مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن خلكان ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن خلكان ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن خلكان، وهو أول من جدد في أيامه قضاء القضاة من سائر المذاهب فاشتغلوا بالأحكام بعد ما كانوا نوابا له، وقد كان المنصب بينه وبين ابن الصائغ دولا يعزل هذا تارة ويولى هذا، ويعزل هذا ويولى هذا، وقد درّس ابن خلكان في عدة مدارس لم تجتمع لغيره ولم يبقي معه في آخر وقت سوى الأمينية وبيد ابنه كمال الدين موسى النجيبية، وتوفي ابن خلكان بالمدرسة النجيبية المذكورة بإيوانها يوم السبت آخر النهار في السادس والعشرين من رجب ودفن من الغد بسفح قاسيون، عن ثلاث وسبعين سنة، وقد كان ينظم نظما حسنا رائقا وقد كانت محاضرته في غاية الحسن، وله التاريخ المفيد الذي رسم بوفيات الأعيان، من أبدع المصنفات، والله أعلم، وكما قال عنه الحافظ الذهبي كان إماما فاضلا متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة.

بصيرا بالعربية، علامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات الناس، كريما، جوادا، مُمدّحا، وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان، وقال ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب، ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة، وقال عنه الفقيه تاج الدين السبكي وصف ابن خلكان في طبقات الشافعية الكبرى قائلا قاضي القضاة، له في الأدب اليد الطولى، وشعره أرق من أعطاف ذي الشمائل لعبت به الشمول، وأعذب في الثغور لعسا من ارتشاف الضرب، وإنه لفوق ما نقول، ويقول عنه ابن خلدون، مؤسس علم الإجتماع، ويصف ابن خلكان بأنه كان ثريا سريا ذكيا إخباريا عارفا بأيام الناس، وكما أن ابن خلكان حظي بإشادة من قبل مؤسس علم الاجتماع المؤرخ تقي الدين المقريزي، فقال في كتابه المقفى الكبير.

ابن خلكان، الفقيه، العالم، قاضي القضاة، كان عالما، أديبا بارعا، مؤرخا جامعا، له شعر فائق، ونثر رائق، وكان يُحب الأدب وأهله، أما المؤرخ صلاح الدين محمد بن شاكر الكتبي الحلبي الذي ألف كتاب فوات الوفيات، مستفيدا من كتاب وفيات الأعيان، فيقول عن ابن خلكان كان كريما ممدحا، فيه ستر وعفو وحُلم، وحكايته في ذلك مشهورة، وقال عنه المورخ اليونيني أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، قاضي قضاة الشام، وصدر صدور الإسلام، كان فقيها، إماما، عالما، بارعا، متقنا، مجموع الفضائل، معدوم النظير في علوم شتى، حُجة فيما ينقل، محققا لما يورده، منفردا في علم الأدب والتاريخ، وأما رياسته، وعلو همته، وشرف نفسه، وخبرته بقوانين الأحكام والحشمة، فلم يكن له في ذلك نظير، وكان جوادا مفضالا، ممدحا، مدحه شعراء عصره بغرر القصائد.

وكان يجيزهم الجوائز السنية، وكان عنده صبر واحتمال وستر على العورات، وعفو عن الزلات، وكما قال المورخ عبد الرحمن الفزاري عن ابن خلكان أنه كان قد جمع حُسن الصورة، وفصاحة المنطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النفس، وقد تمكن ابن خلكان الفتى والشاب من نيل قسط وافر من العلم على يد مجموعة من كبار العلماء الذين كانوا بإربل في عهده، كما انتقل إلى الحواضر العربية الإسلامية وهي دمشق، حلب، الموصل، وحران، والإسكندرية، والقاهرة، وذلك للنهل من معين العلماء والأدباء والفقهاء، مستفيدا من كتاب توصية من خلال حاكم إربل، ومن العلاقة المتميزة التي شيدها والده الفقيد مع أعلام هذه الحواضر، ويلحظ غياب اسم بغداد عن قائمة المدن التي قصدها، وهي المدينة التي عاصر اجتياح المغول لها سنة ستمائة وست وخمسين من الهجرة.

ولابن خلكان كتابات كثيرة شعرا ونثرا، غير أنه لم يترك إلا مؤلفا واحدا ولم يعرف إلا به وهو كتابه الشهير وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، وقد انتهى من تأليفه سنة ستمائة واثنين وسبعين من الهجرة، بالقاهرة، ولعله ظل يضيف إليه حتى سنة ستمائة وثمانين من الهجرة، وكانت النواة الأولى لكتابه موجودة في مسوّادته، مما نقله من المصادر التي اطلع عليها سنة ستمائة واربعة وخمسين من الهجرة، فقد كان يخطط لكتابة تاريخ عام، على مثال كتاب شيخه ابن الأثير الكامل في التاريخ، لكن منصب القضاء لم يتح له المجال لتنفيذ ذاك المشروع، فاقتصر على تأليف كتاب في التراجم، ورسم لنفسه خطة من تسعة بنود هي الترجمة لمن عرف تاريخ وفاته، وعدم ذكر الصحابة والتابعين، إلا جماعة يسيرة، لشهرتهم، ووجود العديد من المؤلفات فيهم، وعدم ذكر الخلفاء لشهرتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى