مقال

الدكروري يكتب عن دور العلم والجهل في بناء وهدم الشعوب “جزء 5”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن دور العلم والجهل في بناء وهدم الشعوب “جزء 5″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

وقال تعالى فى سورة النحل ” وتستخرجون منه حلية تلبسونها” ومنها صناعة السفن, وقد أجادها نبى الله نوح عليه السلام، ومنها أيضا صنعة البناء, وقد تعلمها إبراهيم وابنه إسماعيل, وهما اللذان بنيا أول بيت وضع للناس، ومنها أيضا صناعة السدود العظيمة كما فعل ذو القرنين، فقال تعالى “آتونى زبر الحديد حتى إذ ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتونى أفرغ عليه قطرا” والقطر هو النحاس المذاب, وهو إذا أضيف إلى الحديد زاده صلابة وقوة، ومنها الصناعات التى عملها الجن لنبى الله سليمان عليه السلام، وقد أشار القرآن الكريم إلى صناعات شتى, ومنها الصناعات التى عملها الجن لنبى الله سليمان عليه السلام، وعمل الجن لها لايعنى أن بنى الإنسان لا يقدرون عليها, ففى قصة سليمان عليه السلام رأينا بعض الناس ممن عنده علم من الكتاب يقدر على ما لم يقدر عليه العفريت من الجن.

 

إلى غير ذلك من الصناعات التى أشار إليها القرآن الكريم، فحرر عقلك من كل القيود، واشغل نفسك بتعلم ما ينفعك في الدنيا والآخرة ، وأيضا احرص علي التأمل في عجيب صنع الله حتي تزداد إيمانا وخشية وبعدا عن الإنحراف والشطط ، وقد أوصي الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ولده فقال يا بني الناس ثلاثة عالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولن يلجئوا إلى ركن وفيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم، فاحرص أخي المسلم أن تكون من الحريصين علي المعرفة ولا تضيع وقتك في غير فائدة فقد حكي بعض البلغاء من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله أو حمد حصله، أو خير أسسه أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه، فالعلم يساوي العقل فقد سئل بعض العلماء أيما أفضل المال أم العلم ؟

 

فقال الجواب عن هذا أيما أفضل المال أم العقل، إذن العقل آلة التفكير، والعلم ثمرته، وهو في الوقت نفسه إعلان وتسجيل لفضل العلم، وإيحاء بتحصيله، فيقف الإنسان على الحقائق، وتزول عنه غشاوة الجهل، ويحرر من رق الأوهام والخرافات، وبذلك كان الإسلام دين الفكر، ودين العقل، ودين العلم، وحسبنا أن رسوله لم يقدم حُجة على رسالته، إلا ما كان طريقها العقل والنظر والتفكير، وقد ارتفَع القرآن بالعقل، وسجل أن إهماله في الدنيا سيكون سببا في عذاب الآخرة فقال حكاية لما يجري على ألسنة الذين ضلوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق والعمل به، ومن هنا يقول الله تعالى فى سورة الملك ” لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” وكذلك ارتفع بالعلم، وجعل أهله في المرتبة الثالثة بعد الله والملائكة، فقال تعالى فى سورة آل عمران ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم فائم بالقسط”

 

ثم جعلهم وحدهم هم الذين يخشون الله من عباده، بما أدركوا من آثار قدرته وعظمته، فقال بعد أن لفت الأنظار إلى نعم الله وآياته، قال تعالى ” إنما يخشى الله من عباده العلماء” ومن هنا كَثرت آيات القرآن الواردة في ذم التقليد، وجري الخلف وراء السلف دون نظر واستدلال، هؤلاء الذين ورثوا عقائدهم وآراءهم عن آبائهم وأجدادهم، لا لشيء سوى أنهم آباؤهم وأجدادهم، وكأنهم يرون أن السبق الزمني يخلع على خطة السابقين وآرائهم في المعتقدات، وإفهامهم في النصوص قداسةَ الحق وسلطان البرهان، فالتزموها وتقيدوا بها، وسلبوا أنفسهم خاصة الإنسان خاصة البحث والنظر وفي هذا الشأن، وقد حكى عنهم الجمود على ما كان عليه سلفهم، فهم يرثون أفكارهم وآراءهم، كما يرثون عقارهم وأرضهم، وحكي عنهم اكتفاءهم بمعتقداتهم الموروثة، ووقوفهم بأنفسهم عندها، دون أن يتجهوا إلى الترقي والتدرج في العلم والعمل.

 

ولا شك أن كلا الموقفين الجمود عند الموروث والاكتفاء به مصادم لما تقضي به طبيعة الكون وطبيعة كل حي من النمو والتوليد، والتناسل الفكري كالتناسل النباتي والحيواني والإنساني، كلاهما شأن لا بد منه في الحياة، ولو وقَف التناسل الفكري، لارتطم الإنسان في حياته بكثرة ما تلد الطبيعيات التي هو منها، وعندئذ يعجز عن تدبير الحياة النامية التي لم يقدر لها النماء إلا خدمة له وسبيلا لخيره ونفعه، فيتحقق فشله في القيام بمهمة الخلافة الأرضية التي اختير لها، ووكلت إليه منذ القدم، فإن الجمود على آراء المتقدمين، وخططهم في العلم والمعرفة، وأسلوبهم في البحث والنظر جناية على الفطرة البشرية، وسلب لمزية العقل التي امتاز بها الإنسان، وإهدار لحجة الله على عباده، وتمسك بما لا وزن له عند الله، هذا وقد نشأ المسلمون في ظل ما قرره الإسلام، ودعا إليه القرآن، ففكروا وبحثوا وتعقلوا، وطلبوا البرهان، وأنكروا التقليد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى