القصة والأدب

فصة عن الغرور بالنفس

جريدة الاضواء

فصة عن الغرور بالنفس

 

تقديم عيد المصري

 

“وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا” (الإسراء: ٣٧)

 

كل إنسانٍ منا يعيش في عالمٍ خاص به، حيث هو المركز الذي يدور حوله هذا العالم الخاص.

 

ويتكون هذا العالم الخاص بمعارفه من الناس وبيئته التي يعيش فيها ويعملُ بها، مُكَلّلاً بذكرياته وبطموحاته وبما يدور في ذهنه من آمال.

 

وتتفاوت تقديرات كل إنسان لحجم ذاته ومكانته بالمقارنة للعالم الخاص به. فكلما صَغُرَ هذا العالم الخاص، زاد تقديره لحجم نفسه ومكانتها. والعكسُ صحيح، فكلما اتسع نظره للعالم حوله وكَبُر هذا العالم، قلَّ تقديره لحجمه ومكانته.

 

وحُبُّ الشُهرة والصيت والمنظرة من آفات النفس البشرية، وكانت هذه هي الآفات التي جعلت قارون يخرج “على قَوْمِهِ فِي زِينَتِه”، ليتلذذ وهو يرى نظرات الانبهار والتمني في أعين الناس ويسمعهم وهم يقولون متحسّرين: “يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ!” (القصص: ٧٩)

 

وغالباً ما تنبع هذه الآفة من النظرة الضيقة عند تلك النفس المغرورة للعالم (أو الوجود) حولها.

 

ترى إنساناً بمجرد وصوله لمنصبٍ قيادي في عمله إلا ويتحول ويمشي خُيلاء ويتعامل بغرور وتعالي مع من كانوا بالأمس أقرانه. فهو لا يرى من الكون إلا تلك الذرة الصغيرة (نسبيًا) التي هي بيئة عمله.

 

وقد ترى من جمع مالاً ممدوداً، ووصل إلى قيادة أمة كبيرة من الأمم، فيمشي فخوراً و يتكلم مصدعاً خدّه للناس. ولكن لو كان فكّر قليلاً في حجم كوكب الأرض بالنسبة للكون، أو حتى ما في هذه الارض من مخلوقات تعيش في أعماق البحار – التي تفترش ثلاثة أرباع سطح الأرض – من أسماكٍ لا تعلم ما يدور في عالم البشر الموجود على الرُبع المتبقي و لا تلقي له بالاً، فلربما انكسر غروره!

 

ويرشدنا الله عز و جل في القرءان لكيفية كبح هذه الآفة، وذلك بالنظر إلى ما حولنا من الكون ليتسع نظرنا ليشمل كل الكون، و حينها ندرك حجمنا الحقيقي:

 

“الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (ال عمران: ١٩١)

 

“لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (غافر: ٥٧)

 

ثم يشير إلى ضعفنا و قلة حيلتنا مهما وصلنا اليه من جاه أو سلطان على الارض: “إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا”!

 

ويذكرنا بأن “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ” (الرحمن: ٢٦) وأن “كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ” (ال عمران: ١٨٥)، والمصير الأخير في هذه الدنيا هو التراب، فلما الغرور و الاستكبار؟!

 

أما من الناحية العملية، فمن أفضل الطرق لكبح هذه الآفة هو عمل الخير سراً، فيكون خالصاً لوجه الله دون جلب ثناء من الناس. كمن يتصدق من ماله سِرّاً فلا تعلم شماله ما تنفق يمينه، او كمن ينشر علماً نافعاً للناس – سواء لدينهم أو لدنياهم – دون الإفصاح عن شخصيته.

 

و ليكن قليل الكلام، غاضض الصوت، لئلا يكون مراده هو جذب الأنظار وهو لا يدري. فقلَّةُ الكلام وخفت الصوت من شِيَم العلماء و العقلاء، بينما “أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ” (لقمان: ١٩)!

 

وليكن في معاملاته محتَرِماً (وفي نفس الوقت شريفاً عزيز النفس) مع من هم فوقَه، متواضعاً مع من هم أقلّ منه.

 

و صدق الشاعر حين قال:

 

إذا امتلأت كف اللئيم من الغنى

تمايل إعجابا وقال أنا أنا

ولكن كريم الأصل كالغصن كلما

تحمل أثمارا.. تواضع وانحنى

 

و صدق لقمان حين قال لابنه و هو يعظه:

 

“وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ” (لقمان: ١٨)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى