة غريبة وجديدة اقترنت بالموت، طلت علينا هذه الأيام بالتزامن مع كل صلاة جنازة هناك مشاهد تتكرر، ومطالبات تكثر، ومطالبون أكثر، كلهم يطالبونك بالشىء ذاته: (سامحه).. فهو الآن ميت وبين يدي رب غفور..!! اعف عنه.. لعل الله يغفر له..”!!

 

تلك المشاهد تتكرر أثناء صلاة الجنازة بعد كل حالة وفاة،

 

وقد نرى مفارقات عجيبة بين جنازة وأخرى؛ فبعضهم تجد الناس طواعية يسامحونه، ويزيدون على ذلك بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، وبعضهم يلح بالدعاء، وكأنه يدعو لنفسه أو لوالديه..!!

 

وعلى النقيض هناك البعض الآخر من الأموات تجد كثير من الناس لا يسامحونه، ولا يدعون له، بل قد يدعون عليه..!! وهذا النوع تجد أهله يلحون على الناس بمسامحته. فلماذا هذه المفارقة العجيبة..؟!! وما هو السر وراء ذلك..؟!!

 

السر يكمن في الميت ذاته، وعلاقته بالآخرين، وما تركه من أثر في حياتهم

فالأول الذي يدعو له الناس تجده كان بينهم كبائع المسك؛ إما أن يبيعك، أو تجد منه ريحاً طيبة،

والآخر الذي يدعو الناس عليه كان بينهم كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحاً خبيثة.

 

ومن هنا أتوجه لحضراتكم ببعض الرسائل؛ وأتمنى أن تجد الصدى قبل فوات الأوان:

أخي الحبيب: قبل أن تحمل لقب ميت.. قبل أن تفقد كل شيء حتى اسمك.. فيصبح مسماك: جثة.. أو جنازة..!!

اختر لنفسك موقعًا عند الناس؛ فأنت بين حامل مسك، ونافخ كير..!! واعلم أن الناس شهود الله في أرضه كما جاء في الحديث الشريف -بما معناه-: مرَّت علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جنازة فأُثني الناس عليها خيرًا من مناقب الخير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وجبت، ثم مرَّت عليه -صلى الله عليه وسلم- جنازة فأُثني الناس عليها شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وجبت.. أنتم شهود الله في الأرض”. أخرجه ابن حبان في صحيحه.

 

وتذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. صحيح مسلم.

 

ويا أولياء الميت: قبل أن تتوسلوا الناس، وتلحون عليهم بذريعة أنه الآن ميت، وبين يدي ربه، ويحتاج منا إلى العفو والصفح والدعاء له.. إنصحه الآن قبل فوات الأوان بأن يكف أذاه عن الناس؛ فلا يظلم هذا، ولا يبهت ذاك، ولا يتجنى على أحد، ولا يخرب بيت أحد، وألا يفرق بين المرء وزوجه..!! فيتجاوز مرحلة نافخ الكير.. ويتجاوز المغتاب.. ويكون ظالم مؤذ لنفسه ولغيره..!! فلا تجد بيتاً إلا ودخله ظلمه، ولا تجد شخصاً إلا ولحقه أذاه.. فكم فرَّق بين الأب وأبنائه، وكم فرَّق بين الأخ وأخيه، وكم شرَّد من أسرة، وهدم من بيت بعد أن خدعهم ونصب عليهم وأكل أموالهم ظلما بدعوى التجارة والشراكة..!! وكم.. وكم.. وكم.. وكم..؟!! فقد تجاوز كل الحدود، وزاد في الإسراف في الخراب والدمار

وبعد كل هذا تطلب من الناس أن يسامحوه..!! وتلح عليهم في الطلب..؟! بل تتجاوز ذلك إلى حد الغضب منهم، والمخاصمة والمقاطعه وتشنع عليهم لأنهم لم يسامحوا هذا الميت..!!

 

قبل أن تلوم الناس.. وقبل أن تقيم الدنيا ولا تقعدها.. وتتشدق.. وتتفنن.. ..!! وتتهكم وتسخر ممن لا يسامحون ميت..

إعلم -سعادتك- أنهم إلى هذه اللحظة التي تطالبهم فيها بالعفو والصفح، مازالوا يعانون من عمل ميتك الذي تطالب بالصفح عنه..!! ويدفعون الثمن غاليًا بسبب أعماله، وأفعاله، وتجنيه، ومكائده، ودسائسه، وأسحاره، وحسده، وحقده، وظلمه، وزوره، وبهتانه..!!!!! فبدلاً من مطالبتهم بذلك خلِّصهم من أذاه الآن وهو حي، واجعله يكف أذاه عنهم، ويُخلِّصهم من مكائده، ويرفع عنهم حقده، وحسده، ويُخلِّصهم من أعماله، وأسحاره..!! ويتوب إلى الله توبة نصوحا.. وإلا.. فوالله.. وبالله.. وتالله.. لن يسامحه أحد بعد وفاته، ولن تنفعه شفاعتك، ولا شفاعة الشافعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى