مقال

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع هيا نودع رمضان، وكيف لا يبكي على وقت تسلسل فيه الشياطين، فيا لوعة الخاشعين على فقدانه، ويا حرقة المتقين على ذهابه، فإن كثيرا من المسلمين يكونون في رمضان من الذين هم على صلاتهم يحافظون، فإذا انقضى رمضان، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وكثير من المسلمين يجتنبون في رمضان مشاهدة المحرمات، وسماع الأغاني، فإذا انقضى رمضان، عادوا إلى ما كانوا عليه من الباطل، وهؤلاء يُخشى عليهم أن يُختم لهم بالسيئات، فيا من صام لسانه في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب، واصل مسيرتك، وجد في الطلب، ويا من صامت عينه في رمضان عن النظر المحرم، غض طرفك ما بقيت، يورث الله قلبك حلاوة الإيمان ما حييت، ويا من صامت أذنه في رمضان عن سماع ما يحرم من القول، وما يستقذر من سماع غيبة، أو نميمة.

 

أو غناء، أو لهو، اتقى الله ولا تعد، اتقى الله، ولا تعد، ويا من صامت بطنه في رمضان عن الطعام، وعن أكل الحرام، اتقى الله في صيامك، ولا تذهب أجرك بذنبك، وإياك ثم إياك من أكل الربا، فإن آكله مُحارب لله ولرسوله، فهل تطيق ذلك؟ ولقد ذم السلف هذا الصنف من الناس، وهذا النوع من الأجناس، فقيل لبشر إن قوما يجتهدون ويتعبدون فى رمضان، فقال “بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا فى رمضان، فإن الصالح يجتهد ويتعبد السنة كلها” وهذا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان”يا ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه” فيا أيها المقبولون، هنيئا لكم، وأيها المردودون، جبر الله مصيبتكم، ماذا فات من فاته خير رمضان؟ وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان؟ كم بين من حظه فيه القبول والغفران، ومن حظه فيه الخيبة والخسران؟

 

متى يصلح من لم يصلح في رمضان؟ ومتى يتعظ ويعد ويستفيد ويتغير ويغير من حياته مَن لم يفعل ذلك في رمضان؟ إنه بحق مدرسة للتغيير، نغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله عز وجل، فإن السعيد منا من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وعمر قبره قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه، فتذكر أيها الصائم وأنت تودع شهرك سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين، فيا من ستودع رمضان، تذكر أنك ستودع الدنيا، فماذا قدمت لله؟ هل أنت مستعد للقائه؟ إن من عزم على سفر، تزود لسفره، وأعد العدة، فهل أعددت زادا لسفر الآخرة؟ فعجبا لمن أعد للسفر القريب، ولم يعد للسفر البعيد، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أى المؤمنين أفضل؟ قال “أحسنهم خلقا ” قال فأى المؤمنين أكيس؟

 

قال “أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس” وإن من أكثر من ذكر الموت، أكرم بثلاثة أشياء، تعجيل التوبة، وقناعة القوت، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت، عُوقب بثلاثة أشياء، تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة، ودخل رجل على أبى ذر الغفاري رضي الله عنه، فجعل يقلب بصره في بيته، فقال يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال إن لنا بيتا نوجه إليه صالح متاعنا، قال إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، قال “إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه” فتأمل في هذا الفقه النبيه، إذ قال أبو ذر “إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه” فالمنزل للدنيا، وصاحبها هو الله، وقد قال الله تعالى فى سورة غافر ” يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخره هى دار القرار” وهذا رجل من الرجال المستعدين للرحيل، هذا الرجل هو الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.

 

فى يوم من الأيام صلى بالناس العيد إماما، وبعد الصلاة مر على مقبرة، فنزل عن بغلته وكان هذا موكبه، وعنده بعض أصحابه، فقال لمن عنده انتظروا، فذهب إلى المقبرة، وأخذ ينظر إلى القبور، وهو يقول أيها الموت، ماذا فعلت بالأحبة؟ أيها الموت وهو يكلمهم ماذا صنعت بهم؟ فلم يجبه أحد، ثم خرّ على ركبتيه وبكى، فإنها القبور، إنه منزل كل انسان مُر عليه يوما من الأيام وتفحصه، هل تحمل معك أثاثا، أو يدخل معك فيه أحد؟ بعد أيام ولعله بعد لحظات سوف تسكنه وأنت لا تدري، غفلة وأى غفلة، فاغتنم أيام عمرك قبل فوات الأوان ما دمت فى زمن المهلة فقد قال الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز “إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما” وقال ابن مسعود رضي الله عنه “ما ندمت على شيء ندمى على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلى، ولم يزد فيه عملى”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى