مقال

الدكروري يكتب عن فاكهة المجالس المحرمة ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن فاكهة المجالس المحرمة ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع فاكهة المجالس المحرمة، وقيل أن رجلا قال للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، إني أريد أن أسرّ إليك حديثا، فأشار الخليفة إلى أصحابه بالانصراف، فلما أراد الرجل أن يتكلم قال الخليفة قف، لا تمدحني، فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني فأنا لا أعفو عن كذوب، ولا تغتب عندي أحدا فلست أسمع إلى مغتاب، فقال الرجل هل تأذن لي في الخروج؟ فقال الخليفة إن شئت فاخرج، ولقد أمركم الله عز وجل بتقواه وبالقول السديد، ووعدكم على ذلك بالمغفرة وإصلاح الأحوال والتوفيق والتسديد، فمن اتقاه بفعل الأوامر واجتناب النواهي فقد فاز فوزا عظيما، ومن ضيع تقواه واتبع هواه بغير هدى من الله أعد له عذابا أليما، ومن استقام على التقوى ولزم في منطقه القول السديد هُدي إلى الطيب من القول وإلى صراط الحميد.

وقد رتب الله سبحانه وتعالى على هذين الأمرين خير الدنيا والآخرة، وأنعم على من قام بهما بالنعم الباطنة والظاهرة، فمن اتقى الله وأعمل لسانه بذكر الله، واستعمل الخلق الجميل مع عباد الله، جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب, ومن اتقى الله ولزم القول السديد يسره الله لليسرى، وجنبه السوء والعسرى، وغفر له في الآخرة والأول، وأن رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال”إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد” متفق عليه، فاحفظوا ألسنتكم من هذه الغيبة الشنيعة ومن هذه المعصية الوضيعة، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه بالطاعات، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

” من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة ” متفق عليه، وإن من الظواهر الخطيرة الطوام والآفات الكبيرة في مجالسنا هو الغيبة، والمقصود بها ذكرك أخاك بما يكره في النيل من عرضه، والكلام من خلفه بما لا يرضاه في بدنه أو نسبه، أو في خلقه أو فعله أو قوله، أو في دينه أو دنياه، أو في ثوبه وداره ودابته، فالغيبة والنميمة صاحبها منقوض وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب وتكثر فيه العيوب فقد نهى الله عنها وشبه فاعلها بصورة مكروهة للإنسان وينفر منها طبعه، وهذا النهي في غاية التنفير من الغيبة، وحين يشبّه الله المغتاب للمسلم بمن يأكل لحمه ميتا، فإن كان المغتاب يكره أكل لحم أخيه وهو ميت وينفر من تلك الصورة فلا يأكل لحمه وهو حي بالغيبة والنميمة، فإن الغيبة كأكل لحمه ميتا.

ولو تفكر المسلم في هذا التشبيه فقط لكان زاجرا عن الغيبة كافيا في البعد عنها، وإن كبائر الذنوب هي سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره، وزاد خطره وإن من كبائر الذنوب والمعاصي الغيبة والنميمة، وقد حرمها الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأنها تفسد القلوب، وتباعد بينها، وتزرع الشرور، وتورث الفتن وتجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفعه الندم، وتوسع شقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد، وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء، وتنقص الحسنات، وتزيد بها السيئات، وتقود إلى الهوان والمذلة، فالغيبة فشا ضررها وكثر خطرها وصارت مائدة لمجالسنا وفاكهة لمسامراتنا.

وتنفيس الغير وتنفيس الغضب والحقد والحسد، وقد يظن المغتاب أنه يستر بالغيبة عيوبه، وأنه يضر من اغتابه، وما علم أن أضرار الغيبة عليه، فالمغتاب ظالم والمتكلم فيه مظلوم، وأما النميمة فهي أشد ضررا لنشرها الشرور والكذب والوقيعة بين الناس، سواء كان الكلام المنقول صدقا أم كذبة أم حتى مزاحا يؤثر في القلب، ويوم القيامة يوقف النمام والمغتاب بين يدي الله الحكم العدل، ويناشد المظلوم ربه مظلمته، فيعطي الله المظلوم من هذا المغتاب والنمام الظالم حسنات، أو يضع من سيئات المظلوم فيطرحها عليهم بقدر مظلمة الغيبة والنميمة في يوم لا يعطي والد ولده حسنة، ولا صديق حميم يعطي صديقه حسنة، كل يقول نفسي نفسي، ومن أراد الأجر فليدفع عن أخيه الغيبة والنميمة، وكبائر الذنوب سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا والآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره وزاد خطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى