مقال

الدكروري يكتب عن ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺷﺮﺍﺋﻌﻪ

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺷﺮﺍﺋﻌﻪ

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن حب الحياة الدنيا ﻳﻠﻬﻲ ﻋﻦ ﺣﺐ الله تعالى ﻭﺫﻛﺮﻩ، ﻭﻣَﻦ ﺃﻟﻬﺎﻩ ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله عز وجل ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﻳﻦ، وﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﻣﻔﺴﺪﺍ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ، وذلك لأنه ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺗﻌﻈﻴﻤﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺣﻘﻴﺮﺓ ﻋﻨﺪ الله عز وجل، وﺃﻥ الله ﻟﻌﻨﻬﺎ ﻭﻣﻘﺘﻬﺎ ﻭﺃﺑﻐﻀﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻣَﻦ ﺃﺣﺐ ﻣﺎ ﻟﻌﻨﻪ الله ﻭﻣﻘﺘﻪ ﻭﺃﺑﻐﻀﻪ، ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﻭﻣﻘﺘﻪ ﻭﻏﻀﺒﻪ، وﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺒﻬﺎ ﺻﻴَّﺮﻫﺎ ﻏﺎﻳﺘﻪ، ﻭﺗﻮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﻬﺎ الله ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻓﻌﻜﺲ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻗﻠﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﺎﻧﺘﻜﺲ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺍﻧﻌﻜﺲ ﺳﻴﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻭﺭﺍﺀﻩ، وﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻔﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﻪ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻬﻢ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺷﺮﺍﺋﻌﻪ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﺣﺒﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﺒﺎﺕ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﻳﻌﺎﺭﺽ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻡ ﺑﻐﻴﺮﻩ.

 

ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻋﻦ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ لله تعالى ﻋﻨﺪ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﻓﻴﺆﺩﻳﻪ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﻻ ﺑﺎﻃنا، وإن الحياة الطيبة مطلب للناس جميعا، الحياة التي تكون مصبوغة بالسعادة والهناء، وبالتعبير الأوضح والأكمل، كما جاء في القرآن المجيد، الحياة الطيبة مطلب للمكلفين جميعا، وتتعدد وسائلهم وتتنوع طرقهم في الوصول إليها، لكن الله جل وعلا قد أوضح الطريق وبيّن السبيل، وهدى إلى المحجة، وأقام الحجة على الجميع، مبينا لهم هذه الحياة الطيبة التي ينالها من ابتغاها، وسلك طرقها في هذه الحياة الدنيا لتكون موصلة له إلى الحياة الطيبة الأكمل في الدار الآخرة، فهذه الحياة هي التي نعنيها حين نقول إن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قد علم الدنيا من خلال حياته الشريفة كيف تكون الحياة الحقيقة التي بها يرتقي الإنسان لتكريم الله فيه، والتي بها يختلف عن البهائم والحيوانات، فإن الإنسان إذا لم يستعمل سمعه وبصره.

 

وقلبه وعقله ووجدانه ومشاعره في معرفة الحق والارتقاء بأخلاقه وأدبه إلى السماوية فهو كالأنعام يشترك معهم في الحياة البهيمية التي لا تساوي في حقيقة الحياة شيئا تنتهي حين تفارق الروح الجسد وينتهي ذكر صاحبها ولربما يخلد ذكره في المجرمين الذين أفسدوا في البلاد والعباد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحياته التي تمثل التنفيذ الأشمل والأكمل للتعاليم الربانية والمنهج السماوي على الأرض، وإن رسول الله عليه السلام وحياته هو النموذج الأمثل للحياة، وفد أخبر الله تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة، ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى، ثم بيّن الله سبحانه وتعالى الفرق بين حال الدنيا، وحال الآخرة، بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، أو ينقضي عنها، ومنن الآخرة باقية دائمة، والذين صبروا معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعات، وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المكروهة.

 

وقد اختلف الناس في معنى الحياة الطيبة فقال ابن عباس رضى الله عنهما هو الرزق الحلال، وقال الحسن وعلي بن أبي طالب هي القناعة، وقال الثعالبي رحمة الله عليه، والذي أقول به أن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونبلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر مُلذ، فبهذا تطيب حياتهم، وأنهم احتقروا الدنيا، فزالت همومها عنهم، فإِن انضاف إِلى هذا مال حلال، وصحة أو قناعة، فذلك الكمال، وقوله سبحانه “ولنجزينهم” وهو وعد بنعيم الجنة، وعلى النقيض تماما من اتبع هواه وترك هداه وعاش كالبهائم كما قال الله تعالى فى سورة طه “فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى” ثم أعلمهم سبحانه أن من اتبع هُداه فلا يضلّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وأن من أعرض عن ذكر الله، وكفر به فإن له معيشة ضنكا.

 

والضنك هو النكد الشاق من العيش والمنازل، ونحو ذلك، وهل هذه المعيشة الضنك تكون في الدنيا، أو في البرزخ، أو في الآخرة؟ فيها أقوال، ويُحتمل في الجميع، فقال القرطبي، قال أبو سعيد الخدرى وابن مسعود، ضنكا هو عذاب القبر” وهكذا نتفهم معنى الحياة الحقيقي ونحاول أن ندرك ادراكا تاما، ثم نؤمن بأن الحياة التي أرادها الله سبحانه بمنته وفضله لنا إنما توضحها وترسم معالمها وصراطها حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان من خير فمن الله وحده، وإن كان من شر فمني ومن الشيطان ونسأل الله تعالى الهداية والكفاية والوقاية، ولله الحمد أولا وآخرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى