مقال

الدكروري يكتب عن الإمام تقي الدين السبكي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام تقي الدين السبكي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام تقي الدين السبكي، كذلك وقف في وجه أرغون شاه نائب الشام واحتد الموقف بينهما ذات مرة حتى قال له “يا أمير أنا أموت وأنت تموت” وكان الشيخ نادرة العصر في الإحاطة بفنون العلم وسعة الإطلاع، ضاربا بسهمه في مختلف العلوم الشرعية وكذلك العلوم الأخرى كالأدب واللغة والتاريخ والحساب وغيرها، مع البراعة والتحقيق، أما في البحث والتحقيق وحسن المناظرة فقد كان أستاذ زمانه، وفارس ميدانه ولا يختلف عليه اثنان في أنه البحر الذي لا يساجل في ذلك، وكان من كبار أعلام المذهب معرفة واطلاعا وتحريرا وتدقيقا، حيث شرح المنهاج وكمّل كتاب المجموع في شرح المهذب، وتخرّج على يديه من كبار الأئمة في المذهب كالإسنوي والبلقيني وابن النقيب المصري وابن الملقن وغيرهم، حتى أن له معرفة بجميع المذاهب الأخرى إلى أن أصبح إماما مجتهدا.

 

وكان آية في استحضار التفسير، ومتون الأحاديث وعزوها، ومعرفة العلل وأسماء الرجال، وتراجمهم، ووفياتهم، ومعرفة العالي والنازل، والصحيح والسقيم، وعجيب الاستحضار وللمغازي والسير والأنساب، والجرح والتعديل، آية في استحضار مذهب الصحابة والتابعين وفرق العلماء، وقد حرص والده على أن يتفرغ للعلم ومن ثم وفر له جوا مناسبا لتحصيل أكبر قدر من العلوم حيث تتلمذ على عدد من أعيان علماء عصره، ومنهم الشيخ شمس الدين بن الجزري الذي تلقى على يديه علم الكلام، والشيخ نجم الدين بن الرفعة شيخ الشافعية في زمانه والذي أخذ عنه الفقه الشافعي، والحافظ شرف الدين الدمياطي وقد أخذ عنه الحديث، شيخ المسلمين في زمانه، والداعي إلى الله في سره وإعلانه، والمناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه، أستاذ الأستاذين، وأحد المجتهدين، وخصم المناظرين.

 

جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، والمشمر في رضا الحق وقد أضاءت النجوم، شافعي الزمان، وحجة الإسلام المنصوب من طرق الجنان، والمرجع إذا دجت مشكلة وغابت عن العيان، عباب لا تكدره الدلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، وباب للعلم في عصره، وكيف لا وهو علي الذي تمت به النعماء، وكان من الورع والدين، وسلوك سبيل الأقدمين على سنن ويقين، إن الله مع المتقين، صادع بالحق لا يخاف لومة لائم، صادق في النية لا يختشي بطشة ظالم، صابر وإن ازدحمت الضراغم، منوط به أمر المشكلات في دياجيها، محطوط عن قدره السماء ودراريها، مبسوط قلمه ولسانه في الأمة وفتاويها، شيخ الوقف حالا وعلما، وإمام التحقيق حقيقة ورسما، وعلم الأعلام فعلا واسما،لا يرى الدنيا إلا هباء منثورا، ولا يدري كيف يجلب الدرهم فرحا والدينار سرورا.

 

ولا ينفك يتلو القرآن قائما وقاعدا راكبا وماشيا ولو كان مريضا معذورا، وكان دعواته تخترق السبع الطباق، وتفترق بركاتها فتملأ الأفاق، وتسترق خبر السماء، وكيف لا وقد رفعت على يد ولي الله تفتح له أبوابها ذوات الإغلاق، وكانت يداه بالكرم مبسوطتين، لا يقاس إلا بحاتم، ولا ينشد إلا على قدر أهل العزم تأتي العزائم، ولا يعرف إلا العطاء الجزل وتأتي على قدر الكرام المكارم، يواظب على القرآن سرا وجهرا لا يقرن ختام ختمة إلا بالشروع في أخرى، ولا يفتتح بعد الفاتحة إلا سورة تترى، مع تقشف لا يتردع معه غير ثوب العفاف، ولا يتطلع إلى ما فوق مقدار الكفاف، ولا يتنوع إلا في أصناف هذه الأوصاف، يقطع الليل تسبيحا وقرآنا، وقياما لله لا يفارقه أحيانا، وبكاء يفيض من خشية الله ألوانا، وما زال في علم يرفعه، وتصنيف يضعه، وشتات تحقيق يجمعه، إلى أن سار إلى دار القرار.

 

وما ساد أحد ناواه ولا كان ذا استبصار، ولا ساء من والاه بل عمه بالفضل المدرار، ولا ساغ بسوى طريقه الاهتداء والاعتبار، ولا ساح بغير ناديه نيل يخجل وابل الأمطار، ولا ساخ قدم فتى قام بنصرته وقال أنصر بقية الأنصار، ولا سال إلا ويداه مبسوطتان وابل كرم في هذه الديار، ولا سامة أحد بسوء إلا وكانت عليه دائرة الفلك الدوار، ولا ساقه الله حين قبضه إلا إلى جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار، وكما تتلمذ على يد الحافظ سعد الدين الحارثي الحنبلي، وشيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد، وجلس إلى أبي حيان الأندلسي وأخذ عنه النحو، وأخذ التصوف عن ابن عطاء الله السكندري، كما قرأ الأصلين، أصول الدين وأصول الفقه، وسائر المعقولات على الإمام علاء الدين الباجي، وأخذ المنطق عن سيف الدين البغدادي، وجلس إلى الشيخ علم الدين العراقي وأخذ عنه التفسير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى