مقال

الدكروري يكتب عن الصحابي خالد بن العاص

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الصحابي خالد بن العاص

 

بقلم محمد الدكروري

 

الصحابي خالد بن سعيد بن العاص، وهو من السابقين إلى الإسلام، وقد عينته أم حبيبة وهى السيدة رملة بنت أبي سفيان، وكيلا لها عندما خطبها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، القرشي الأموي، وكان يكنى أبا سعيد، يلتقى نسبه مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في الجد الثالث، وأمه هى أم خالد بنت حباب بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة وهى من ثقيف، وهو أحد السابقين الأولين، وقد روي عن أم خالد بنت خالد ، قالت كان أبي خامسا في الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة، وأقام بها بضع عشرة سنة، وولدت أنا بها، فهو من السابقين للإسلام، وقد دفن وإخوته في دمشق، وقد كتب المؤرخون القدامى ممن دُفنوا في مدينة دمشق وقراها ما يظهر لنا بأن تراب دمشق وما حولها قد اختلطت بذراته دماء الصحابة الكرام والتابعين الأكابر والعلماء الأجلاء، في عدد لا يُحصيه إلا الله عز وجل، وكان سرهم الرباني ما هو إلا أنهم سمعوا بأحاديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، عن بركة الشام وفضل أهلها، فقَدموا وقلوبهم تطمح لأمر واحد، وهو أن يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم “يجتبي إليها خيرته من عباده” فما أجملها من منافسة إيمانية صافية، وسوف نتحدث عند سيرة أحد الصحابة الكرام الذي كان خامس، أو رابع، من أسلم وصدّق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه أسلم بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان خالد بن سعيد رضى الله عنه هادئ السمت، ذكي الصمت، والده هو أبو أحيحة وهو من كبراء الجاهلية، وقد مات قبل غزوة بدر مشركا، وقالت أم خالد بنت خالد أبي أول من كتب ” بسم الله الرحمن الرحيم ” وكان سبب إسلامه هو أنه ذات ليلة رأى خالد بن سعيد في منامه أنه وقف على شفير نار عظيمة، وأبوه من ورائه يدفعه نحوها بكلتا يديه، ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقبل عليه ويجذبه بيمينه المباركة من إزاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب، ليصحو من نومه ويسارع إلى دار أبي بكر ويقص عليه رؤياه، فقال أبو بكر له، إنه الخير أريد لك، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبعه، فإن الإسلام حاجزك عن النار، فأسلم من فوره ليكون رابع أو خامس من أسلم، وعندما علم والده بإسلامه انهال عليه ضربا ثم زجّه في غرفة مظلمة ليصبح حبيسها، ثم راح يرهقه جوعا وعطشا، وهو ثابت على دينه إلى أن يئس والده منه، فأطلقه قائلا واللات لأمنعنك القوت، فأجابه خالد، والله خير الرازقين، وكان من المهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وعاد مع إخوانه سنة سبعة من الهجره، وأقام في المدينة المنورة ليشهد جميع المشاهد مع الصحابة، وقبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه واليا على اليمن، ثم ما لبث أن عاد عندما سمع بوفاته صلى الله عليه وسلم، وبعد تولي أبي بكر الصديق الخلافة، استعمله على جيش من جيوش المسلمين حين بعثهم إلى الشام لقتال الروم، فما لبث أن استشهد بموقعة مرج الصفر، بالقرب من دمشق في صدر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورآه المسلمون مع الشهداء فقالوا اللهم ارض عن خالد بن سعيد، شاهدين له بأنه كان الأشد ضراوة وبسالة ضد الروم أثناء قتاله لهم، وقيل كان استشهاده في موقعة أجنادين قبل وفاة أبي بكر الصديق بأربع وعشرين ليلة، وإن لاستشهاده حكاية حيث رُوي بأن الذي قتله سأل بعد أن أسلم، من هذا الرجل؟ فإني رأيت نورا له ساطعا إلى السماء، وله أخوة أسلموا فيما بعد بسبب إسلام أخيهم، وهما أبان بن سعيد، وعمرو بن سعيد الأموي، وقد قتلوا يوم أجنادين، رضي الله عنهم، وقبورهم لا يعرف منها إلا قبر الصحابى خالد بن سعيد، ما بين باب توما وباب شرقي، وربما دُفنوا في أطراف دمشق رضي الله عنهم أجمعين، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعمله على صنعاء، وأن أبو بكر الصديق، أمره على بعض الجيش في غزو الشام ، قال موسى بن عقبة، أخبرنا أشياخنا أن خالدا قتل رجل مشركا، ثم لبس ملابسه وكانت ديباجا أو حريرا، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو، فقال ما لكم تنظرون؟ من شاء فليفعل مثل عمل خالد، ثم يلبس لباسه، وقيل كان خالد بن سعيد وسيما جميلا، وقال ضمرة بن ربيعة كان إسلام خالد مع إسلام أبي بكر، وكما قالت أم خالد بنت خالد أبى كان خامس من دخلوا الإسلام تقدمه علي بن أبي طالب، وأبو بكر، وزيد بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص، فلقي رسول الله وهو بأجياد فقال يا محمد، إلى من تدعو؟ قال صلى الله عليه وسلم “أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده” قال خالد، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإسلامه، وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه من بقي من ولده، ولم يكونوا أسلموا، فوجدوه، فأتوا به أباه أبا أحيحة سعيدا، فسبه وبكته وضربه بعصا في يده حتى كسرها على رأسه، وقال اتبعت محمدا وأنت ترى خلافه قومه فغضب أبوه ونال منه، وقال اذهب يا لكع حيث شئت، والله لأمنعك القوت، فقال خالد، إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، فأخرجه وقال لبنيه، لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت بخالد، فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يلزمه، ويعيش معه، وتغيب خالد عن أبيه في نواحي مكة حتى خرج المسلمون إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فخرج معهم، وكان أبوه شديدا على المسلمين، وكان أعز من بمكة، فمرض فقال لئن الله رفعني من مرضي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة بمكة، فقال ابنه خالد عند ذلك، اللهم لا ترفعه، فتوفي في مرضه ذلك، فكان هكذا هو الصحابي المجاهد خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وقيل عن خالد إنه كان من المبكرين في الإيمان برسالة النبى صلى الله عليه وسلم، وما إن علم الأب بإسلام ولده خالد حتى جن جنونه، فانهال عليه بالضرب والشتم، ثم خرج به إلى رمضاء مكة، حيث وضعه بين رمالها الملتهبة وأحجارها الثقيلة ثلاثة أيام لا يوارى فيها ظل ولا تبلل شفتيه قطرة ماء، إلا ان خالدا بقي ثابتا على دينه، فعاد به أبوه إلى داره، وراح يغريه ويمنيه مرة، ويرهبه أخرى، دون جدوى، فطرده من بيته، ولم يعد إليه حتى مات أبوه، وقد هاجر خالد الهجرة الثانية إلى الحبشة، ومكث فيها ما شاء الله أن يمكث، ثم هاجر إلى المدينة مع إخوانه المؤمنين وفي مقدمتهم جعفر بن أبى طالب، وذلك سنة سبعة من الهجرة، ومعه امرأته أميمة بنت خالد الخزاعية، وقد شهد خالد عمرة القضاء وفتح مكة ومعركة حنين والطائف وتبوك، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن واليا، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عليها، إلا إنه سرعان ما عاد إلى المدينة ممتنعا عن استلام أية مسؤولية، بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وقدعُرف خالد بن سعيد بولائه للإمام علي رضى الله عنه، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال قولته ” أنتم لطوال الشجر، طيبو الثمر، ونحن تبع لكم” وقد أقام خالد بالمدينة ولم يبايع الخليفة أبا بكر الصديق حتى بايع بنو هاشم، ثم استعمل أبو بكر الصديق خالد بن سعيد على جيش من جيوش المسلمين حين بعثهم إلى الشام، فاستشهد رضوان الله تعالى عليه في مرج الصفر، وهو موقع بالشام، وقيل كانت وقعة مرج الصفر أوائل السنة الرابعة عشرة من الهجرة، في صدر خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وكان عندما هاجر خالد إلى الحبشة كانت معه امرأته أميمة بنت خلف الخزاعية، وولد له بها ابنه سعيد بن خالد، وابنته أم خالد، واسمها أمة، وأما عن أميمه بنت خلف، فقد تزوجها خالد بن سعيد بن العاص، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك سعيد وأمة، وقد هاجر معه إلى أرض الحبشة، أخوه عمرو بن سعيد بن العاص، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر مع جعفر بن أبي طالب في السفينتين، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فأسهموا لهم، ولم يزل خالد وأخواه عمرو وأبان على أعمالهم التي استعملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي رجعوا عن أعمالهم، فقال لهم أبو بكر الصديق ما لكم رجعتم؟ ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارجعوا إلى أعمالكم، فقالوا نحن بنو أبي أحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا، وكان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيماء وخيبر، وقرى عربية، وتأخر خالد وأخوه أبان عن بيعة أبي بكر الصديق، فقال لبني هاشم إنكم لطوال الشجر طيبوا الثمر، ونحن تبع لكم،

فلما بايع بنو هاشم أبا بكر الصديق بايعه خالد وأبان،ولما كانت أعمالهم خالصة لذي الجلال والإكرام، لذا لم يتطلعوا للقيادة والزعامة، بل استوت عندهم الأمور فلا فرق إن كان أحدهم قائدا أو جنديا، وها هو ناطق بالحكمة حين عزله عن قيادة أحد الجيوش المتجهة إلى الشام فيقول “والله ما سرتنا قيادتكم، ولا ساءنا عزلكم” ثم يعتذر له الخليفةمبينا له وجهة نظره عسى أن يكون العزل خيرا لخالد في دينه، ويخيره بين أن يكون تابعا لجيش عمرو بن العاص وهو ابن عمه أم مع شرحبيل بن حسنة فيجيب خالد بجواب النفوس التقية “ابن عمي أحب إليّ في قرابته، وشرحبيل أحب إلي في دينه” ثم يختار أن يكون جنديا في كتيبة شرحبيل بن حسنة، واستمر الرجل مجاهدا في كل المواقع التي قدر له أن يكون فيها مجاهدا، حتى رزق الشهادة في موقعة مرج الصفر بأرض الشام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى