مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الشاطبي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الشاطبي ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الشاطبي، وجاء عنه قال “لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله، لأنني نظمتها لله” ومتن الشاطبية، ذلك النظم المدهش، نجد الشاطبي لم يكتفي بالقراءات فحسب، بل ضمن منظومته العديد من الفوائد النحوية، واللغوية، والإشارت الوعظية، والاقتباسات الحديثية، والشاطبية هي قصيدة لامية اختصرت كتاب التيسير في القراءات السبع، للإمام أبي عمرو الداني المتوفى سنة ربعمائة وأربعة وأربعون هجرية، وقد لقيت إقبالا منقطع النظير، ولا تزال حتى يومنا هذا العمدة لمن يريد إتقان القراءات السبع، وظلت موضع اهتمام العلماء منذ أن نظمها الشاطبي رواية وأداء، وذلك لإبداعها العجيب في استعمال الرمز وإدماجه في الكلام، حيث استعمله عوضا عن أسماء القراء أو الرواة، فقد يدل الحرف على قارئ واحد أو أكثر من واحد.

وهناك رموز ومصطلحات في المنظومة البديعة، لا يعرفها إلا من أتقن منهج الشاطبي وعرف مصطلحه، وقد ضمن في مقدمة المنظومة منهجه وطريقته، ولم يحظ كتاب في القراءات بالعناية التي حظيت بها هذه المنظومة، حيث كثر شُراحها، وتعددت مختصراتها وقد حصر أحد الباحثين المغاربة أكثر من مائة عمل ما بين شرح للشاطبية، وحاشية على الشرح، وللشاطبي منظومتان معروفتان هما عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد، وهي في بيان رسم المصحف، وناظمة الزهر في أعداد آيات السور، هذا وقد أفاض العديد من العلماء في الحديث عنه فنجد ابن خلكان يتحدث عنه في وفيات الأعيان فيذكر عنه هو صاحب القصيدة التي سماها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع.

وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم، فقل من يشتغل بالقراءات إلا ويقدم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنة سبق إلى أسلوبها، وقد روي عنه أنه كان يقول لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل بها لأني نظمتها لله تعالى مخلصا في ذلك، ونظم قصيدة دالية في خمسمائة بيت مَن حفظها أحاط علما بكتاب التمهيد لابن عبد البر، وقال الذهبي عنه هو الشيخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سيد القراء، أبو محمد، وأبو القاسم القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي، الشاطبي، الضرير، ناظم الشاطبية والرائية، وقد رحل الشاطبي إلى بلنسية بالقرب من بلده، فعرض بها التيسير من حفظه والقراءات على الإمام ابن هذيل وسمع منه الحديث وروى عنه وعن أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف بن سعادة.

صاحب أبي علي الحسين بن سكرة الصدفي وعن الشيخ أبي محمد عاشر بن محمد بن عاشر، صاحب أبي محمد البطليوسي وعن أبي محمد عبد الله بن أبي جعفر المرسي وعن أبي العباس بن طرازميل وعن أبي الحسن عليم بن هاني العمري، وأبي عبد الله محمد بن حميد، أخذ عنه كتاب سيبويه والكامل للمبرد وأدب الكاتب لابن قتيبة وغيرها وعن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم، وأبي الحسن ابن النعمة صاحب كتاب ريّ الظمآن في تفسير القرآن، وعن أبي القاسم حبيش صاحب عبد الحق بن عطية، صاحب التفسير المشهور، ورواه عنه، وقيل عن الشاطبي كان إماما كبيرا، أعجوبة في الذكاء، كثير الفنون، آية من آيات الله، غاية في القراءات، حافظا للحديث، بصيرا بالعربية، إماما في اللغة، رأسا في الأدب، مع الزهد والولاية، والعبادة، والانقطاع والكشف، شافعي المذهب.

مواظبا على السنة قال ابن خلكان عنه كان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ، تصحح النسخ من حفظه، بلغنا أنه وُلد أعمى، ولقد حكى عنه أصحابه ومن كان يجتمع به عجائبا وعظموه تعظيما بالغا، حتى أنشده الإمام الحافظ أبو شامة الدمشقي من نظمه في ذلك، وذكر بعضهم أن الشاطبي كان يُصلي الصبح بالفاضلية، ثم يجلس للإقراء، فكان الناس يتسابقون إليه، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله من جاء أولا فليقرأ ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق وكان لا يتكلم إلا بما تدعو الضرورة إليه، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، في هيئة حسنة وخضوع واستكانة، ويمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن وكان يعتل العلة الشديدة ولا يشتكي، ولا يتأوه وإذا سُئل عن حاله قال العافية لا يزيد على ذلك، ومنظومة الشاطبي هي من أوائل القصائد التي نظمت في علم القراءات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى