مقال

الخوارج بين الفكر والمصير.

جريدة الأضواء

الخوارج بين الفكر والمصير.

 

بقلم _عبدالشكورعامر

 

فى كل مكان وزمان وما بين الفينة والفينة تظهر فى العالم الإسلامي جماعات وفرقُ تحتكر مسمى الإسلام وحدها ، وتكفر ما عداها من المسلمين ، فهى تظهر بقوة مُستغلة كل الظروف السياسية والدينية والإقتصادية والإجتماعية ، وتنتشر كالنار فى الهشيم وسط كل المجتمعات العربية والإسلامية ، وتتماهى وتذوب وسط طبقات المجمتع بإختلاف أيديولوجياتها وتوجهاتها .

وتستغل كل سلبيات الأنظمة الحاكمة فى بلدانها لتبث أفكارها ، وتصنع طبقة عازلة بين مفهوم الوطنية والدين ، وتحول المجتمع إلى طبقات فكرية ودينية مُتعددة المشارب والمعتقد والقناعات .

لذلك تعددت مبرراتهم وأسباب خروجهم ، لكن النتيجة واحدة وحتمية ، وهى ضعف وفرقة المسلمين ، وتشتت أمرهم وتشويه دينهم وتلويث أفكارهم وضياع مقدساتهم .

 

وأول ظهور لهذه الفرق والجماعات فى عصر الصحابة الكرام وتحديداً فى عهد الخليفة الرابع على بن أبي طالب رضي الله عنه ، وظهروا تحت مسمى الخوارج .

فلماذا ظهروا ؟ وماذا فعلوا ؟ وكيف فض سيدنا علي بن أبي طالب إعتصامهم فى حروراء؟

 

(حروراء):

منطقة خارج الكوفة اعتصم فيها ما يقرب من عشرين ألفاً حافظاً لكتاب الله تعالى، وسموا في ذلك الوقت (القراء) وكانوا من الزهاد والعباد .

 

سبب الاعتصام:

هو أن سيدنا علي بن أبي طالب وافق على التحكيم في قضية قتاله مع جيش الشام بقيادة معاوية بن أبى سفيان ، وكانت النتيجة أنهم كفروا الإمام على ومن معه ، بل غالوا بأن من معهم فهو المسلم ومن يعارضهم فهو الكافر .

 

وساطات لحل الأزمة :

 

كانت هناك وساطات لحل الأزمة التي ستعصف بالمجتمع المسلم ، ولكن أصر اعتصام حروراء على رأيهم ووضعوا حلا لفض اعتصامهم والاندماج مرة أخرى في المجتمع المسلم وهو حل غريب وعجيب! والحل هو (أن يشهد علي بن أبي طالب على نفسه بالكفر ثم يعلن إسلامه) فبلغ سيدنا علي بما قاله المعتصمون في حروراء ، فقال ماكفرت منذ أسلمت..!

 

وساطات أخرى:

 

ذهب إليهم سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فناظرهم في مناظرة شهيرة فرجع منهم ما يُقارب الألفان .

 

ثم تطور الإعتصام من اعتصام سلمي إلى اعتصام دموي ، وتركهم سيدنا علي وشأنهم ونهى أصحابه عن قتالهم إلا إن أحدثوا حدثا او ارتكبوا جُرما وهددوا الأمن والسلم المجتمعي للمسلمين.

لكن هذا الفكر الذى بُني على تكفير المسلمين ، وسفك دماء المخالف لن يكون سلميا فتطور الأمر حتى مر عليهم سيدنا عبد الله بن خباب بن الأرت ، وهو من سادات أبناء الصحابة ومعه زوجته ، فسألوه عن أبي بكر ، وعمر، وعثمان ، وعلي بن أبي طالب ، فأثنى عليهم كلهم ، فذبحوه وقتلوا امرأته ، وكانت حبلى ، وبقروا بطنها ، فى سابقة لم يسبقهم إليها أحد .

 

وهنا أمر سيدنا علي برفع الحالة القصوى في الجيش ، والتجهز لفض هذا الإعتصام بالقوة وقتال هؤلاء المارقين .

 

ومن العجيب أن معظم الجنود والقادة في جيش سيدنا علي خافوا أن يقتلوا هؤلاء لما رأوا من شدة عبادتهم ، فرط زهدهم ، وكثرة تلاوتهم لكتاب الله تعالى ، وكثرة صلاتهم وقيامهم لليل ، لكن سيدنا علي بن أبي طالب قال لهم : لقد أخبرنى رسول الله عن هؤلاء الخوارج .

 

وكانت الغزوة الشهيرة التي تسمى (النهروان) والتي قضى فيها سيدنا علي بن أبي طالب على هذا الإعتصام الإجرامي ، وقتل منهم ألاف في يوم واحد ، ولم ينج منهم إلا بضعة نفر .

 

لكن هل انتهى وجود وفكر الخوارج ؟؟

كلا لم ينته ، فقد أخبرنا رسول الله أنهم سيخرجون على فترات فى كل مكان ومكان بصور واشكال متعددة ، وحذر منهم ومن التهاونِ فى أمرهم ، وأمر بالأخذ على أيديهم ومواجهتم والقضاء عليهم مهما كلف ذلك.

 

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول ” يخرج من أمتي قوم يُحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ، فإذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ،ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ، فطوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل .

ومُخطئ من يظن أن مواجهة مثل هذه الجماعات بالسلاح فقط ، لكن المواجهة الفكرية لهم اشد إيلاماً من السيف ، فهى تفضح نواياهم وتكشفُ زيفهم وضعف حجتهم للعوام والخواص من الناس وطُلاب العلم ، خاصة فئة الشباب الذي لم ينل حظاً وافراً من أحكام الإسلام ومقاصد الشريعة والذي ربما يسقط فى فخ أفكارهم المتطرفة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى