مقال

الدكروري يكتب عن أمين الأمة الإسلامية

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن أمين الأمة الإسلامية
بقلم / محمـــد الدكـــروري

هو صحابي أسلم مبكرا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكان ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وصبر على الأذى واعتنق الإسلام معتقدا وعملا صالحا وحمل الإسلام بين جنبيه وحفظه أمانة صادقة تمشي على الأرض فلقبه صلى الله عليه وسلم بأمين هذه الأمة، أنه أبو عبيده عامر بن الجراح ومن حسن إسلامه وقوة عزيمته أنه ثبت في غزوة أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس وقد غارت في وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من حلق المغفر فلما أقبل الصديق يريد أن ينتزعها قال له أقسم عليك أن تترك لي فتركه فخشي أبو عبيدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اقتلعهما بيده أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعض على أولاهما بثنيته عضا قويا فاستخرجها ووقعت ثنيته ثم عض على الأخرى بثنيته الثانية.

فاقتلعها فسقطت ثنيته الثانية وسلم ولكن ثغره حسُن بذهابهما، حتى قيل “ما رُؤي هتم قَط أحسن من هتم أبي عبيدة ” فهذه التضحية بثنيته فما كان الجزاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن بشره بالجنة في جملة العشرة فقال صلى الله عليه وسلم “وأبو عبيدة بن الجرّاح في الجنة” ونزلت فيه وفيمن كان حاله كحاله آيات مباركات تتلى إلى يوم القيامة، وذلك أنه شارك هو في بدر مع رسول الله وحزبه وشارك أبوه مع حزب اللات والعزى فما الذي جرى؟ يقول عبد الله بن شوذب “جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه، فلما أكثر قَصده فقتله فنزلت ابآية الكريمة ” لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله” يا له من مقام يخر أمامه حصن النفاق وشرذمة الخيانة، وترتفع فيه راية الولاء والبراء ونصرة دين الله.

أبو عبيده حاد احتراما وتقديرا للرحم الذي جاء الإسلام فما زاده إلا شدا ولا زاده إلا عبودية وأجرا، لكن عندما يكون نسب الدين ونسب الدنيا في لحظات مفاصلة فنسب الدين أجل وأعظم وله السطوة والقوة لأن به عز الإسلام وعزة المسلمين، وانظر رحمك الله إلى الإخلاص لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومنهاجه يتجسد في مواقف هذا الإمام العظيم، فليسمع أصحاب المناصب والكراسي أن المنصب والكرسي إن لم يكن لله فهو إلى الردى والبوار والعار، والمنصب إن لم يزدك قربا من الله فليس لك منه إلا زهرة الحياة الدنيا وعند الله تجتمع الخصوم، والمنصب الذي لا يحقق الهدف ولا المقصود ولا ينفع محتاج ولا يغيث ملهوف فهو منصب النفاق زينته مطامع النفس حيث لا تختلفا الكلمة التي وقعت في سمع الصحابة لا يزال صداها يصل إلى قلب كل موحد.

إلى ضمير كل مصلح، إلى إنسانية كل منصف، لم يشرخ الأمة وينهي طاقاتها ويبدد سلطانها إلا الاختلاف وهناك حديث ” جاء العاقب والسيد، صاحبا نجران، إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالا إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال صلى الله عليه وسلم ” لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين” فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ” قم يا أبا عبيدة بن الجراح” فلما قام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أمين هذه الأمة” رواه البخاري، فإن الأوسمة إنما توضع على صدور الرجال تشريفا وتكريما لهم في الدنيا والله أعلم بمن يستحق الشرف، أما أوسمة النبي صلى الله عليه وسلم فهي أوسمة صدق وعدل وخيري الدنيا والآخرة، وقد حمل أبو عبيدة أعظمها شرفا وأزكاها عند الله، كيف لا يعطيها النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيده.

وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم “نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح” رواه الحاكم وما كان الصحابة يسعون ويسابقون إلا لنيل بركة ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم وشهاداته الصادقة فهذا عمر بن الخطاب عندما طلب أهل اليمن الأمين قال “ما تعرضت للإمارة، وما أحببتها، غير أن ناسا من أهل نجران أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكوا إليه عاملهم فقال “لأبعثن عليكم الأمين” قال عمر فكنت فيمن تطاول رجاء أن يبعثني، فبعث أبا عبيدة ” رواه الحاكم وبعد تولي عمر الخلافة حفظ لأبي عبيدة هذه المنقبة فقد ولاه الأمارة وأعطاه القيادة العامة بل وقد أحبه حبا عظيما حتى قال يوما لجلسائه تمنوا، فتمنوا، فقال عمر “لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح” بل قد رشحه أبو بكر لأن يكون الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال في سقيفة بني ساعدة ” قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، عمر وأبا عبيدة” والولاية لا يستحقها إلا من جمع بين ركني الولاية القوة والأمانة وأبو عبيده لم يفارق خياله ولا وجدانه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا هديه ومنهجه، وتشوقت نفسه للحوق به فكان على نهجه من ترك للدنيا والتقلل منها ليخف الحمل وتسير النفس إلى الله سيرا سريعا وقد تعرض لأبي عبيده ليرى أخاه على ما يحب ويرضى فهم رجال رموا بالدنيا خلف أظهرهم فملكوا الدنيا والآخرة، أنهم الصحابة الكرام الذين تعلموا من المعلم الأول كيف يكون العلم والعمل، فعندما أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المال لأبي عبيدة قام أبو عبيده بتوزيعه علي الفقراء والمساكين وأبو عبيده لا يعرف أن هذا امتحان من عمر لكنه يعرف أنه ابتلاء من رب عمر فكان يتعامل بإيمانه وصدقه لا بهوى النفس ونزعاتها إنهم الصحابة يا كرام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى