مقال

الدكروري يكتب عن الشهداء عند الله

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الشهداء عند الله

بقلم/ محمـــد الدكــــروري

 

إن الشهادة في سبيل الله درجة عالية لا يهبها الله عز وجل إلا لمن يستحقها، فهي اختيار من العلي الأعلى للصفوة من البشر ليعيشوا مع الملأ الأعلى، فإنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صحبة الأنبياء، وإن الشهادة رتبة تمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ” والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل” فما أعظم الشهيد فإنه يُحتفى به في الآخرة حفاوة عظيمة، ولا يخرج من الدنيا إلا بمواكب كريمة، فالناس تبكي والشهيد يضحك، والناس في فزع والشهيد في الجنة يرتع، فإن وفده كريم، وأمره عظيم، ودخوله الدنيا كما الناس، وخروجه تحتبس له الأنفاس، فإنه تموت الناس والشهيد لا يموت ويبكي الناس والشهيد يبتسم في وجه الردى، فيضمه الموت بصدر فيه لوعة الإيمان.

 

فإن الشهيد هو من خير الناس منزلا، فإن دمه مسك، ويحلى من حلية الإيمان وهو من أمناء الله تعالي في خلقه وروحه في جوف طير أخضر يرِد أنهار الجنة ويأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ويأمن من الصعقة ويأمن من الفزع الأكبر ويُشفع في سبعين من أقاربه ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ويلبس تاج الوقار، الياقوته فيه خير من الدنيا وما فيها وهو من أول من يدخل الجنة ويكلمه الله كفاحا دون حجاب ويسكن الفردوس الأعلى في خيمة الله تعالي تحت العرش لا يفضله النبيّون إلا بدرجة النبوة، فإن الشهداء هم الأحياء عند ربهم يرزقون، فيقول الله تعالى ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” وذلك ما يعنى أنه حى وفى وضع أفضل بكثير.

 

والأكثر من ذلك أنه سيشفع لسبعين من أهله ليدخلوا معه الجنة، وما أعظمها من منزلة، وقد يبدأ الوعى بفكرة الاستشهاد وقيمتها عند من يهبون أنفسهم للشهادة فى سبيل الوطن عندما يقرر أحدهم مثلا الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، فهذا ينطوى ضمنيا على وجود استعداد لديه للاستشهاد فى سبيل الوطن، خاصة أن شعار المؤسسة العسكرية هو النصر أو الشهادة، والشعب المصرى يشعر بالفخر لمجرد التحاق أبنائه بالكليات العسكرية، لدرجة أن هناك أسرا يكون لديها ابن وحيد، وبالتالى معفى من دخول الجيش، ومع ذلك تجد أهله يشجعونه على الالتحاق بالكليات العسكرية من منطلق إيمانهم بأهمية الوطن والدفاع عنه والانتماء له، حتى لو فقد الإنسان حياته فى سبيل ذلك.

 

وكذلك فإن همجية الإرهاب تعطى دافعا أكبر للاستشهاد من أجل إنقاذ البلد وأهله والشهداء تماهوا مع قضيتهم ولهم منزلة كبيرة فى نفوس أفراد الشعب، وإننا إن أردنا أن نصوغ تعريفا للشهيد فلا يسعنا أن نقول أكثر من أنه شخص كريم الأخلاق ونبيل ينتمي إلى طبقة عالية من طبقات البشر، لا يستطيع أن يبلغها أحد من الناس إلا من استطاع أن يبلغ رتبة الشهادة، وإن تعريف الشهادة في الإسلام هو بذل النفس في سبيل الله تعالى وفي سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، في حرب مع الكافرين بالله وبدينه وبآخر أنبيائه، وهنالك آراء كثيرة حول سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم، فقال بعضهم إنه قد سمى بالشهيد لأن الله تعالى والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والملائكة عليهم السلام قد شهدوا له بالجنة.

 

وقال بعضهم لأن روحه قد شهدت الجنة قبل مجيء صاحبها، وذلك بخلاف الناس العاديين الذين لا تدخل أرواحهم الجنة إلا بدخولهم هم بعد يوم القيامة، وقال بعضهم أيضا إن الشهيد قد سمي شهيدا لأنه أشهد نفسه على حب دينه وعقيدته أكثر من نفسه، وقيل أيضا لأنه يأتي يوم القيامة تشهد عليه جراحه ودماؤه، وذلك كما في حديث الرسول الكيم محمد صلى الله عليه وسلم، عن الشهداء، إذ قد قال صلى الله عليه وسلم”والذى نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم فى سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحة مسك” وقيل بل هو شهيد لأن الخلائق قد شهدت له بالشهادة في سبيل الله تعالى، وقيل لأنه حى حاضر عند ربه وليس ميتا، وقيل لأن ملائكة الرحمة تشهد موته فيشهدون له، وقيل غير ذلك من اجتهادات قال بها علماء المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى