مقال

الدكروري يكتب عن رذيلة الحقد

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن رذيلة الحقد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن موضوع الحقد موضوع خطير جدا لأنه يؤدي إلى مهالك، فالحقد قد يتداخل مع الحسد والغضب، ولكن هناك اختلاف، فالحقد رذيلة بين رذيلتين لأن له ثمرة الغضب، الحقد يتولد من أي شيء؟ يتولد من الغضب، وهو يثمر الحسد ويؤدي إليه، فاجتمع في الحقد أطراف الشر، والحقد حين تحليله يتبين من عناصره، الكراهية الشديدة والبغض العنيف، والرغبة في الانتقام وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد، وتخزين العنصرين السابقين في قرارة النفس وتغذيتهما بالأوهام والتصورات والاسترجاعات المختلفة للمشاهد، مع مثيرات جديدة للكراهية والرغبة في الانتقام، وتتفاعل هذه كلها تفاعلا يأكل نفس الحاقد من الداخل، وتتغلغل هذه الدوافع في النفس تغلغلا يسبب فعلا التآكل الداخلي والانهيار في النهاية في نفس الحاقد، ولكي نبين كيف يتولد الحقد من الغضب، نقول إنك قد تغضب على إنسان أو أن الشخص قد يغضب على أخيه أو على إنسان فيريد منه الانتقام.

 

فإذا لم يستطع أن ينتقم منه ليشفي غيظ قلبه ويثأر لنفسه، ولم يستطع أيضا أن يصفح عنه ويسامح لأنه لا يقدر على ذلك، لا استطاع الانتقام ولا استطاع المسامحة ماذا يحدث؟ وتتخزن هذه الطاقة الكريهة في النفس، ويحتقن هذا الحقد في النفس، ويظل دفينا يتحرك ويشتعل داخليا، كلما رأيت الإنسان الذي أنت تحقد عليه، وكلما ذكر اسمه على مسمعك، أو تذكرت شيئا من أفعاله وأقواله، أو مشهدا من المشاهد التي حصلت فيها لهذا الشخص مواقف معك، تتفاعل هذه الغريزة عندك أو هذا الخلق من الحقد، والمسألة باختصار هو اختزان وإمساك العداوة والبغض في القلب واستمرار تفاعلها، وهذا المرض له آثاره المدمرة على نفس الحاقد لأنه يشغل القلب، ويتعب الأعصاب، ويقلق البال، ويقض المضجع، وقد تظلم الدنيا في وجه الحاقد، وتضيق به على سعتها، وتتغير معاملته حتى لأهله وأولاده لأن الحقد يضغط عليه من كل جانب، وقد تتسع دائرة الحقد لتشمل الأبرياء.

 

كما لو كرهت امرأة زوجها لإهانته وشتمه لها وتعذيبها، فقد تكره جميع الرجال، أو يظلم والد ولده ويذيقه ألوان العذاب، ويقسو عليه ويحرمه ألوان العطف والحنان، فيكره الولد كل الآباء، وهكذا، والحقد في الغالب يكون بين الأقران، ولذلك الضرة تحقد على ضرتها، والفقير يحقد على الغني، وكل من سلب نعمة يحقد على من أنعم الله به عليها، وهكذا، وكل صاحب رئاسة يحقد على من ينازعه الرئاسة، وكل إنسان يحقد على من يتفوق عليه بشيء، وإذا كان للحاقد سلطة أو قوة فإنه يسعى للانتقام من كل من يظن أنه عدو له، ولكن هل يمكن أن لا يقع بين إنسان مسلم وأخيه أي نوع من أنواع الزعل؟ وهل يمكن عمليا أنه لا يقع أي نوع من أنواع الزعل بين الناس وبين المسلمين أبدا؟ وكيف يعني ذلك وهذا يؤذيك بكلمة، وهذا يجرحك بتصرف، والنفس حساسة، والنفس تتأثر، ونحن بشر، ولكن يجب أبدا ما نزعل مطلقا؟ فنقول نعم، هذا لا يمكن في الواقع.

 

نعم نحن مطالبون أن لا نغضب وأن نكظم الغيظ، ومطالبين لكن لا يستطيع الإنسان في الحقيقة أن لا يزعل ولا يغضب من أي تصرف مهما حصل من أي واحد، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم جميعا كان بعضهم يجد على أخيه، يعني يجد في نفسه، وإليك هذا المثل من صحيح البخاري رحمه الله “لما تأيمت حفصة بن عمر رضى الله عنهما من زوجها يعني توفي بالمدينة زوج حفصة بنت عمر، فقال عمر بن الخطاب “أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة” وكان هذا من عادة المجتمع الأول في بساطته ونظافته، سعيهم للعفاف، فكان الرجل يعرض بنته على من يراه مناسبا، فكان لا يراه عيب أبدا، وليس فيها شيء مطلقا، بخلاف حساسية الناس اليوم، يقولون هذا عيب، وإنه عيب أن تعرض أختك أو بنتك على واحد صالح مهما كان، وهذه البنت ليست قطعة قماش ولا سيارة تعرضها ولا سلعة، والحقيقة أنهم لا يفهمون، ولا يعقلون، فقال عمر فعرضت عليه حفصة.

 

فمن الذي يقول؟ إنه عمر بن الخطاب عرض على من؟ على عثمان بن عفان يقول فقال سأنظر في أمري أفكر، فيقول فلبثت ليالي ثم لقيني فقال عثمان قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، يعني أنا الزواج ليس على بالي، فقال عمر فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيء لا جواب مطلقا، قال عمر الآن هذا الشاهد وكنت أوجد عليه مني على عثمان” رواه البخاري، يعني وجدت في نفسي على أبي بكر أكثر مما وجدت على عثمان لأنه ما اعتذر، لا وافق، سكت، فهنا عمر بن الخطاب وجد في نفسه، وهكذا فإن الصحابة كان يحصل بينهم مواقف، ويجد الإنسان فيها على أخيه، ويجد في نفسه شيئا، لكن ما ينام إلا ونفسه طيبة، فلا يدوم الحقد، أو لا يدوم غضب الإنسان على أخيه، سرعان ما يفيؤون، ويتغافرون، وإن الله سبحانه وتعالى، يدعوكم للاجتماع والاتحاد، ويستحثكم على التآخي والتآلف.

 

ويأمركم بصفاء القلوب ونقاء السرائر، ويحثكم على بذر المحبة في القلوب، واجتثاث أسباب الضغينة والغل والبغضاء من القلوب، ولذلك امتنَ الله عز وجل على نبيِّه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأن جمع أهله ووحدهم به صلى الله عليه وسلم بعد فرقة واختلاف وقتال بينهم دام سنين، فقال سبحانه وتعالى فى سورة الأنفال ” وألف بين قلوبهم لو انفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ” ولقد ظهر العداء بين المسلمين، وبين القبيلة والقبيلة، وبين القريب وقريبه، وبين الأخ وأخيه، وكل ذلك من أجل حطام الدنيا، وحب الانتصار، والعلو، ولقد قلّ التسامح في شيء من ذلك، فنجد النزاع يحتدم ويطول بين شخصين أو أشخاص، وقد يؤدي إلى إيصال الضرر إلى النفوس والأبدان لأحد الطرفين أو كليهما، ومن له علاقة بذلك النزاع، كالزوجات والأزواج، وهذا مما أصيب به المسلمون من ضعف الإيمان، ونسيان أو تناسى حقوق المسلمين بعضهم على بعض والله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة الحجرات يقول ” إنما المؤمنون أخوة “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى