مقال

أصل الحياة الطيبة ” جزء 2″

أصل الحياة الطيبة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع أصل الحياة الطيبة، وقال بعضهم لولده “يا بُني، احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه” وقال الأصمعي “قيل لكذاب ما يحملك على الكذب؟ قال “أما إنك لو تغرغرت بمائه ما نسيت حلاوته” وقيل للكذاب هل صدقت قط؟ فقال أخاف أن أقول لا فأصدق” وإن أصل الحياة الطيبة وقاعدة السعادة المنشودة وأساس العاقبة الحسنة في العاجل والآجل يكمن في الصدق مع الله عز وجل ظاهرا وباطنا، قولا وفعلا، طاعة وامتثالا، فعلى هذا المرتكز تتحقق الثمار الطيبة والنتائج المرضية دنيا وأخرى، ويقول الله تعالى فى سورة محمد ” فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا قسما من غنائم خيبر، فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال “ما على هذا اتبعتك يا رسول الله.

 

ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا وأشار إلى حلقه، فأموت فأدخل الجنة، فقال “إن تصدقِ الله يصدقك” ثم نهض إلى قتال العدو، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مقتول، فقال صلى الله عليه وسلم “أهو هو؟” فقالوا نعم، فقال “صدق الله فصدقه” فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم، في جبته ثم دعا له “اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا فى سبيلك قُتل شهِيدا وأنا على ذلك شهِيد” إنه الصدق الذي يعيش به القلب والبدن والظاهر والباطن في رعاية تامة لأوامر الله عز وجل، والاستقامة على منهجه سبحانه وتعالى إنها تربية الباطن باليقظة الدائمة، والحذر التام من الجبار عز وجل، ومن سخطه وأليم عقابه، والسعي إلى رضوانه وجنته فهو سبحانه القائل فى سورة آل عمران ” ويحذركم الله نفسه ” ولهذا فالأمة المسلمة اليوم وهي تحيط بها الفتن من كل جانب.

 

وتعلو حياتها المصائب من كل حدب في أمس الحاجة للصدق مع الله عز وجل، فتحتاج إلى صدق الإيمان والطاعة، وصدق التوجه والإرادة، وصدق العمل والاتباع في كل شأن، وفي جميع مجالات الحياة، وإن هذا الأصل هو المقوم لعمل الأفراد والمجتمعات نحو الإصلاح والفلاح والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، وهو الذي يقودها إلى الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب، ولهذا فإن الحاكم في حاجة للصدق مع الله عز وجل في سياسة الرعية ومراعاة مصالحهم والقيام على تحقيق شئونهم، وكذلك الرعية في حاجة إلى الصدق مع الله عز وجل في طاعة الحاكم على المنهج الإسلامي الذي جاء به الشرع المطهر، لتحقيق مجتمع فاضل تتحقق فيه الحياة الطيبة والعيشة الرضية، وهكذا كل مسئول لا يستقيم منهجه ولا يصلح عمله ولا يفلح سعيه إلا إذا صدق مع الله عز وجل.

 

وصدق في المنهج الشرعي الذي تقوم عليه أصول مسئوليته، وكان ابتغاء رضوان الله ونيل ما عنده الباعث له في كل تصرفاته، فالقاضي لا يوفق إلى الصواب إلا بصدق تام مع الله عز وجل، والمفتي لا يهتدي إلى ما فيه براءة ذمته إلا إذا كان صادقا مع الله تعالى ظاهرا وباطنا، وهكذا التاجر في تجارته، والعامل في صنعته، والكاتب في كتابته، والإعلامي في إعلامه، وهكذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ” من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه “رواه مسلم، ومن الأمور التي يكون فيها التصديق له أجر عظيم، تصديق المؤذن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له مد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه ” رواه أحمد.

 

وكذلك من الأمور المهمة أن القاضي ينبغي أن يتحرى صدق أصحاب الأقوال، وأن المدعين لا يجوز لهم أن يكذبوا، وبعض المدعين قد يخدعون القاضي فيوهمونه بقول الصدق وهم يكذبون فلا يحسب هؤلاء أنهم قد نجوا أو غنموا شيئا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، سمع مرة خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض في الكلام بلاغة وفصاحة فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها “رواه البخاري، وكذلك الطيرة من الشرك، ولكن أصدق الطيرة الفأل كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “أصدق الطيرة الفأل فالطيرة تشاؤم وهو حرام، أما التفاؤل فهو أصدقها وهو مباح وجائز، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى