غير مصنف

خضوع المؤمن لله عز وجل

جريدة الاضواء

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن النعم إن لم يُقابلها العبد بالشكر، والاعتراف بفضل الله المنعم، وتسخيرها في طاعته ورضوانه، انقلبت وبالا عليه، فكم من عالم اغتر بعلمه فباهى به العلماء، ومارى به السفهاء، وكم من داعية أعجبته نفسه لإقبال الناس عليه، وازدحامهم بين يديه، وكم من ثري أطغاه ماله ففي سخط الله بدده، وفي المنكرات والشهوات بذره، وكم من صاحب جاه ضنّ بجاهه كبرا وغرورا، وكم من ذي سلطان أعمت عينيه قوته فبطش وظلم، والسعيد من وفقه الله لالتزام الصبر في العُسر، والشكر له تعالى في اليُسر، ليكون فيمن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له” رواه مسلم، وإن الإنسان الذي يؤمن بالله سبحانه وتعالى.

وحده لا شريك له إيمانا كاملا صافيا من جميع الشوائب، يكون مطمئن القلب هادي النفس ولا يكون قلقا متبرما من الحياة بل يكون راضيا بما قدر الله له شاكرا للخير صابرا على البلاء، وإن خضوع المؤمن لله تعالى يقوده إلى الراحة النفسية التي هي المقوم الأول للإنسان وهو العامل النشط الذي يحس بأن للحياة معنى وغاية يسعى لتحقيقها، وإن كل إنسان فى هذه الحياه يسعى إلى تحقيق السعادة ولكن كثير منهم يخطئ طريقها بل إن القلة القليلة هي التي تسلك سبيل السعادة الحقيقية وإن بعض الناس يظنون أن السعادة في تكديس المال وجمع الثروات وبناء العقارات والقصور، وإن كثيرا من الناس يتوهم أن هذه هي السعادة، وكذلك فإن كثير من الناس من يتوهم أن فلانا سعيد لأنه يملك الأرصدة في البنوك أو أن فلانا سعيد لأنه يملك كذا وكذا من الأموال.

وإن راحة الضمير واطمئنانه، وهدوء البال وصفاء النفس وسرور القلب وزوال همومه وغمومه، هو المطلب الأعلى والهدف الأسمى الذي يسعى إليه كل واحد في هذه الحياة، فالناس كلهم ينشدون السعادة، ويرغبون الخير والفلاح، ويرجون التوفيق والنجاح في جميع أمورهم وإن السعيد هو الذي أسعده الله تعالى بين الناس، فعاش طيب الذكر، حسن السمعة، لا يُذكر إلا بخير، ولا يعرف عنه إلا الخير والطاعة، وذكر الله، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى عنهم، وإن المؤمن حقا هو الذي يعيش لذة الإيمان، وحقيقة الرضا والشكر لله عز وجل في أحواله دائما في السراء والضراء، في الشدة والرخاء، وإن أصابه خيرا من الله شكر ربه واستعان بما منحه الله من نعمة وخير على طاعة خالقه ومرضاته ، وإن أصابته بلية صبر عليها، ورضي بقضاء الله وقدره.

واحتسب مصابه عند ربه، وأيقن أن في ذلك تكفير سيئاته، ومحو خطيئاته، ولم تكن البلية والمرض سببا في اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل، وإن من النعم العظيمة التي يعيشها كثير منا هى نعمة الصحة في الأبدان، فهذه النعمة التي حرمها كثير من الناس اليوم، وإن نعمة الصحة والعافية التي يعيشها كثير من الناس، هي منحة إلهية من الله عز وجل وهي عطية ربانية، تستوجب الشكر لله سبحانه وتعالى، وتستدعي استثمارها في العمل بطاعة الله، واستغلال هذه الطاقة والقدرة في كل ما يقرب من الله عز وجل، وإن من العجب الشديد أن كثيرا منا ممن منحهم الله الصحة في أبدانهم، والعافية في أجسادهم، يصبحون في عافية، ويمسون في عافية، ويتقلبون في هذه النعمة صباحا ومساءا، وليلا ونهارا، ولكنهم لم يرعوا هذه النعمة حقها، ولم يقدروها قدرها.

فتلحظ في كثير من الأصحاء اليوم بعدا عن الله تعالى، وتقصيرا في حقه سبحانه، وتثاقل في القيام بما أوجبه الله عز وجل، بل واستعمالا لأبدانهم وجوارحهم فيما حرم الله عز وجل، فهل أمن هؤلاء الذين يتقلبون في النعمة والعافية صباحا ومساءا، وهل أمنوا من أن تتبدل صحتهم مرضا؟ وعافيتهم بلاء في لحظة من اللحظات في طرفة عين أو أقل من ذلك؟ وهل أمن هؤلاء من أن يفجأهم جند من جنود الله عز وجل، فيسلط الله عليه مرضا مما قدره الله عليه؟ أم أن ذلك هو الوقوع في التسويف، وإتباع الهوى والشيطان، وطول الأمل الذي يصد عن ذكر الله وطاعته، والاستعداد للقائه؟ وإن السعادة الحقيقية كل السعادة، ليست إلا في طاعة الله عز وجل وترك عصيانه، السعادة أن يخلص العبد العبودية لله، وينفذ أوامره، ويجتنب نواهيه، إن السعادة أن يكون المجتمع.

يعمل على تحقيق العبودية لله في جميع مجالات الحياة، فالسعادة ليست في شهوات الدنيا وحطامها ولكنها فيما ادخره الله لعباده المؤمنين في الآخرة يوم القيامه، ومن أسباب السعادة لكل إنسان هو تحقيق التوحيد والخضوع لمنهج الله سبحانه وتعالى والإيمان بالله عز وجل والعمل الصلح والإيمان بالقضاء والقدر، وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أصابك مكتوب عليك، وإن من طرق الحصول على السعادة هو الإكثار من ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن الكريم والبعد عن المعاصي والآثام، فإن لها عواقب وخيمة، ولنعلم جميعا أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وليس له سوى حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا.

فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، فسعادة العباد في كمال عبوديتهم لله عز وجل وكلما أكمل العبد مراتب العبودية لله كلما كانت سعادته أكمل في دنياه وآخرته وقد وصف الله عز وجل أكابر خلقه من الأنبياء والرسل والملائكة بالعبودية وشرّفهم بوصفها قال ابن تيمية من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية، وإن الحياة الطيبة هي الحياة التي فيها ثلج الصدور بلذة اليقين وحلاوة الإيمان والرغبة في الموعود والرضا بالقضاء والاستكانة إلى معبود واحد وهذا في الدنيا وأما في الآخرة فله الجزاء الحسن والثواب الأوفى ولنعلم جميعا أن السعادة هى شيء ينبع من داخل الإنسان يشعر به بين جوانبه فهو أمر معنوي لا يُقاس بالكم، ولا يشترى بالدينار والدرهم ولا بكنوز الدنيا كلها بل هو شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه ويتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال نتيجة لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى