مقال

الدكروري يكتب عن إياكم والوالدين ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إياكم والوالدين ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع إياكم والوالدين، وكما بالمقابل فتجد من يجحد حق والديه هو أول ما تسير النعمة في أيديهم، فروي أنه جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو والده أنه أخذ ماله، فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم والد هذا الشاب، عندها نزل جبريل عليه السلام وقال “أسأل الرجل عما أسرّ في نفسه ولم يطلع عليه أحد” فقال الرجل غدوتك مولودا ومنتك يافعا، تعل بما تجبى عليك نفسي وتنهل إذا ليلة ذاقتك بالسهم لم أبت، لسقمك إلا ساهر أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي، طرقت به وعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك، وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي، إليها مدى ما كنت فيها أؤمل جعلت جزائي غلظة ومضاضة، كأنك أنت المنعم المتفضل فيا ليتك إذ لم ترعى حق أبوتي، فعلت كما الجار للمجاور يفعل، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للشاب ” قم أنت ومالك ملك لأبيك”

وهناك من تدفعه زوجته إلى معصية أمه، وهناك من يدفعه صديقه لمعصية أبيه، ولكن كيف يكون بر الوالدين ؟ فإنه يكون البر بلين القول وطيب الكلام وخفض الجناح رحمة وتقديرا، والدعاء لهما أحياء و أمواتا، وتقديم الواجب والخدمات لهما ومؤانستهما، فقال أبو هريرة رضي الله عنه وهو يعظ رجلا في بر أبيه “لا تمشي أمام أبيك، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه” وكما يكون بر الوالدين بتقديم حقهما على حقك، وعن زُرعة بن إبراهيم، أن رجلا أتى عمر بن الخطاب، فقال يا أمير المؤمنين، إن لي أما بلغها من الكبر أنها لا تقضي حاجة إلا وظهري مطية لها، فأوطيها وأصرف عنها وجهي، فهل أدّيت حقها؟ قال لا، قال يا أمير المؤمنين، أليس بعد ما حملتها على ظهري، وحبست عليها نفسي؟ قال لا، لأنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنع ذلك بها وأنت تتمنى فراقها”

وهذا هو الوالد، وما أدراك ما الوالد، ذلك الرجل الذي يكد ويتعب، ويجد ويلهث، ويروح ويغدو، من أجل راحة أبنائه وسعادتهم، فالطفل لا يحب بعد أمه إلا أباه، الذي إذا دخل هش وبش به، ولعب معه ومرح، وإن خرج تعلق به، وبكى من أجله وصرخ، وإذا حضر قعد على حجره، مستندا على صدره، وإذا غاب سأل عنه وانتظره بكل شوق وحب، فإذا رضي الوالد أعطى ولده ما يريد، وإذا غضب أدّبه وعلمه بالمعروف من غير عنف ولا إحراج، فإن الأب هو الذي يعمل ليل نهار من أجل أن يجلب لأبنائه الطعام والشراب واللباس، وغير ذلك مما يحتاجونه ويطلبونه، فإذا مرض أحدهم أسرع بنجدته وإسعافه وتمريضه، فإن الأب هو ذلك الإنسان العطوف الحنون، الذي يحمل بين جنبيه قلبا كبيرا مملوءا حبا وشفقة ورحمة لصغاره وأبنائه، يمرح معهم ويداعبهم تارة، ويعلمهم ما ينفعهم تارة، ويتحمّل الصعاب ويقتحم الشدائد الجسام من أجل راحة أبنائه وإسعادهم.

ويوفر لهم كل ما يفيدهم في حياتهم، ويعينهم على طاعة ربهم، فمهما قدّم الأبناء من بر لوالدهم فلن يوفوه حقه، لأن له قدم السّبق في ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه” رواه مسلم، فحريّ بكل ابن وابنة أن يقدّرا للوالدين هذا الجهد والعناء، وأن يشكرا لهما حُسن التربية والرعاية والتعليم، وأن يقوما بأداء ما عليهما من حقوق الوالدين في كل وقت وحين، فعن أبي بردة أنه شهد بن عمر رضي الله عنهما، ورجل يماني يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره، وهو يقول إني لها بعيرها المذلل، إن أذعرت ركابها لم أذعر، ثم قال يا بن عمر؟ أتراني جزيتها؟ قال “لا، ولا بزفرة واحدة” أي لم تجازها ولو بطلقة واحدة عند الوضع، رواه البخاري، فإن حق الوالدين عظيم، ومعروفهما لا يجازى، وجميلهما يربو على كل جميل من الخلق.

وليس في الناس أعظم إحسانا ولا أكثر فضلا من الوالدين، ويكفي بيانا لعظم حق الوالدين، أن الله تعالى قرن حقهما في البر والإحسان بحقه في العبادة والتوحيد، فقال سبحانه في سورة الإسراء ” وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” أي وصّى الله عز وجل وأمر بإفراده بالعبادة، ووصّى وأمر بالإحسان إلى الوالدين، وقال عز وجل في سورة النساء ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا” كما قرن شكره تعالي بشكر الوالدين، فقال سبحانه وتعالي في سورة لقمان ” أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” وشكر الوالدين يكون بأداء حقوقهما التي أوجبها الله تعالى وحث عليها رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن حقوق الوالدين على الأبناء هو برهما والإحسان إليهما بخدمتهما، وطاعتهما، والتودد إليهما، والإنفاق عليهما، ومعاملتهما بحُسن خلق وأدب، وغير ذلك من أوجه البر والإحسان، وقد سئل الحسن البصري رحمه الله ما بر الوالدين؟ قال “أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى