مقال

الدكروري يكتب عن مراحل الخلق في القرآن الكريم

الدكروري يكتب عن مراحل الخلق في القرآن الكريم

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن القرآن الكريم وضع لكل مرحلة من مراحل الخلق مسمى خاصا، وعبر بدقة عن التطورات التي تقع في تلك المراحل حسب تسلسلها الزمني، حيث فصل بين كل مرحلة منها بحرف العطف ثم، الذي يدل على التراخي الزمني بين تلك الأطوار، فأول تلك المراحل النطفة في رحم الأم الذي هيّأه الله تعالى وأعده لأن توضع فيه؟ فهو المراد بقوله سبحانه ” ثم جعلناه نطفة في قرار مكين” حيث هو الموضع من الجسم الذي يتخلق فيه الجنين ويعيش فيه حتى ولادته، ثم تكون مرحلة التخليق التي يتتابع فيها خلق الجنين، حيث تأتي مرحلة العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم كساء العظام باللحم، ويتميّز هذا الطور بانتشار العضلات حول العظام وإحاطتها بها كما يحيط الكساء بلابسه، وتبدأ الصورة الآدمية بالاعتدال.

 

إذا تمت مرحلة كساء العظام باللحم، كما يوضح ذلك علماء الإعجاز العلمي في القرآن، ويبينون أن أجزاء الجسم ترتبط ببعضها وتكون أكثر تناسقا، ويمكن للجنين أن يبدأ بالتحرك بعد تمام تكوين العضلات، والانسان الذي يبدو للوهلة الأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد، إنه يبدو قويا مخيفا مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفا لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة ، ويزداد ظهور ضعف الإنسان، حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره، وحيث يجد الانسان نفسه عاجزا عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه، أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان، ليدرك الانسان المرة تلو المرة.

 

أنه مع طموحه إلى السيادة على الأرض وغزو الفضاء فهو قاصر عن السيطرة على نفسه، وحينما يتأمل المسلم اليوم في أحوال نفسه وأحوال من حوله يدرك كم هو مشغول عن الغاية التي خلقه الله لأجلها تلك الغاية التي قل منا من يسأل نفسه هل سلك طريقها وهل توخى وسائلها وطمع في جوائزها ربما تفكرت طويلا في الغاية من عملك والغاية من تجارتك والغاية من دراستك ولا أشك أنك ستبحث عما يوصلك إلى تلك الغايات الشريفة ولكن كم مرة سألنا أنفسنا لماذا خُلقنا ؟ لماذا خلقنا الله على هذه الأرض ؟ هل خلقنا لنتمتع بشهواتها؟ بطعامها؟ بشرابها؟ بزينتها وزخرفها؟ ثم نموت وندفن في التراب وينتهي كل شيء؟ لماذا خُلقنا؟ إنه سؤال ربما نعيد بسببه كثيرا من حساباتنا الدنيوية والأخروية.

 

وأما الجواب فاسمع الجواب من الله الذي تكفل به في قوله تعالى ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” حقا إنها العبادة الغاية العظمى للحياة لكن الإنسان يميل بطبعه إلى المُتع وتهفو نفسه إلى الدعة والراحة ويشتاق بتكوينه إلى ما يرضي دنياه وهكذا خُلق الإنسان عجولا تغره الثمار القريبة الفانية حتى تشغله عن الباقية لأنها بعيدة، وإن الله تعالى لم يأمرك بالعبادة ليقطعك عن مُتعك ولا ليحرمك من شهواتك ولا لينغص عليك حياتَك كلا، بل أمرك بالعبادة لتعيش بها هانئا سعيدا، مطمئن البال والضمير، ولهذا كانت العبادة راحة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم فكان إذا تعب ونصب قال” أرحنا بالصلاة يا بلال ” رواه أحمد وأبي داود، وكان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى الصلاة حينما تشتد عليه الكروب.

 

وتزيد عليه الهموم فعن حذيفه رضي الله عنه قال “كان النبى صلى الله عليه وسلم إِذا حزبه أمر صلى” رواه أحمد، وإن مما يعينك على العبادة أن تعلم ما أعده الله تعالى من جزاء عليها ، فهذا يعينك على رفع الهمة في المواصلة عليها فمن منا يتخيل كم أعده الله تعالى للمسلم من أجر في زيارة المريض على سبيل المثال، فاسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يعود مسلما غدوه إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتي يمسي وإن عادة عشية إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتي يصبح وكان له خريف في الجنة” رواه الترمذي، وهل تأملت في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إن من بينهم شاب نشأ في عبادة ربه فاستحق يوم تنكب الشمس على الخلائق فتلجمهم في عرقهم، أن يحظى بظل مميز، إنه ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى