غير مصنف

الدكروري يكتب عن الصانع المتقن ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الصانع المتقن ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله “الذين هم في صلاتهم خاشعون” يقول أي خائفون ساكنون، وأما من لم يتقنها ولم يتم أركانها فتلك صلاة المنافق وهي مردودة في وجهه، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة، قيل كيف يا أمير المؤمنين قال لا يتم ركوعها ولا سجودها، ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون، وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان، وكذلك أيضا إتقان الزكاة بإعطائها لمستحقيها وهو بإخراجها إلى مستحقيها وفي وقتها ومن أفضل ماله، وكذلك أيضا اتقان الصوم بحفظ الجوارح و يكون بإتمامه وعدم الإخلال بشروطه وأن تصوم الجوارح والأركان عما حرم الرحمن، وكذلك أيضا إتقان الحج، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة البقرة.

 

“وأتموا الحج والعمرة لله” أي أتموا الحج والعمرة لله إذا بدأتم فيهما، فأتموهما ولا تنقضوهما، وهذا قول من الأقوال، وهكذا كل عبادة إذا شرعت فيها لا ينبغي لك أن تنقضها وأن تتركها، بل كما قال الله تعالي في سورة محمد ” ولا تبطلوا أعمالكم” وكذلك أيضا إتقان التعليم، وإن العملية التعليمية بحاجة ماسة إلى إتقان المعلم والمربي ولقد تصدر النبي صلى الله عليه وسلم قائمة معلمي الدنيا لان الذي علمه هو الله تعالى فقد كان له أسلوب في تعليم أصحابه أسلوب محكم متقن لا يدع السامع حتى يفهمه ويلقنه، وهو تكرار الأمر أو النهي ثلاث مرات حتى يعي السامع وينتبه الغافل ويتعلم الجاهل، وأيضا ضرب المثال لتقريب المعاني الى ذهن المتعلم، وأيضا تعليمه صلى الله عليه وسلم أصحابه العلم والعمل معا، ومن روائع الإتقان في العملية التعلمية أن يتعلم الطالب العلم والعمل معا.

 

وللأسف يتخرج الطالب من الكلية وينال الشهادة ولكنه لا يستطيع أن يطبق ما قام به لأنه تعلم علما نظريا بعيد عن العمل، قد اتبع هذا الأسلوب في التعليم، وهو شرط منهجي في بيان القصد من العلم للمتعلم، وحمله على العمل بمقتضى ما يتعلمه، فعن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يجاوزها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا، يشهد لذلك ما رواه أحمد عن أبي عبدالرحمن زيد بن خالد الجهني أنه قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا فعلمنا العلم والعمل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب التعليمي، كان يعطيهم القدوة الحسنة.

 

فالمعلم المربي لا يجوز له إلا أن يكون قدوة في العلم والعمل لتلاميذه وطلابه، وكذلك أيضا هو إتقان الأعمال الدنيوية، وهذا يشمل جميع الأعمال والحرف التي يقوم بها الفرد فالعمل الذي يقوم به المرء أمانة وسيسأله الله تعالى عنها يوم القيامة فمن اخذ الأجر حاسبه الله تعالى على العمل، و لقد ضرب لنا القران الكريم صورا لإتقان الأعمال ومنها الإتقان في التعمير والإنشاء، فكثيرا ما نسمع عن انهيار مبنى حديث البناء أو تصدع كوبري قبل تسليمه، فاذا بحثنا عن سبب ذلك لوجدنا أن ذلك سببه هو عدم الإتقان الذي غاب عن المهندس والمقاول الذي قام بالإنشاء، ولقد ضرب الله تعالى مثالا فريدا في الانشاء والتعمير الا وهو إتقان ذي القرنين في بنائه السد، فقد استخدم ذو القرنين اعلى مواصفات التقنية في البناء والإحكام لذلك السد يقول العلامة ابن كثير رحمه الله وأما السد فقد بناه ذو القرنين من الحديد والنحاس.

 

وساوى به الجبال الصم الشامخات الطوال، فلا يعرف على وجه الأرض بناء أجل منه ولا أنفع للخلق منه في أمر دنياهم، فلو قيل ما هو أنفع بنيان في العالم، فهو سد القرنين، لأنه لو لم يكن موجودا لخرجوا على الناس وأفسدوا الدنيا، وكما أن الإتقان أيضا في حياة نبي الله سليمان عليه السلام، وتأملوا إلى قمة التقدم والإتقان الذي شيد به سليمان عليه السلام ذلك القصر، فقال ابن كثير رحمه الله وذلك أن سليمان، عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من قوارير، أي من زجاج، وأجرى تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه، وهذا من باب الإقحام في الدعوة، والإبهار للكفار حتى يستسلموا ويدخلوا في دين الواحد القهار، فلما شاهدت ما شاهدت علمت أن هذا نبي، تابت ورجعت إلى الله قائلة “رب إني ظلمت نفسي وأسلمت”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى