مقال

الدكروري يكتب عن المسلم المؤمن

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المسلم المؤمن

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من أجمل ما اتصف به الصفوة من أهل الإيمان هو كمال الحرص على سلوك سبيل الإحسان في كل دروبه، والحذر من التردى في وهدة الإيذاء للمؤمنين والمؤمنات بأى لون من ألوانه وفى أى صورة من صوره، يحدوهم إلى ذلك ويحملهم عليه ذلك الأدب الرفيع والخلق السامي الذي رباهم عليه ربهم الأعلى سبحانه حين بيّن لهم أن الصلة بين المؤمنين هي صلة أخوة, في الدين كما قال تعالى ” إنما المؤمنون أخوه” وإن الأخوة تعني التراحم والتواد والتعاطف والقيام بالحقوق كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبى أنه قال “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” وإن الأخوة تعنى أيضا فيما تعنى كف الأذى.

 

فالمسلم حقا من كمُل إسلامه بسلامة الناس من إيذاء لسانه ويده وما في حكمهما، وإن من أعظم أسباب الإيذاء المفضية إليه اللدد في الخصومة، ولذا كان الألد الخصم أبغض الرجال إلى الله كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الهدى، وجاء التحذير الشديد لمن خاصم في باطل, وهو يعلم، وإن المؤمن سهل العريكة، جميل العشرة، حسن التعامل، لين الجانب، يبذل الندى ويكف الأذى، وكف الأذى أفضل خصال الإسلام، وإن أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله أداء حقوق المسلمين، والكف عن أعراضهم، وإن الإسلام حين جاء بشرع جديد للناس، حدد لهم الطرائق الصحيحة للتعامل، وذلك من خلال رسم الخطوط العريضة وتنبيه المسلم إلى الأمور التي تؤذي أخاه المسلم ليجتنبها، ومن الحقوق المشروعة للمسلم على أخيه المسلم ست خصال يرويها أبو هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين يقول.

 

“ست خصال واجبة للمسلم على المسلم، من ترك شيئا منهن فقد ترك حقا واجبا، يجيبه إذا دعاه، وإذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا عطس أن يشمته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا استنصحه أن ينصح له ” فهذه الأمور واجبة لكل مسلم على أى مسلم، وتركها هو ترك حق قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، ويلحظ في هذا الحديث أنه يدعو إلى المودة بين المسلمين، كما يدعو إلى كف الأذى، وإن كف الأذى عن كل مسلم عبادة جليلة دل الكتاب والسنة على فضلها وعظم منزلتها، فعن أبي موسى الأشعرى قال قلنا يا رسول الله أى الإسلام أفضل ؟ قال ” من سلم المسلمون من لسانه ويده” متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يتناج اثنان دون واحد فإن ذلك يؤذي المؤمن والله عز وجل يكره أذى المؤمن” رواه الترمذى، فإن الشارع نهى عن أذى المسلمين لعظم حرمة المسلم ولأن ذلك يفضي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع.

 

ويؤدي إلى انتشار الفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي وقطيعة الرحم وانصرام حبال المودة بين الأصحاب، وإن المسلم كما يؤجر على فعل الطاعات وبذل المعروف كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن المسلمين لأن ذلك من المعروف وداخل في معنى الصدقة، فقال أبو ذر رضى الله عنه قلت يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال “تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك” متفق عليه، وإن الله عز وجل كما تعبدنا بفعل الطاعات، تعبدنا أيضا بحفظ حرمة المسلمين وعدم التعدي عليها بنوع من الأذى، وبعض الناس هداهم الله لا يستشعر في حسه عظم هذا الأمر فتراه مع حرصه على الصلاة والصيام وسائر العبادات يتعدى على أخيه المسلم ويؤذي المسلمين ويتهاون في هذا الأمر تهاونا شديدا، وإن الباعث على الاستخفاف بحرمة المسلم والتساهل في إيذاء المسلمين ناشئ عن الجهل وقلة الوعي.

 

وبلادة الطبع وقد تكون البيئة عاملا مؤثرا في تكوين هذه الشخصية العدائية ولا شك أن تربية الأسرة عامل مؤثر أيضا على سلوك الفرد هذا السلوك والتخلق به، ولقد بنى الإسلام أسسه فى تنظيم العلاقة الاجتماعية بين بني المجتمع على قواعد مُثلى وركائز فضلى، في مثل قول الله تعالى فى سورة الحجرات ” إنما المؤمنون إخوة” ونحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى ها هنا، فأشار بيده إلى صدره ثلاثا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه” رواه مسلم، وفى مثل قوله صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخارى.

 

وفي نحو قوله عليه الصلاة والسلام ” من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتى إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه” رواه مسلم، فتأسيسا على ما تقدم جاءت النصوص المتضافرة في آيات قرآنية وأحاديث نبوية كلها تتضمن المنع الأكيد من أذية المؤمن، والزجر الشديد من الإضرار بالمسلم بأى وجه من الوجوه أو شكل من الأشكال، القولية أو الفعلية، أو الحسية أو المعنوية، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى