مقال

الدكروري يكتب عن الإسلام والعدل بين الرعية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإسلام والعدل بين الرعية

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال، صف أصحابه، ورتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها، منضبطة في عملها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال، ويحصل الكمال، ويقع النصر بإذن الله تعالي، فهل وصلنا الى الزمان الذى ضاع فيه العدل الذى أمرنا به الله عز وجل؟ وهل وصل بنا الحال الذى نادى به رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم فى أحاديثه الشريفه عندما وضح لنا فيما معنا أنه سيأتى على الناس سنوات خداعات يخون فيها الأمين ويصدق فيها الكاذب ولكن أين العدل الذى جاء به الإسلام على لسان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، والعدل أيها المسلمون يجب أن يكون مطلقا وشاملا لجميع الأحوال التي يتعرض لها الفرد في المجتمع حاكما ومحكوما، غنيا أو فقيرا، قويا كان أو ضعيفا، رجلا كان أو امرأة.

 

فالكل خلق الله والدين أمر الله أنزله ليصلح شأنهم، والله عز وجل وصف نفسه بأنه الحق، ووصف نفسه بأنه العدل، وإن للحق وللعدل شرطان يتوقف عليها صلاح الأمة، وبدونها ترد الى أسفل السافلين، فالذي يأكل حق الناس، أو ينكر عليهم حقهم مسيء الى العباد، مستوجب لغضب الحق سبحانه، وهو خارج عن شريعة العدل الذي قدسه الله حين وصف نفسه بأنه الحكم العدل، ومن هنا نفهم كيف ترتبط قضية الحق والعدل بذات الله، وبجوهر العقيدة قبل أن تكون قضية المجتمع أو مشكلة الحياة، وسلوك المؤمن بربه هو الإحساس الدائم بوجود الله تعالي مع كل خطوة وهمسة يهمسها، فلا تزن الدنيا في نفسه مثقال ذرة، وحين تمتلئ النفس بمحبة الله وبالخوف منه تعالي نتذكر بأن الله العدل سوف يحاسب عاجلا أو آجلا، وإنما أعمالك أخي المسلم تحصى عليك، وإن شعور المؤمن حين يتجه إلى الناس يستحضر رهبة الله في قلبه، فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

 

لما ولي الخلافة على المسلمين ” أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتي أريح عليه حقه، إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، مسؤولية خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم هي العدل لا يلقي بالا للقوي لان الحق اقوي منه، ولا يخاف الضعيف من ذهاب حقه فهو يشد أزره حتى ينتصر له، ولقد أكد القرآن الكريم على الأمر بالعدل وقرنه بالإحسان، وجعله مقابل البغي المقترن بالفحشاء والمنكر فقال “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”

 

وقال تعالى ” فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينهم” فادع واستقم كما أمرت، إنها رسالة يبلغها الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم إلى العالمين، ومهمته الأساسية أن يعدل بين الناس، وأمرت لأعدل بينكم، ويحرر القرآن العدل من الشوائب، ويجعله عدلا مطلقا لا يخضع لتهديد، ولايتأثر بأهواء النفس، وبأحوال الرضا والغضب فيدفع المؤمنين إلى إقامته حقه وهذا ما يحرص عليه المؤمن ابتغاء مرضاة الله تعالى، وقد شمل العدل التعامل المادي بين الناس فعمد إلى العقود وأن لا تترك الأمور سائبة تترنح وتتأرجح مع كل رنة ونمنه، وليس القاضي الذي يشغل وظيفة القضاء، بل كل من حكم بين اثنين قاضي حتى الزوج الذي يعيش بين زوجين يعد قاضيا فعليه بالعدل، وبالاقتراب من حدود العدل، وأن يبتعد عن الهوى والميل والظلم، وإن الإسلام ركز على العدل بين الرعية.

 

وهذا أعطى للإمام مقاما سامقا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين” فهذا السلاح العجيب القتال أجراه الله سبحانه وتعالى وأعطاه الله لعبد من عباده هو الحاكم العادل يدعو فيستجاب له، وكذلك أعطاه للمحكوم المظلوم يدعو على من ظلمه فيستجاب له “دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب” وهكذا يوضح لنا الله عز وجل فيقول ” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا” ووضح لنا الله عز وجل أن العبادات لها أركان وشروط فإن الصلاة لها أوقات معلومه ومحددة، وإن الزكاة كذلك لها أحكامها ووقتها فزكاة المال تؤدى كل عام، وببلوغ النصاب، وتخرج لأناس عيّنهم الشرع وحددهم، وجعل الزكاة لا تصرف إلا لهم، وكذلك الحج له أشهر معلومات وأماكن محدودات.

 

لا يُقبل من الحاج أن يذهب لأداء مناسك الحج في غير تلك الأشهر، ولا يصح أن يؤديها في أماكن غير تلك التي حددها له الشرع الحنيف، وأما عبادة الصيام، التي لها شهر معلوم ووقت معدود، فشهر رمضان هو الوحيد الذي فرضه الله على عباده، وإذا صامه المسلم، فوقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهذه الأركان الخمسة من الشهادتين والصلاة والزكاة والحج والصيام تعطينا دروسا للانضباط والنظام في أنفسنا وحياتنا، وتغرس فينا التنظيم والترتيب في معاملاتنا وسلوكنا فهي بلا شك تربية للمسلمين على هذه القيمة الجمالية، وهكذا الجهاد في سبيل الله لن يكون إلا بالانضباط، فإذا كان الجهاد بلا انضباط فإنه لن يحقق هدفه ولن يؤدي غرضه، ولهذا حينما لم ينضبط بعض المسلمين، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، حينما أمرهم أن لا يبارحوا أماكنهم، وأن لا يخرجوا من أعلى الجبل حتى يأتيهم الأمر وقعت الهزيمة.

 

وأنزل الله تعالي كما جاء في سورة آل عمران ” أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها فلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله علي كل شيء قدير” فتقولون كيف حدثت الهزيمة؟ ومن أين جاءت؟ فقال لهم هي من عند أنفسكم بسبب عدم انضباطكم لأمر نبيكم صلى الله عليه وسلم ومخالفتكم له فوقعت الهزيمة، ويقول الله عز وجل كما جاء في سورة الصف” إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى