مقال

الدكروري يكتب عن القناعة ومعرفة الله

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن القناعة ومعرفة الله

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

عليكم بالرضا والقناعة والعمل بالتجارة في أسواق الآخرة، فإن أسواق الأخرة تلك هي البحار الزاخرة بالأرباح وبالنجاح وبالفلاح، فإن الربح فيها مضمون، والتجارة فيها لن تبور، فالداخل إليها والمتجول فيها كسبان، فالتجارة فيها مع الغني الحميد، مع الرزاق المجيد، فتاجر مع الله، فإنه وحده الذي يشتريك بأغلى الأثمان، واعلم بإن القناعة أساسها هو معرفة الله عز وجل، والقناعة أساسها التفويض لله تعالى، والقناعة أساسها أن توقن أن الله سبحانه وتعالى حكيم في أفعاله، وأن توقن أن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل، وإن من أجل ألا تكون الحياة الدنيا لعبا ولهوا وزينة وتفاخرا وتكاثرا يجب أن ينظر المسلم إلى من هو أسفل منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم” رواه مسلم.

 

وإن الإنسان دائما يتطلع إلى من فوقه في الدنيا، تلتوي عنقه، ويتحسر على نفسه، ويشعر بالحرمان، وهذه المشاعر المرضية أساسها النظر في الدنيا إلى من فوقنا، أما إذا نظرنا في الدنيا إلى من هو أسفل منا عرفنا نعمة الله علينا، لم نزدر النعم التي أنعم الله علينا، ولعل رأس هذه النعم نعمة الصحة، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا نظر أحدكم إلى من فُضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه” رواه البخارى، أي هذه النظرة المتكافئة، هذه النظرة الموضوعية، لو أن أحدا منا نظر إلى من فضل عليه في المال والخلق يقرن هذه النظرة بنظرة أخرى فلينظر إلى من هو دونه في المال والخلق، فيجب أن ننظر في أمر الدنيا لمن هو دوننا، وأن ننظر في أمر الآخرة لمن هو فوقنا، وأن نقنع بعطاء الله لنا، فهذا يبعدنا عن التنافس البغيض، ويبعدنا عن الحسد ويبعدنا عن التفاخر، وأن نقنع بما آتانا الله عز وجل و نتحرر من عبودية الدنيا.

 

والعلاج الآخر أن نقنع بما آتانا الله عز وجل، وأن نحول طاقاتنا إلى الآخرة، وبقي علينا أننا إذا كنا عبيدا لله عز وجل علينا أن نتحرر من عبودية الدنيا، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال “تعس عبد الدرهم والدينار ، تعس عبد القطيفة والخميصة، أي الثوب، وفي رواية أخرى تعس عبد البطن وتعس عبد الفرج، وتعس عبد الدرهم والدينار، وتعس عبد القطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم سخط” رواه البخارى، ومعنى تعس أي شقي أى هلك، فابتعد عن الله، فلعنه الله، وهذا أيضا من أساليب التربية الإسلامية، في التحرر من أن تكون الدنيا لعبا ولهوا وزينة وتفاخرا وتكاثرا، وبقي علينا أن الإيمان بالتعويض، فقد روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها من الفقراء.

 

واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها من النساء” فالإنسان يُحاسب على قدر حظه من الدنيا، فإذا آتاه الله مالا وفيرا سأله سؤالا كبيرا، وإذا آتاه الله قوة وسلطانا حاسبه الله عن كل تصرفاته، ومعنى أن الفقراء يدخلون الجنة قبل غيرهم بخمسمائة عام، لقوله صلى الله عليه وسلم “رأيت أكثر أهل الجنة الفقراء” لأن حسابهم ليس عسيرا، دخلهم قليل أنفقوه في طعامهم وشرابهم، أما هذا الذي يؤتيه الله مالا كثيرا، وينفقه في غير ما يرضي الله عز وجل فله عند الله حساب كبير، فأنت محاسب على قدر حظك من الدنيا، أنت محاسب على قدر ما آتاك الله منها، فما من نعمة تؤتاها إلا ويقابلها سؤال، لذلك ورد في الأثر أن الأغنياء يحشرون على أربع فرق يوم القيامة، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام فيقال خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حلال وأنفقه في حرام فيقال خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال.

 

فيقال خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حلال وأنفقه في حلال، هذا الذي يُقال له خذوه فاسألوه، هل تاه بماله على عباد الله ؟ فانتبه إلى أن هذه الدنيا سوف تسأل عنها سؤالا دقيقا، ومن أسباب الحياة الطيبة هو انشراح الصدر، وإن حياة المؤمنِ مليئة بالتكاليف والواجبات، وانشراح الصد يحول مشقة التكليف إلى متعة، ويحيل عناءه لذة، ويجعله دافعا للحياة الطيبة لذا طلب ذلك نبى الله موسى عليه السلام من ربه عز وجل، فقال “رب اشرح لى صدرى” والله سبحانه وتعالى امتن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بانشراح صدره، فقال سبحانه “ألم نشرح لك صدرك” أى أما نورناه، وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقا حرجا، لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى