مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد عبده ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد عبده ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام محمد عبده، ولذلك اعتبره الدكتور عثمان أمين فيلسوفا يراسل الفلاسفة الأوروبيين مثل هربرت سبنسر وتولستوي وجوستاف لوبون، وترجم لسبنسر كتابه التربية وعندما زار انجلترا تحدث مع الفيلسوف الانجليزي أحاديث فلسفية عن الله والعالم وطغيان المادية وحكم القوة الغاشمة، وكالعادة حدث الخلاف بينه وبين الخديوي عباس حلمي ومال الخديوي ناحية المحافظين أعداء التجديد فاستقال الامام من مجلس ادارة الأزهر، ورغم كل الطعنات التي تلقاها فقد ساقت الأقدار الامام محمد عبده إلي منصب مفتي الديار المصرية فأضفي علي المنصب سناء وبهاء لاعهد للناس بهما من قبل، واتسمت فتاوي الأستاذ الامام بالميل إلي التسامح واستقلال الرأي والبعد عن التقليد والملاءمة بين روح الاسلام ومطالب الحياة العصرية، وكان الإمام محمد عبده يقول.

 

إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل، ولكل مسلم أن يفهم عن الله، من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا خلف، فالاسلام لا يوجد به سلطة دينية، ولم يجعل للقاضي أو المفتي وهو كان مفتيا للديار المصرية، أو لشيخ الإسلام أدني سلطة علي العقائد وتقرير الاحكام، وهو يرفض الخلط بين الدين والسياسة ويقول من الضلال القول بتوحيد الإسلام بين السلطتين الدينية والمدنية فهذه الفكرة خطأ محض، ودخيله علي الاسلام، ومن الخطأ الزعم بأن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها وأن المسلم مستعيد لسلطاته، والانسان لم يخلق ليقاد بالزمام بل فطر علي أن يهتدي بالعلم، والاجتهاد يجب أن ينبع من حالة العصر ويعبر عنه، وليس هناك أي إجتهاد يلزم المسلم في جميع العصور ، فمتي انقضي العصر وزالت مقتضياته.

 

زال معها ما يخصه من الاجتهاد، وما رافقه من الأحكام وعلي المسلم أن يتبصر دائما بالقرآن والسنة، ويجتهد في أعماله وأفكاره بما يلائم عصره الذي يعيش فيه، وعليه ألا يتحرج من الاختلاف بين ما يصل إليه باجتهاده وعقله، وبين ما وصل إليه السابقون من المسلمين، واستخدم نهجه العقلاني في تفسير القرآن مثل كتاب دين، واستنكر موقف الذين يبحثون عن حقائق العلوم الطبيعية في القرآن، وكما ذكر في أعماله الكاملة ليس من وظائف الرسل عمل المدرسين ومعلمي الصناعات وتعليم التاريخ، ولا تفصيل لما يحتويه عالم الكواكب، ولا بيان ما اختلف من حركاتها، ولا ما استكن من طبقات الأرض، ولا مقادير الطول فيها والعرض، ولا ماتحتاج إليه النباتات في نموها، والحيوانات في أنواعها، أما ما ورد من كلام الأنبياء من الاشارة اليها فإنما يقصد منه النظر إلي ما فيه الدلالة علي حكمة مبدعة.

 

أو توجيه الفكر إلي القول لادراك اسراره وبدائعه، وليس في القرآن شئ من التاريخ، من حيث هو قصص وأخبار الأمم والبلاد، وإنما هي الآيات والعبر تجلت في سياق الوقائع بين الرسل وأقوالهم لبيان سنن الله فيهم، فليس القرآن تاريخا ولا قصصا، وانما هداية وموعظة، والاسلام دين العقل والرسول يقول العقل أصل ديني وعلي هذا الطريق يقول الامام محمد عبده إن العقل من أجل القوي، بل هو قوة القوي الانسانية وعمادها، والكون جميعه هو صحيفته التي ينظر فيها وكتابه الذي يتلوه، وليس هناك صفحات في هذا الكون محظور علي العقل الانساني أن يطالعها ويري فيها ما يراه، ذلك أن الحدود التي تحدد نطاق النظر العقلي هي حدود الفطرة، لا النصوص المأثورة فالعقل من أفضل القوي الانسانية بل هو أفضلها علي الإطلاق، وإذا كانت هذه آراء الإمام وطريقته في التفكير الحر.

 

فمن الطبيعي أن تكون الفتاوي التي تصدر عنه معبرة عن روح العصر والتقدم، فأفتي بجواز التصوير الفوتوغرافي وإقامة التماثيل وجواز أكل ذبائح المسيحيين واليهود، والسماح للمسلم بارتداءه الزي الأوروبي، وارتداد القبعة، وإجاز فائدة البنوك، وجواز التأمين علي الحياة وعلي الممتلكات، ثم مثلما عمل الإمام محمد عبده علي تجديد الفكر الاسلامي فإنه كان داعية للحكم المستنير القائم علي الشوري والعدل، ولكن بعد اخفاق تجربة عرابي الثورية، ومعارضة الحكام من أسرة محمد علي للحكم البرلماني، فكان يقول لن ينهض الشرق إلا بالمستبد العادل، هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا في قومه، يتمكن به العدل أن يصنع في خمسة عشر سنة ما لا يصنع العقل في خمس عشرة قرنا فهو كان يري أن الحكام هم أقدر الناس علي انتشال الأمة مما سقطت فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى