مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حاتم الرازي ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حاتم الرازي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الإمام أبو حاتم الرازي، هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار ؟ قال لا، وإن قيل أخبرك الذي بهرجه ؟ قال لا، قيل فمن أين قلت ؟ قال علما رزقته، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، وكذلك إذا حمل إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج، يعرف ذا من ذا، ويقول كذلك، وكذلك نحن رزقنا علما، لا يتهيأ له أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا كذب، أو هذا منكر، فنعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته، قال وسمعت أبي يقول قلت على باب أبي الوليد الطيالسي من أغرب علي حديثا غريبا مسندا لم أسمع به صحيحا، فله علي درهم يتصدق به، وكان ثم خلق أبو زرعة، فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع به، فيقولون هو عند فلان، فأذهب وأسمعه.

 

فلم يتهيأ لأحد أن يغرب علي حديثا، وسمعت أبي يقول كان محمد بن يزيد الأسفاطي قد ولع بالتفسير وتحفظه، فقال يوما ما تحفظون في قوله تعالى “فنقبوا في البلاد” فبقي أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض، فقلت حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال “ضربوا في البلاد” فاستحسن، وسمعت أبي يقول قدم محمد بن يحيى النيسابوري الري، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا، من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث، وسائر ذلك لم تكن عنده، ولم يعرفها، وسمعت أبي يقول أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، قلت مسافة ذلك نحو أربعة أشهر، سير الجادة، قال ثم تركت العدد بعد ذلك وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا.

 

ثم إلى الرملة ماشيا، ثم إلى دمشق ثم أنطاكية وطرسوس، ثم رجعت إلى حمص ثم إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة، وخرجت من الري، فدخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث عشرة، وجاءنا نعي المقرئ وأنا بالكوفة، ثم رحلت ثانيا سنة اثنتين وأربعين، ثم رجعت إلى الري سنة خمس وأربعين، وحججت رابع حجة في سنة خمس وخمسين، وحج فيها عبد الرحمن ابنه، وسمعت أبي يقول كتب عني محمد بن مصفى جزءا انتخبه وكلمني دحيم في حديث أهل طبرية وكانوا سألوني التحديث، فقلت بلدة يكون فيها مثل دحيم القاضي أحدث أنا بها ؟ فكلمني دحيم، فقال إن هذه بلدة نائية عن جادة الطريق فقل من يقدم عليهم يحدثهم، وسمعت أبي يقول خرجنا من المدينة، من عند داود الجعفري وصرنا إلى الجار وركبنا البحر، فكانت الريح في وجوهنا.

 

فبقينا في البحر ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا وخرجنا إلى البر نمشي أياما، حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء، فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب ويوم الثاني كمثل ويوم الثالث، فلما كان يكون المساء صلينا، وكنا نلقي بأنفسنا حيث كنا، فلما أصبحنا في اليوم الثالث، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا، وكنا ثلاثة أنفس شيخ نيسابوري وأبو زهير المروروذي، فسقط الشيخ مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل فتركناه، ومشينا قدر فرسخ فضعفت وسقطت مغشيا علي ومضى صاحبي يمشي فبصر من بعد قوما، قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى، فلما عاينهم، لوح بثوبه إليهم فجاءوه معهم ماء في إداوة، فسقوه وأخذوا بيده، فقال لهم الحقوا رفيقين لي، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهه، ففتحت عيني، فقلت اسقني، فصب من الماء في مشربة قليلا.

 

فشربت ورجعت إلي نفسي ثم سقاني قليلا، وأخذ بيدي، فقلت ورائي شيخ ملقي، فذهب جماعة إليه وأخذ بيدي وأنا أمشي وأجر رجلي حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم وأتوا بالشيخ وأحسنوا إلينا فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا، ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم وزودونا من الكعك والسويق والماء، فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت، فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر، حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس، فعمدنا إلى حجر كبير، فضربنا على ظهرها، فانفلق، فإذا فيها مثل صفرة البيض فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع ثم وصلنا إلى مدينة الراية، وأوصلنا الكتاب إلى عاملها، فأنزلنا في داره فكان يقدم لنا كل يوم القرع ويقول لخادمه هاتي لهم اليقطين المبارك، فيقدمه مع الخبز أياما، فقال واحد منا ألا تدعو باللحم المشئوم ؟ فسمع صاحب الدار.

 

فقال أنا أحسن بالفارسية، فإن جدتي كانت هروية وأتانا بعد ذلك باللحم، ثم زودنا إلى مصر، وسمعت أبي يقول كتبت الحديث سنة تسع، وأنا ابن أربع عشرة سنة وكتبت عن عتاب بن زياد المروزي سنة عشر، فلما قدم علينا حاجا وكنت أفيد الناس عن أبي عبد الرحمن المقرئ ، وأنا بالري، فيخرج الناس إليه فيسمعون منه، ويرجعون وأنا بالري، وسمعت أبي يقول كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ، وسرت من الكوفة إلى بغداد، ما لا أحصي كم مرة، وتوفي الإمام ابن أبي حاتم في شهر محرم من سنة سبع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة، وله بضع وثمانون سنة، رحم الله تعالى هذا الإمام الكبير الذي كان من أعمدة حفظ السنة النبوية، ورزق أولادنا وشباب المسلمين همة كهمة أسلافهم، تعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وتقر بهم أمتهم، إنه سميع مجيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى