مقال

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

حتى أخرج في تفسير سورة الفاتحة وحدها كتابا جليلا، وبالانتهاء من هذا الكتاب المخصوص بسورة الفاتحة، شرع في تأليف كتاب آخر في تفسير سورة البقرة، على تلك الطريقة نفسها، ثم اطرد ينتقل من سورة إلى سورة على ترتيب المصحف الشريف جاعلا تفسير كل سورة كتابا مستقلا، وسائرا في تفسير السور كلها على المنهج الذي وضعه في تفسير سورة الفاتحة، وكأنه استغنى بالمقدمات التي مهد بها لتفسير سورة الفاتحة عن العود إلى بيان منهجي فكان يتناول كل سورة افتراعا، مبتدئا ببيان الفوائد المستنبطة من أول كلام فيها، غير أنه في أثناء سورة الأعراف، لما بين تفسير قوله تعالى “يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره” لما تكلم على حركة الأفلاك وصورها ومدى حركات الكواكب الثابتة، واستشعر استغراب المطالع جلب تلك المسائل المغرقة في علم الهيئة والفلك.

 

فوقع له أن عاد إلى التنويه بمنهجه، والتعريض بأصحاب التفاسير الآخرين، بكلام لو وضع في أول الكتاب لكان أبلغ مقدمة له، ببيان منهجه وغايته، حيث قال “ربما جاء بعض الجهال والحمقى، وقال إنك أكثرت في تفسير كتاب الله تعالى من علم الهيئة والنجوم، وذلك على خلاف المعتاد فيقال لهذا المسكين “إنك لو تأملت في كتاب الله حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته” وعاش الرازي في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وكانت هذه الفترة حرجة في حياة المسلمين السياسية والاجتماعية والعلمية والعقيدية، فالوهن قد بلغ مداه بالدولة العباسية، وكانت أخبار الحروب الصليبية في الشام، وأخبار التتار في المشرق تهدد مضاجع المسلمين، وتحرك وجدانهم، وتثير مشاعرهم، وكانت الخلافات المذهبية والعقائدية شديدة وفي الري وحدها كانت ثلاث طوائف الشافعية وهم الأقلية.

 

والأحناف وهم الأكثرية، والشيعة وهم السواد الأعظم، ففي البداية وقع التصادم بين أهل السنة والشيعة، وكانت الغلبة لأهل السنة ثم بعد ذلك، وقعت حروب بين الشافعية والحنفية، وكانت الغلبة للشافعية مع قلة عددها وكثرت الفرق وطال الجدل بينها وأشهرها الشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والباطنية، والكرامية أما العلوم فقال فيها ابن خلدون، ويبلغنا عن أهل المشرق أن بضائع هذه العلوم وهي العلم الطبيعي، والعلم الإلهي، والهندسة، والموسيقى وعيرها من العلوم لم تزل عندهم موفورة، وخصوصا في عراق العجم وما بعده فيما وراء النهر، وأنهم على ثبج أي علي نهج من العلوم العقلية والنقلية، لتوفر عمرانهم واستحكام الحضارة فيهم، واستفحل شر الباطنية وعمدوا إلى الاغتيالات الفردية التي ذهب ضحيتها نظام الملك وقاضي قضاة أصبهان، ويقول ابن العماد في كتاب شذرات الذهب، وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين.

 

وخافهم كل أمير وعالم لهجومهم على الناس، وهم كما وصفهم الإمام الغزالي أن ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، وفي هذه الاضطرابات السياسية والعقلية والدينية نشأ الرازي، ويقول تاج الدين السبكي في كتاب طبقات الشافعية الكبرى، وعبر إلى خوارزم بعد ما مهر في العلوم، فجرى بينه وبين المعتزلة مناظرات أدت إلى خروجه منها ثم قصد ما وراء النهر فجرى له أشياء نحو ما جرى بخوارزم فعاد إلى الري ويقول الداوودي في كتاب طبقات المفسرين وجدت بينه وبين جماعة من الكرامية مخاصمات وفتن، وأوذي بسببهم، وآذاهم وكان ينال منهم في مجلسه، وينالون منه، وكانت الري موقعا لعديد من الأحداث التاريخية في ذلك الوقت، لكثرة طرقها إلى الدول، ولذلك لجأ أهلها إلى دور تحت الأرض، فجعلوها في غاية الظلمة ومسالكها وعرة، وتقع الآن في الجنوب الغربي من طهران.

 

وفي سنة خمسمائة وثلاث وأربعين من الهجرة، قامت الدولة الغورية، وهي السنة التي ولد فيها الرازي وكانت في بداية فترة الضعف والانحطاط للدولتين السلجوقية والغزنوية، وهما الدولتان اللتان عاش تحت ظلالهما، وفي أيام ازدهارهما، ولقد زالتا بعد موته ببضع سنين، عندما خرج المغول من بلاد الصين، وإن كان القرن السادس الهجري عصرا اجتمعت فيه متناقضات كثيرة، فإن عوامل القوة لاستمرار الحضارة الإسلامية كانت موجودة أيضا، ولهذا فلا تكاد دولة ما تسقط، حتى تظهر دولة أخرى، تكون كبيرة أيضا، لتواصل المسيرة التاريخية، وقد استطاعت الدولتان الخوارزمية والغورية مقاومة فتن الغز وهم شعب من شعوب الترك، ومنهم كان السلاجقة، وقد انتقلوا من أقاصي الترك إلى ما وراء النهر، وأسلموا ولكن كانت أفعالهم قبيحة، وخربوا بلادا كثيرة وأشعلوا الفتن، وقتلوا العلماء والصالحين وأحرقوا خزائن الكتب المتكررة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى