مقال

الدكروري يكتب عن يا معشر من أسلم بلسانه

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن يا معشر من أسلم بلسانه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن إيذاء المسلمين أمر خطير يغيب عن معظم الناس اليوم، ويكاد يكون فقه كف الأذى غائبا عند عدد لا بأس به من الناس، ولكن الحمد لله أن أكثر أهل هذه الأمة يعملون بمبدأ كف الأذى وما يزالون على الفطرة وعلى المحجّة البيضاء التي تركهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلاحظ أيضا في الحديث، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال “الناس” ولم يقل المسلمين، ويدل هذا على أن المسلم في تعامله بالمبادئ الإسلامية، التي رأسها الأخلاق الكريمة، لا يفرق في تعامله بين مسلم وغير مسلم، فضلا عن اعتبارات وفوارق أخر تكون بينه وبين خلق الله، من اختلاف في الانتماء، أو في المال والجاه، وفي حديث آخر يوجه عليه الصلاة والسلام، الخطاب إلى من لم يتقيد ويلتزم بذاك التعريف قائلا من على رأس المنبر بصوت رفيع عالى.

 

“يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتبعوا عوراتهم ولا تطلبوا عثراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته” فلن يبلغ المرء درجة الإسلام، لا أقول الإيمان، حتى يكف أسباب الأذى المعنوية والحسية عن الناس، فضلا عن المسلمين منهم، وإلا كان كالشيطان مصدرا للشرور والبلايا، يستعاذ بالله منه كما يستعاذ من الشيطان، فشر الخلق هو من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، كما جاء ذلك في الأثر، أما خير الخلق فهو عكس ذلك تماما، أو على الأقل إذا لم يأتك منه خير، فلن يأتيك منه شر إطلاقا، وحتى مع هذه المنزلة الدنيا الضعيفة، فإن الله تعالى لكرمه العظيم يثيب عليها، كما جاء في الحديث الشريف “يمسك عن الشر فإنها صدقة” ما أروع وأبدع قول الشاعر حينما قال.

 

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل واللؤم اسم جامع لكل رذيلة وشر، وإن التقصير في هذا الباب عظيم لا يمكن تداركه في الآخرة فينبغي للمؤمن أن يكون ورعا حريصا على أن لا يلقى الله وقد آذى مسلما وعرض نفسه للخطر وأذهب حسناته وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” رواه مسلم، وعن أبي موسى الأشعرى رضى الله عنه قال قلنا يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال “من سلم المسلمون من لسانه ويده” فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف.

 

قربة وعبادة يغفل عنها كثير من المسلمين، وهي عبادة كف الأذى عن الناس، فإن المسلم كما يؤجر على فعل الفرائض والطاعات، فإنه كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن الناس، لأن الإسلام جاء لكي يرفع الأذى والضرر والشر عن خلق الله، لكي يعيشوا في راحة وطمأنينة وأمان، بل إن كف الشر والأذى في الإسلام يعدل الصدقة بالمال، قال أبو ذر رضى الله عنه قلت يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال “تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك” ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من الأذى في صور كثيرة، حتى في أمور قد يستهين بها الناس، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله، ما لنا بد في مجالسنا، نتحدث فيها، فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟

 

قال غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر” رواه مسلم، وإن أذية المؤمنين وإحداث ما فيه إضرارهم، هو سبب عظيم لسخط المولى جل وعلا ومقته وعذابه وغضبِه، ويقول الفضيل رحمه الله “لا يحل لك أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟ وعن قتادة “إياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه ويغضب له” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار” ويقول صلى الله عيه وسلم ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” رواه البخارى، وإن ذلك حديث واضح جلي عن كف الأذى لمن يبصر حقائق الأمور ويستجليها، فإن الإنسان بيده وبلسانه فاللسان آلة النطق والتعبير عما في صدر الإنسان، واليد تعبر عن الأفعال والتصرفات، فبها الإنسان يؤدى عملا يرحم المسلمين، أو قد يستعملها في ظلم الناس والسطو على حقوقهم والتعدى على أموالهم.

 

فكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعا مانعا قد أحاط بكل ما يمكن أن يقال حين جعل الإنسان رهين لسانه ويده، وقد نهى الإسلام عن كل ما قد يسبب الأذى للمسلم سواء كان أذى نفسيا أم بدنيا، وجعل كف الأذى عن المسلمين عبادة، وكما نهى عن الأذى الجسدى فقد نهى أيضا عن النفسى مهما كان صغيرا، كأن يتناجى رجلان سرا ورجل ثالث يجلس معهما في نفس المجلس وهم ثلاثة فقط، فالمسلم إذا يؤجر على كف الأذى عن الناس كما يؤجر على أداء الطاعات والفرائض فالله تعالى لا ينقص من عمل ابن آدم شيئا ولو كان مثقال ذرة، وربما يعود سبب أذى المسلمين بعضهم بعضا وعدم اتباعهم منهج كف الأذى ناتج عن قلة الوعي والجهل في دينهم، فكل ذلك يجعل الإنسان وحشا لا يرعى في إخوانه إلا ولا ذمة، وهؤلاء قد توعدهم الله عز وجل بالعقاب الشديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى