غير مصنف

الدكروري يكتب عن الصانع المتقن ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الصانع المتقن ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الأمم التي لا تتقن عملها لا تنهض من سُباتها، ولا تصحوا من غفلتها، وستأتي هذه الأمة في ذيل الأمم، وإن ديننا يحضّنا على الإتقان، وكتاب ربنا ينادي فينا ليلا ونهارا، فيقول تعالي في سورة البقرة ” وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكه وأحسنوا إن الله يحب المحسنين” وإن الحق تبارك وتعالى خلق عباده في هذه الحياة الدنيا لا ليُكثروا العمل، وإنما ليُحسنوا العمل، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في آيتين كريمتين من كتابه الكريم أولى هاتين الآيتين في سورة هود حيث قال الله عز وجل ” وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن فلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين” والآية الثانية في سورة الملك، حيث قال الله تعالى ” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور”

 

فهل يليق بنا بعد ذلك أن نخالف أمر ربنا أو دعوة نبينا، يوم أن نفعل ذلك فلن يكون لنا عذر بين يدي الله، فإن ديننا جعل الإتقان واجبا، فمن لم يتقن عمله، كان آثما وسيندم غدا إذا نصبت الموازين حين يرى عمله هباء منثورا، فمدار الأمر ليس على كثرة العمل، وإنما مداره على إحسان العمل وإتقانه، فالله عز وجل لا يرضى عن العامل إذا كثر عمله، وإنما يرضى عنه إذا حسُن عمله، فليست العبرة بالكثرة، وإنما العبرة بالتجويد والإتقان، ربما يعمل المرؤ عملا قليلا ويأجره الله عز وجل أجرا كبيرا، وربما يأتي العبد ربه يوم القيامة بأمثال جبال تهامة بيضا من الحسنات، فيجعلها الله هباء منثورا، ذلك أن هذه الأعمال لم تكن متقنة، ولقد حضّنا الشرع الحنيف على إتقان العمل بأساليب متنوعة، فمن هذه الأساليب أن الحق تبارك وتعالى جعل الإتقان صفة من صفاته سبحانه، فقال في وصف خلقه سبحانه وتعالي.

 

كما جاء في سورة النمل ” وتري الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون” وأمر به عباده، فقال سبحانه وتعالي في سورة النحل أيضا ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون” وبيّن لعباده أن أعمالهم بنظر الله، وأنه سبحانه مطلع عليها، وسيجزيهم عنها، فقال سبحانه في سورة التوبة “وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهاده فينبئكم بما كنتم تعملون” وسيجزى المسيء بمقتضى إساءته، والمحسن بما يكافئ إحسانه، فقال تبارك وتعالى في سورة النجم ” ولله ما في السماوات والأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني” وبيّن الله سبحانه وتعالي أنه أمر أعلى خلقه قدرا وأعظمهم منزلة بإحسان العمل.

 

فقال سبحانه وتعالي في سورة المؤمنون ” يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم” وأما السنة النبوية، فجاءت نصوص كثيرة تحض على إتقان العمل وإحسانه، ويكفى لبيان أهمية إتقان العمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الله عز وجل يحب من عبده أن يتقن عمله، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” رواه البيهقي في شعب الإيمان، فالله عز وجل يحب من عباده أن يتقنوا أعمالهم، ولا يرضى سبحانه عن العمل غير المُتقن، والمؤمنون ينبغي لهم أن يكونوا أتقن الناس لأعمالهم، وأحرصهم على تجويدها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إتقان العمل فرضا واجبا، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته” رواه مسلم.

 

وقال ابن رجب رحمه الله ولفظ الكتابة يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين خلافا لبعضهم، وإنما يُعرف استعمال لفظ الكتابة في القرآن فيما هو واجب حتم كقوله تعالى في سورة النساء ” فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلي جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا” وقد قص علينا القرآن الكريم قصة ذي القرنين، وبيّن الحق تبارك وتعالى أن ذا القرنين قد بنى سدا محكما لم يستطع يأجوج ومأجوج رغم قوتهم أن يعلوه، ولا أن يتخذوا فيه نقبا ينفذون منه، فقال تعالى كما جاء في سورة الكهف ” فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا” وهذا يدل على إتقانه لبنائه ومبالغته في تحسينه وتجويده، وإن الإسلام يحض أتباعه على تقديم المحسنين المتقنين، وفي هذا حض على الإتقان والإحسان يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى