مقال

الدكروري يكتب عن التذكير بالآحرة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التذكير بالآحرة ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع التذكير بالآخرة، وتبقى طائفة في ظل الله جل جلاله، يوم لا ظل إلا ظله، ومن رأى الناس فيه ظن أنهم سكارى وماهم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، الأبصار شاخصة، والقلوب لدى الجناجر واجفة، والملائكة آخذة مصافها بالخلائق محدقة، أمر عظيم، وطارق مفظع، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة” وفي هذا اليوم تعلم كل نفس ما أحضرت، ويقف الإنسان نادما بعد فوات الأوان، وتؤخذ خوافي الصدور أخذا شديدا، ويبعثر ما فيها، فما من شيء أخفي فيها إلا ظهر، ولا أسر إلا أعلن، صمت مهيب، لا يتخلله حديث، ولا يقطعه اعتذار، ووجوه هناك مبيضة، مسفرة مستبشرة، ضاحكة ناظرة، ووجوه أخرى مسودة باسرة، عليها غبرة، مرهقة بالقترة، المتقون يحشرون إلى ربهم وفدا، والمجرمون يساقون يومئذ زرقا.

والشمس تدنو من رؤوس الخلائق، حتى لا يكون بينها وبينهم إلا قدر ميل، ولا ظل لأحد إلا ظل عرش الرحمن، فمن بين مستظل بظل العرش، وبين مضحو بحر الشمس، والأمم تزدحم وتتدافع، فتختلف الأقدام، وتنقطع الأعناق، فيفيض العرق إلى سبعين ذراعا في الأرض، ويستنقع على وجه الأرض، ثم على الأبدان على مراتبهم، منهم من يصل إلى الكعبين، ومنهم من يلجمه إلجاما، ويطبق الغم، وتضيق النفس، وتجثو الأمم من الهول على الركب، وترى كل أمة جاثية، والحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم، حتى يقاد فيما بين البهائم، وشر الناس يومئذ ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.

والعادلون على منابر من نور عن يمين الرحمن، ويبعث كل عبد على ما مات عليه، فمن بات محرما بعث ملبيا، ومن قتل في سبيل الله جاء لونه لون الدم، والريح ريح المسك، والمؤذنون أطول الناس أعناقا، ولا يسمع مدى صوته شيء إلا شهد له يوم القيامة، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا، وكل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس، والصراط دحض مزلة، فناج عليه ومخدوش ومكدوس في النار، والميزان بالقسط لا اختلال فيه، الحساب فيه بمثاقيل الذر، والمفلس يوم القيامة من يأتي بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من سيئاته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم يقذف في النار، وفي آخر مشاهد القيامة يُنصب الصراط على متن جهنم.

وهو جسر دحض مزلة، أدق من الشعر وأحد من السيف عليه كَلاليب تخطف الناس ويعطى المؤمنون نورهم فيعبرون، ويطفأ نور المنافقين فيسقطون ويكون مرور الناس على الصراط على قدر أعمالهم ومسارعتهم إلى طاعة الله في الدنيا، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ثم كالريح، ثم كالفرس الجواد، ثم كركاب الإبل، ومنهم من يعدو، ثم من يمشي، ثم من يزحف، ومنهم من تخطفه الكَلاليب فتلقيه في النار، فتصور نفسك في القيامة وأنت واقف بين الخلائق ثم نودي باسمك أين فلان ابن فلان؟ هلم إلى العرض على الله، فقمت ترتعد فرائصك، وتضطرب قدمك وتنتفض جوارحك من شدة الخوف وتصور وقوفك بين يدي جبار السموات والأرض، وقلبك مملوء من الرعب، وطرفك خائف، وأنت خاشع ذليل قد أمسكت صحيفة عملك بيدك، فيها الدقيق والجليل.

فقرأتها بلسان كليل، وقلب منكسر، وداخلك الخجل والحياء من الله الذي لم يزل إليك محسنا وعليك ساترا، فبالله عليك، بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك وعظيم جرمك؟ وبأي قدم تقف بين يديه؟ وبأي طرف تنظر إليه؟ وأن الموت إذا جاء فلا يؤخر لحظة واحدة، ولا يقدم، فقال الله تعالي “وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا” ولا أحد يعلم متى يموت ولا أين سيموت، وقيل أن وزيرا جليل القدر، كان عند نبي الله داود عليه السلام، فلما مات داود عليه السلام صار وزيرا عند نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام، فكان سليمان عليه السلام يوما جالسا في مجلسه في الضحى، وعنده هذا الوزير، فدخل عليه رجل يسلم عليه، وجعل هذا الرجل يحادث نبي الله سليمان عليه السلام ويحد النظر إلى هذا الوزير، ففزع الوزير منه فلما خرج الرجل قام الوزير وسأل نبي الله سليمان وقال يا نبي الله من هذا الرجل الذي خرج من عندك؟

قد والله أفزعني منظره ؟ فقال نبي الله سليمان عليه السلام هذا ملك الموت يتصور بصورة رجل ويدخل علي ففزع الوزير وبكى وقال يا نبي الله أسألك بالله أن تأمر الريح فتحملني إلى أبعد مكان إلى الهند، فأمر نبي الله سليمان عليه السلام الريح فحملته، فلما كان من الغد دخل ملك الموت على نبي الله سليمان عليه السلام يسلم عليه كما كان يفعل، فقال له نبي الله سليمان قد أفزعت صاحبي بالأمس فلماذا كنت تحد النظر إليه ؟ فقال ملك الموت يا نبي الله إني دخلت عليك في الضحى وقد أمرني الله أن أقبض روحه بعد الظهر في الهند فعجبت أنه عندك، فقال نبي الله سليمان فماذا فعلت ؟ فقال ملك الموت ذهبت إلى المكان الذي أمرني بقبض روحه فيه فوجدته ينتظرني فقبضت روحه، فيقول الله عز وجل ” قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون” ومن مات فإنه لا يرجع من موته ولا يخرج من قبره حتى ينفخ في الصور يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى