مقال

انثربولجيا بناء الانسان

جريده الاضواء

انثربولجيا بناء الانسان

د. فرج احمد فرج

يُركز علم الإنسان على دراسة البشر في كل تفاصيلهم، بدايةً من أصولهم وتكيفهم وبيئتهم وتوزيعهم وعاداتهم، بالإضافة إلى علم الوراثة البشرية، وصولاً إلى دراسة ماضي ما قبل التاريخ للانتقال إلى الحاضر، من القبائل السابقة إلى المدن الصناعية الحديثة، ومن عادات الحضارات القديمة إلى معتقدات الشعوب الشعبية اليوم.

انتقل الفكر الأنثروبولوجي مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين، في الدراسات الثقافية / الاجتماعية، من البحوث التاريخية والتطوّرية، إلى البحوث الميدانية، حيث تتمّ دراسة الثقافة كما هي في واقعها الراهن أثناء فترة الدراسة .‏

يقول 

“ بريتشارد “ إنّ أحب موضوعين للبحث كانا : موضوع الاسرة وموضع الدين . وعلماء القرن التاسع عشر، لم يملّوا أبداً من الكتابة في هذين الموضوعين، وقد وصلوا فيهما إلى نتائج كانت محلّ نقاش بينهم لفترة طويلة. ولكن على الرغم من اختلاف هؤلاء العلماء اختلافاً شديداً، على ما يمكن استخلاصه من وقائع وبينات كانت تحت أيديهم، فقد كانوا يتّفقون على الأهداف التي يرمون إليها، وهي إثبات التطوّر .  

فقد كانت المشكلات التي درسها علماء الأنثروبولوجيا، حتى وقت قريب، بعيدة عن مجالات الحياة اليومية، وكان من الصعب التوفيق بين المشكلات النظرية حول تطوّر الثقافة أو الانتشار الثقافي أو وصف الطرائق الثقافية، وبين مشكلات الصراع والتلاؤم التي كانت تجذب الانتباه، سواء داخل الثقافات الآخذة بالنمو، أو في مناطق الاحتكاك بين الثقافات .‏

فرغبة علماء الأنثروبولوجيا في دراسة أنماط حياة وما ينجم عنها من نسيان مظاهر التغيير الثقافي، كانت تضفي على أعمالهم صفة تختلف عن صفة الأبحاث المخبرية في العلوم الصحيحة والعلوم ولذلك انتقلت الأنثروبولوجيا إلى موضوع جديد يتعلّق بما يسمّى ب (الدراسة المتزامنة لمكوّنات الثقافة وعناصرها الأساسيّة والعلاقات المتبادلة فيما بينها ). وبرزت نتيجة ذلك النظريتان التاليتان في دراسة الثقافة الإنسانية: نظرية الاتّصال الثقافي، والنظرية التطوّرية الجديدة .‏

مما يعني أن علماء الأنثروبولوجيا يستكشفون جميع مراحل التطور البشري، ويعيدون بناء مجتمعات وحضارات الماضي، ويحللون ثقافات ولغات الشعوب الحديثة. بعبارةٍ أخرى فإن الأنثروبولوجيا هي دراسة جميع جوانب الإنسانية في جميع الأوقات.

ساعد المنهجيات المميزة للأنثروبولوجيا على فهم الخبرات والممارسات البشرية، وتوضيح ترابطها والعلاقات المتشعبة فيما بينها. وبالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، يتم اكتشاف هذه الروابط بشكل أساسي من خلال البحث الإثنوغرافي طويل الأجل، من خلال العديد من المهارات البحثية العميقة مثل تعلم كيفية الملاحظة، وتعلم طرح الأسئلة الأنثروبولوجية الضرورية والمناسبة، وتعلم كيفية تحديد الأنماط في السلوك البشري المعقد. دون إغفال الأبحاث الميدانية والمخبرية في العديد من الدراسات.

مما يعني أن دراسة الأنثروبولوجيا ستكون طريقك لدخول المجال البحثي المتخصص، والاشتغال وفق العديد من الآليات المتخصصة التي تبدأ من السلوك الإنساني وتعود إليه في نهاية المطاف، مُحملة بالنتائج التي تستلزم اتخاذ القرارات المناسبة. مما يجعلنا أمام علم حيوي يهم الإنسان ومجتمعه ويعمل على تطويرهما معاً انطلاقاً من فهم حيثياتهما.

واحدة من الصفات التي تميز الأنثروبولوجيا عن غيرها من التخصصات الأكاديمية هي اهتمامها الشديد بالثقافات. من خلال توسيع الرؤية إلى ما وراء السياقات والتجارب الاجتماعية المألوفة، وعدم الاكتفاء بما هو مباشر وسطحي. وبالتالي فإنها تعتمد على المعرفة والخبرة بشتى التمثلات الثقافية من مختلف أنحاء العالم.

 حيث تؤكد نظريات علم الإنسان على أهمية السياق وضرورة فهم الناس لبيئتهم الخاصة والعالم من حولهم. ولا شك أن أهمية هذا التوجه تزداد يوماً بعد يوم، وهذه النقطة بالذات هي ما جعلت لعلم الأنثروبولوجيا دوراً فعالاً في العديد من القضايا مثل التنمية الاقتصادية، والأزمة السياسية، والآثار الاجتماعية للعولمة، والضمان الاجتماعي، وغيرها من المواضيع المهمة التي تعمل على هيكلة المجتمعات.

ومن هنا، فإن دراسة الأنثروبولوجيا ستفتح لك الباب للمشاركة في صياغة العديد من التصورات المجتمعية الكبرى، في إطار العثور على آليات لتحسين التفاهم المتبادل والشراكات المبتكرة وإرساء أنواع جديدة من المعرفة.

إن الانثروبولوجي التطبيقي لم يعد الشخص الذي يقدم مخططا أو رسما لبرنامج إصلاحي أو تنموي فقط، بل هو الشخص الذي يتوجب عليه أن يقدم تقريرا مفصلا عن معوقات العمل والمسارات الخطرة المحتمل أن تعترض سبل التنفيذ وتقف حائلا دون تحقيق أهداف البرنامج أو وحدة الجماعة، فهو الأقدر على حساب ردود الفعل الاجتماعية التي يحتمل أن يحدثها التغيير، وهو الأقدر على تخفيف مظاهر الصراع بما يخدم وحدة الجماعة. وهو الأقدر على رسم سيناريوهات التغير والتطوير.

ولم تقتصر الجهود الانثروبولوجيه التطبيقية على دراسة المجتمعات المحلية أو السكان المحليين في المناطق الجغرافية، بل إن دراسات انثروبولوجيه تطبيقية أخرى تناولت العلاقات الصناعية وتنظيم العمل الإداري في المؤسسات كالمستشفيات والمعامل والمتاجر والسجون إلى تأسيس جمعية الانثروبولوجيه التطبيقية سنة 1941، وكذلك دراسة جامعة هارفارد الشهيرة في ميدان الانثروبولوجيا الصناعية والتي أشرف عليها الأستاذ التومايو وكانت تستهدف دراسة بعض المشاكل التي تتعلق بالإنتاج وقياس مدى كفاءة المصانع، ثم تلك الدراسة الانثروبولوجيه التي تناولت تحليل البناء الاجتماعي. ولا شك إن المصنع أو المدرسة أو الدائرة إنما تمثل تنظيمات اجتماعية لها خصائص ومقومات تؤثر على نوعية المخرجات السلوكية أو على كمية الإنتاج المادي وترتبط بالعلاقات الاجتماعية داخل تلك المؤسسات والتنظيمات، والتي في ضوء دراستها نستطيع أن نقرر ماهية العلاقات الاجتماعية التي تربط بين أعضاء الجماعة داخل التنظيم ومدى تأثير تلك العلاقات على الأنشطة المستهدفة دراسياً في المؤسسة وفي الواقع فإن ما يقدمه الانثروبولوجي التطبيقي في رسم وتنفيذ البرامج الإصلاحية والتنموية لا يتعدى حدود المبادئ الأولية التي اكتسبها من العلم في التحليل الاجتماعي مصحوبة بحقائق أولية عما يمكن أن يحدث من نتائج وآثار جراء تطبيق المشروعات التنموية في المجتمعات المحلية المختلفة وما يمكن أن ينتج عنها من مشكلات اجتماعية وإنسانية كنتاج للتغيرات في السلوك والاتجاهات والعلاقات وفي النظم الاجتماعية.

ولكن الرؤية الضبابية ..والتي تنادي لبناء الانسان ، فالبناء يستدعي ان تهدم مافات وما كان مبني سابقا ، وتشرع في بناء جديد وعلي اسس جديدة .

وبداية رؤيتي الضبايية .. انهم لم يحددوا نوعية البناء ، هل هو شعبي .. او نصف فاخر او فاخر اوسوبر .

فالدعوات في حكومات مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية ، بنيت علي اساس المركسية وتبعتهم الدول التابعة دون وعي ومراعاة للبعد الديني والثقافي لتلك الدول ، فالبناء الذي يصلح لامة لا يعمم علي الامم الاخري .

وفي عقود ، نادي البعض بالقومية الواحدة ، وتحويل البشر جغرافيا وتاريخيا بغض النظر عن اعراقهم ولهجاتهم وتراثهم الثقافي ومذاهبهم ومعتقداتهم الدينية .. فكيف ذلك .؟

وقد راينا ذلك في دول الخليج .

والصومال وموريتانيا والسودان بعمقها الافريقي والقبائلي .. كان صعب عليها ان تنسل بعيدا عن طبيعتها الجغرافية والتاريخية والعرق والجنس واللون وطبيعة العمل والثقافه المتشابهة للعمق الافريقي  

وتحاول دول المغرب العربي لاتصالهم الحضاري بالصحراء وافريقيا وقربهم الثقافي مع اوروبا ، ان يصنعوا نموذجا خاص بهم ، بينما دول الشام مازالت حائرة .. لانتمائهم الاسيوي تارة والاوسطي تارة اخري ، وحضاريا مثل بابل في العراق وامتدادا للاردن وسوريا ولبنان وفلسطين للفينيقية ، نموذجا متأرجح بين حضارات سابقة وعربية وافدة .

وتبقي مصر .. الحائرة .

والذي جمعها جمال حمدان في شخصية مصر ، مصر الفرعونية القبطية الاسلامية الافريقية والاسيوية في نفس الوقت .

وهنا وقفنا .. امام السؤال المحير .. من نحن ؟

وامام هذة المعضلة .. كان لابد من دعاة البناء .. ان يحددوا اولا من نحن ؟

ومن المستهدف ، وما نوع هذا البناء ، وما هو المطلوب تحديدا للخطط الانية والمستقبلية .

لان بناء الانسان المصري مر بعديدمن التجارب في حكومات سابقة وممتدة منذ دعوة محمد علي وطلعت حرب الي الماركسية والاشتراكية والانفتاح والاقتصاد الحر ، وحاليا لا نعرف ماذا نريد ؟

فنحن لا اشتراكين ولا راسماليين ولا ننتمي للاقتصاد الحر ولا للانفتاح الاقتصادي .. نحن بدون بوصلة .

وعندما نحدد بوصلتنا اولا .. نستطيع تحديد الطريق وما نطمح به ان يصل للانسان المصري .. الي مصاف الانسان الالماني او الياباني او الصيني والهندي، ولكن هم سبقوا ونحن سنبتدي ولابد ان ننظر لشعوب قريبة منا وظروفها اشبة بنا ..لاننا كنا قد بدانا مع التجربة الكورية والماليزية والتيوانية والاندنوسية والبرازيلة والتركية كلها ابتدت بتحديد ماتريد .. وبناءا عليه اشركت تلك الحكومات شعوبها في تحمل مراحل البناء بالشفافية والمحاسبة الدقيقة ، ويكون واضحا منذ البداية ، انها لن تؤتي ثمارها الا في الجيل الثاني لو بدات الان .. ستظهر نتائج مرحلة البناء المخطط لها بعدقرابة 20 عاما .

ويكون للقيادة قدر كبير من الشجاعة في تحديد الهدف بوضوح .. وتبدأ للعمل و تحقيقه .

بينما غياب الهدف والرؤيةالتي نراها .. والتي تصل في بعض الاحيان للتفكير اللحظي واليومي في بعض الاحيان .وقد راينا ذلك في التخبط في خطط التعليم علي مدار 60 عاما ولم نصل بعد الي ما هو المستهدف .

قيس علي ذلك الصحة والصناعة والزراعة والثقافة والفن والاعلام وغيرها من الانشطة .. لم يلمس المواطن بالكلمات والمبادرات بل بالانجاز والعمل والبناء الحقيقي في الواقع والشعور بجدوي تلك المشاريع وليس بمبادرات تسعي للتصوير وعندما ينزل ليشتري من السوق اللحوم او الاسماك او الخضروات والبيض والفاكهة يجد عكس كل ما ذكر له عن جدوي تلك المشاريع الاستوديوهاتية والاعلام المضلل .

هو يري ولا ينكر ان هناك طفرة في الطرق والكباري والبناء المعماري والاسكان .

ويتسال هل هذه هي الرؤية فقط .. التي يحاول بعض المسؤلين والاعلام الموجه والرقيب ان يصور للمواطن مشاريع القصد منها ايهام ، كتصويرمسؤل في حقل قمح يمسك سنبلة او مزرعة سمكية يمسك سمكة او تجربة صوبا يمسك فيها ثمرة ، الانسان يحتاج ان يشعر بالمواطنة وينعم بالحرية والتعبير ويشارك في الاباع والتفكير دون واسطة او محسوبية .

فالانثربولوجيا التي تدرس الانسان ،في كل الفروع التي ذكرت سابقا ماذا تري وماذل تسعي اليه ، تركز علي انه يكفي حاجاتة الاساسية من مسكن وماكل وملبس وصحة وتعليم وعقيدة دينية سليمة .وليست الخطبة الموحدة هي التي تحقق ذلك .. مهما قالت طالما رسالة المسجد فقدت اهم عناصرها .

والعقيدة ماهو المستهدف منها سواء في المسجد او الكنيسة ، ان الدين للحياة وعمارتها وحبها ، والانسان مخلوق للعمارة والبناء في الدنيا ، وليترك النعيم لبعد مماته ، لانه يعني القيم والاخلاق والنظام والنظافة وحب الجميع ونبذ الكراهية للاخرين واحترام كافة المعتقدات ، انت لديك دين ..يعني تخليك عن الغش والرشوة والفساد ، لان الهدف الاسمي هو غرس لانتاج انسان ومجتمع متماسك بالتعددية ونبذ المذهبية الطائفية ، لخلق انسان حر في الاختيار لعقيدته وترك الحساب لرب العباد .

ماذا نريد من التعليم وما هو المستهدف منه ، هو نجاح الانسان ليكون صالحا وان يكون انسان اولا نافعا لنفسه ومجتمعه من خلال اي مهنة يتخصص فيها ويتقنها والتخلي عن الغش والفهلوة .

وان يكون لدينا اعلام بكل انواعه ، ايجابيا وكفانا أعلام الخطبة المقررة التي توزع علي كافة القنوات بنفس العناوين بمقدمين يسعون للتقرب من السلطة بالمدح ، فخلقوا فراعين العصر ، مثل خطبة الجمعة الموحدة في كافة المساجد ، وهذا ما يسمي الاعلام الموجه الذي عفي عليه الضهر منذ سقوط الاشتراكية.، وابتعد عن الجمال وعناصر النجاح ، وصدر عديمي الذوق ومعدومي الموهبة ، والفشلة وعديمي الموهبة وصنع منهم نجوم ، وهال علي الحقائق التراب واخفاها .. وحياده اكثر قسوة من انحيازه ، نريد اعلاما شفافا يحمل مشعل التنوير والتثقيف والترفيه وصدق الخبر ونقل الحقيقة دون زيف او بروباجنده وهمية . وان اردت ان تصلح مجتمعا ، فعليك بالفنون والثقافة الهادفة الواقعية لمشاعر وعيشة المواطنين والبعد عن الخيال الذي يقتل الطموح والعمل والاجتهاد والحكي عن وقائع غير موجودة وحقيقية في المجتمع ، بل يتحلي بالتسامح والتعايش بسلام .

لن توجد هذه الصورة الا بعمق ثقافي واعي بالبشر لكافة الافكار المبدعة واشراك المواطنين في صياغة ثقافتهم كل حسب بنيته وقدراته كما هو موجود في اماكن كثيرة ولكن بشكل فردي وليس مؤسسي ، مثل السجاد اليدوي والفخار والاشغال اليدوية ، في البيئات المختلفة الريفية والحضرية والبدوية والسواحلية ، والتعبير بحرية عن ثقافتهم مثل ابناء النوبة والامازيغية في سيوة والبدوية في سيناء ، التي تنمي معني الرجولة والانوثة الصحيحة .

تم ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى