مقال

الدكروري يكتب عن أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد “جزء 5”

الدكروري يكتب عن أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وفي يوم أحد أصاب أبا سلمة سهم في عضده رماه به أبو أسامة الجشمي، فرجع إلى منزله فجاءه الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى حمراء الأسد، فركب حمارا وخرج يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه حين هبط من العصبة بالعقيق فسار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انصرف مع المسلمين ورجع من العصبة، وأقام أبو سلمة شهرا يداوي جرحه حتى رأى أن قد برأ ودمل الجرح على بغي لا يدرى به، فلما كان هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة، فقد شكل رسول الله سرية من مائة وخمسون مقاتلا، ودعا أبا سلمة فقال اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها، وعقد له لواء.

 

وقال سر حتى ترد أرض بني أسد، فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم، وأوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وكان سبب هذه السرية أن رسول الله بلغه أن أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما للهجوم على المدينة المنورة، وقالوا نسير إلى محمد في عقر داره، ونصيب من أطرافه فإن لهم سَرحا يرعى جوانب المدينة، ونخرج على متون الخيل فقد أربعنا خيلنا ونخرج على النجائب، فإن أصبنا نهبا لم ندرك وإن لاقينا جمعهم كنا قد أخذنا للحرب عدتها، معنا خيل ولا خيل معهم، ومعنا نجائب أمثال الخيل، والقوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش حديثا، فهم لا يستبلون دهرا ولا يثوب لهم جمع، فخرج أبو سلمة في أصحابه فأغذوا السير، وتنكب بهم عن سنن الطريق وعارض الطريق وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار.

 

وانتهوا إلى أول ماء من مياه بنى أسد يدعى قَطن، كانوا مجتمعين عليه ويبعد ثلاثة مائة كيلو متر شرقا عن المدينة المنورة، فوجدا سرحا للمتآمرين فأغاروا عليه فضموه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم، فجاءوا جمعهم فخبروهم الخبر، وحذروهم جمع أبي سلمة وكثروه عندهم، فتفرق الجمع في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء فوجد الجمع قد تفرق، فعسكر وفرق أصحابه فجعلهم ثلاث فرق، فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى، وأوعز إليهما ألا يمعنوا في طلب، وألا يبيتوا إلا عنده إن سلموا، وقد أمرهم ألا يفترقوا، واستعمل على كل فرقة عاملا منهم، فآبوا إليه جميعا سالمين غانمين، وعاد السرية ظافرة منتصرة وقد كسرت شوكة عدو الله ورسوله، ولما مرض أبو سلمة جاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فوافق دخوله عليه خروج نفسه.

 

وبينه وبين النساء ستر مستور فبدأ بعض النسوة في الدعاء على أنفسن، كأن يقلن ويحي أو يا شؤم حظي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرتم الميت فلا تدعون على أنفسكن إلا بخير فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون، فلما فاظت نفسه بسط النبي صلى الله عليه وسلم، كفيه على عينيه فأغمضهما، ودعا له هذا الدعاء العظيم ” اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه ” وقيل أنه فيه نزلت الآيات من سورة الحاقة ” فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه، إنى ظننت أنى ملاق حسابيه، فهو فى عبشة راضيه، فى جنة عاليه، قطوفها دانيه، كلوا واشربوا هنئيا بما أسلفتم فى الأيام الخالية” وقد تم تغسيل أبو سلمة بالعالية.

 

وكان ينزل هناك حين تحول من قباء، من بئر اسمها اليسيرة لبني أمية بن زيد، وقد غسّل بين قرني البئر، وكان اسم البئر في الجاهلية العبير فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم اليسيرة، وروى مسلم وابن ماجة عن أم سلمة رضى الله عنها قالت ” لما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، ما أقول؟ قال قولي ” اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عُقبى حسنة ” قالت فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وقد كان وقع وفاة أبي سلمة قاسيا على أم سلمة رضي الله عنهما، فقد روى الإمام مسلم عنها قالت رضي الله عنها “لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي أرض غربة، لأبكينه بكاء يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد، وهى تعني العالية في المدينة المنورة، تريد أن تسعدني، أي تشاركني النوح، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه؟ ” مرتين، وكففت عن البكاء فلم أبكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى