اخبار عربية

بإستخدام التقنيات الحديثة. كيف نحصن أنفسنا من الأخبار الكاذبة؟

جريدة الاضواء

بإستخدام التقنيات الحديثة.
كيف نحصن أنفسنا من الأخبار الكاذبة؟

كتب /أيمن بحر

بحوار مع اللواء رضا يعقوب الخبير الأمنى والحلل السياسى يقول:الأفراد تتجه الى الأسلوب المتطور للحماية من التدخلات فى حياتها الخاصة بإستخدام التقنيات الحديثة.
كيف نحصن أنفسنا من الأخبار الكاذبة؟ تعمل أغلب المؤسسات على مكافحة إنتشار الأخبار الكاذبة، لكن هل من سبيل لوأد الدعاية المضللة فى مهدها؟
لعقود أتاح لنا الطب سبيلاً سهلاً للوقاية من الأمراض عبر التطعيمات، وأغلبنا على دراية بالكيفية التى تعمل بها هذه التطعيمات وذلك عبر تعريض أجسادنا لفيروس ضعيف لمساعدتها على توليد أجسام مضادة له.
وقد إنتشر بين الأطباء فى العالم إستخدام الأمصال والتى كادت أن تنهى تماماً بعض أشد الأمراض فتكاً فى القرن الماضى، ومنها الحصبة وشلل الأطفال.
لكن هل من تطعيمات أخرى يمكن استخدامها خارج دائرة الطب؟
يعكف باحثون مثل ساندر فان ديرليندن الذى يرأس مختبر صناعة القرار الإجتماعى بجامعة كمبردج على تطوير “لقاح” لمكافحة داء إستشرى على الأخص فى القرن الحادى والعشرين، وبات يعرف بـ الأخبار الكاذبة
وقد يثبت هذا الحل نجاحه لأن الدعاية المضللة تتصرف كالفيروسات فالقصص والأخبار الزائفة تنتشر كالنار فى الهشيم وتفوق الأخبار الحقيقة فى سرعة إنتشارها وعمق تأثيرها ومداها منتقلة من عائل لـ آخر عبر تويتر وواتساب وفيسبوك، الذى أصبح منتشراً حتى بين كبار السن، وما يزيد الطين بلة هو أن الخبر الكاذب يستمر قائماً رغم المحاولات العديدة لدحضه.
ويقول فان ديرليندن: الدعاية المضللة تعلق بالشخص رغم محاولات تفنيدها وما إن تترسخ فى ذاكرته الطويلة حتى يتعذر تصحيحها فما الحل؟ أفضل وسيلة هى المبادرة بالقضاء على الأخبار الكاذبة فى مهدها. فبدلاً من الإنتظار حتى شيوع الخبر الكاذب ثم السعى لتصحيحه وتفنيده يلجأ الباحثون لـ”ضربة إستباقية من شأنها وقاية ذهن المتلقى من الخبر الكاذب وهو التوجه الذى أشارت عقود من البحث لفاعليته.
أولا إقترح خبراء النفس هذا النوع من التحصين فى الستينيات خوفاً من الدعاية وغسيل الدماغ إبان الحرب الباردة ولكن التحصين الحديث فى القرن الحادى والعشرين يستهدف أفقاً سياسيا وثقافيا مختلفا ومستقطباً.
تنتشر الأخبار الكاذبة كالفيروسات عبر منصات التواصل الإجتماعى بشكل يفوق الأخبار الحقيقية من حيث سرعة ومدى إنتشارها خذ مثلا التغير المناخى، فقد أجمع أكثر من 97 % من علماء المناخ على أن الإنسان مسئول عن إرتفاع حرارة الكوكب ولكن شرائح واسعة لا تزال تجد صعوبة فى تصديق هذا.
وحين سئل الأمريكيون عن نسبة علماء المناخ الذين يؤكدون حدوث إحترار كوكب الأرض جراء النشاط البشرى، قال 49 % فقط ممن شملهم الإستطلاع إن نسبة هؤلاء العلماء تفوق النصف. ولم يجب الإجابة الصحيحة سوى 15 % من الأمريكين المشاركين في الإستطلاع وقالوا إن النسبة تفوق 91 % من العلماء. وهذا التخبط يُعزى لوجود حملات معقدة تهدف لبث الشكوك بين الناس.
وما إن يترسخ الشك الا ويصعب التخلص منه، ويتسأل فان ديرليندن وزملاؤه عما كان سيحدث لو سبقوا مروجى الأكاذيب الى عقول العامة.
وبحث الفريق عن حملة دعاية فعلية مضللة، وكانت هناك حملة بالفعل سميت بـ عريضة أوريغون أدعت عام 2007 أن أكثر من 31 الف عالم أمريكى أعربوا عن رفضهم لمسئولية البشر عن إحداث التغير المناخى.
أعد الفريق ثلاث وثائق اشتملت أولها على نشرة للحقيقة بأن 97 % من علماء المناخ يتفقون على مسئولية البشر عن التغير المناخ كما أعدوا نشرة مناهضة لعريضة أوريغون كشفت عيوب تلك العريضة – ومنها مثلاً أن الأسماء الـ 31 الفا التى إشتملتها العريضة تضم تشارلز داروين الذى مات منذ أمد طويل وفرقة سبايس غيرلز، وأن أقل من 1% من الموقعين على العريضة من علماء المناخ.
وأخيراً إستطلع الباحثون آراء الفي شخص وسألوهم أولاً عن مدى الإجماع العلمى بشأن التغير المناخى – دون إطلاعهم على أى من الوثيقتين ثم قسموهم الى مجموعة اطلعت على نشرة الحقيقة ومجموعة اطلعت على عريضة أوريغون ومجموعة ثالثة اطلعت على نشرة الحقيقة قبل الاطلاع على العريضة.
وجاءت النتائج مثيرة للإهتمام فحين سئل المشاركون أولاً عن الإجماع العلمى حول التغير المناخى، قدروه فى المتوسط بنحو 72 % ولكن لاحقاً عدّل المشاركون من تقديرهم بناء على ما قرأوه.
وحين اَطْلع الباحثون مجموعة من المشاركين على نشرة الحقيقة” إرتفع التقدير الى 90 %، أما من لم يطلعوا الا على “عريضة أوريغون وحدها فقد تدنى تقديرهم الى 63 %.
تقول دراسة إنه حين أطلع الناس على منشور حقيقى ثم إطلعوا على آخر كاذب تمكن الكاذب من تحييد البيانات الصحيحة بالكامل، وحين قرأت مجموعة ثالثة الوثيقتين – أولاً “نشرة الحقيقة” ثم العريضة – فقد ظل تقديرهم دون تغير عند نسبة 72 %.
يقول فان ديرليندن: “لم أتوقع أن تكون الدعاية المضللة بهذه القوة فقد حيدت تماماً البيانات الصحيحة.
فكيف إذا يمكن الإستعانة بفكرة تحصين الدماغ؟
حين اطلعت مجموعة من المشاركين على نشرة الحقيقة وأخبر أفرادها بأن مجموعات مسيسة قد تعمد لتضليل العامة بشأن قضايا مثل التغير المناخى – وكان إخبارهم هذا بمثابة لقاح لهم – إرتفع متوسط التقدير الى 80 %، حتى بعد الإطلاع على عريضة أوريغون.
وفى بحث منفصل، وجه فريق آخر بقيادة جون كوك سؤالاً مماثلاً وتوصل الى نفس النتيجة وهى أن التحصين من شأنه تمكيننا من التغلب على التضليل.
وقد إعتبرت إيرين نيومان، عالمة الإدراك والمحاضِرة بجامعة أستراليا الوطنية، والتى لم تنخرط فى هذه الدراسات أن نتائجها مثيرة، قائلة: “إنها تحمل توجهاً مختلفا بشكل جذرى بإعتماد ضربة إستباقية يتقدم بها الناس أى أن الشخص الذى إعتاد نشر أخبار عن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى أو عن ترامب أو عن أن الأرض ربما تكون غير كروية سيفكر مرتين قبل أن ينشر أخباره.
عادة ما يعتمد البشر على طرق مختصرة للتفكير فالعالم مليئ بالمعلومات وليس لدى ذهننا ما يكفى من الوقت والسعة لإستيعاب كافة المعلومات، فإذا ما رأيت مثلاً رجلاً علت التجاعيد وجهه وأبيض شعره وأخبرك أحدهم أنه من كبار السن فسوف يقبل عقلك ذلك دون التوقف عند الأمر.
والمنخرطون فى بث الدعايات المضللة يعون ذلك ويستخدمون تلك السمة فى الإنسان لصالحهم، فمثلاً كذب من صاغوا عريضة أوريغون بزعم أن 31 ألف عالم يدعمون زعمهم، إذ يعون أننا نميل للثقة فيمن يوصف بالخبرة.
قبل القبول بخبر يخضعه المتلقى لعدد من المحكات، ومع ذلك كثيراً ما نختصر الطريق دون التثبت من الأمر.
وتقول نيومان وقد شاركت فى كتابة وثيقة عن كيفية التعامل مع المعلومات الكاذبة، “حين تبدو المعلومات سهلة ومباشرة يميل الناس لقبولها كما هى
ولكن قبل القبول بمعلومة ما فإن أغلبنا يخضعها لعدد من التساؤلات من بينها: هل يصدق الآخرون هذا؟ هل من أدلة تدعم هذا الزعم؟ هل تتفق مع معرفتنا السابقة بنفس الشأن؟ وما مدى مصداقية المصدر؟
لكن كثيراً ما نعتمد على إختصار الطرق أكثر من اللآزم عند الإجابة على تلك الأسئلة دون أن نقيم الأمور تقييماً متأنيا كأن نسأل أنفسنا مثلا: كم من هؤلاء علماء بمجال المناخ؟
بل نتعجل بقبول رقم 31 الف عالم لأنه يبدو رقما مطمئنا.
ويصف الخبراء النفسيون هذا السبيل التلقائى للتفكير بـ المنظومة أ وهى ذات نفع هائل للحياة اليومية وإن كانت عرضة بشدة للتضليل ففى ظل بيئة معلومات متسارعة يقفز ذهننا من منشور لآخر على فيسبوك معتمداً على قواعد تلقائية لتقييم العناوين والتعليقات دون التروى لفحصها.
وهنا مرتع الأخبار الكاذبة، لكن الباحثين العاكفين على تطوير “لقاح” ضد الأخبار المضللة يعتقدون أنهم بهذا يتيحون الفرصة للتفكير المتأنى.
ويقول فان ديرليندن إن التحصين يجبر ذهننا على التروى بما يحمله من عنصر التحذير وهنا يبدو مفيدا فهم الكيفية التي يعمل بها اللقاح الطبى. حين نتلقى تطعيما فإننا نعرض أجسامنا لعينة من مرض وكأننا نقول له هذا هو شكل المشتبه به ولكن العينة تكون ضعيفة جداً لدرجة لا تجعلنا نمرض فعلاً، ولكنها أيضا من القوة بحيث تثير مناعتنا حتى تفرز أجسامنا ما لديها من دفاعات؛ أو أجسام مضادة.
وحين نصادف المرض الحقيقى تتعرف أجسامنا عليه من العينة السابقة التى دخلت أجسادنا من خلال اللقاح وتكون على أهبة المواجهة.
وتعتمد دراسة فان ديرليندن على أمر مشابه، فحين أخبر فريقه المشاركين أن آخرين قد يسعون لتضليلهم جعلوهم لا يقبلون عريضة أوريغون بغض النظر عن مضمونها إذ قاموا بتعطيل المنظومة أ لديهم ليلجأوا إلى منظومة أخرى أبطأ وأعمق من التفكير يطلق عليها الخبراء النفسيون “المنظومة ب فالذين قرأوا نشرة الحقيقة وعريضة أوريغون وقدروا إجماع العلماء بنحو 72 % ربما ا عتمدوا أكثر على المنظومة أ الأسرع والأكثر سطحية، ولكن حين حُفزت أذهانهم بـ اللقاح لجأوا إلى المنظومة ب لكن ثمة مكمن ضعف كبير فى هذا التوجه وهو أنه يستهلك الكثير من الوقت والجهد لتحصين الناس حالة بعد حالة. رغم نجاحة أسلوب التحصين الا أنه يستغرق وقتا وجهدا كثيرا لتعميمه
دعونا نستخدم تشبيه اللقاح لأبعد من هذا: إن التطعيم ضد الحصبة الألمانية لن يقينا من الإصابة بالحصبة أو قل الكبد الوبائى، إذ سيخلق أجساماً مضادة ضد فيروس الحصبة الألمانية وحده. وكذلك دحض أفكار منكرى التغير المناخى لن يقيك بالضرورة من الأخبار الكاذبة فى موضوعات أخرى.
ويقول رون روزنبيك المنضم الى فريق فان ديرليندن عام 2016: هناك ملايين القضايا التى يمكن تضليل الناس بشأنها وليس بالإمكان تفنيد كل خبر تفنيداً مسبقاً إذ لا سبيل لمعرفة من أين تأتى الكذبة المقبلة
والمشكلة الأخرى هى أن الناس لا يحبون أن يخبرهم أحد بما هو صحيح وما هو خطأ، فنحن نظن عادة أننا نعرف أفضل من غيرنا. ولهذا ينصح خبراء التربية المعلمين بإشراك الطلاب بشكل نشط فى العملية التعليمية.
ولذا، عاد خبراء كمبريدج الى مختبرهم للخروج بفكرة جديدة. ويقول فان ديرليندن: “فكرنا فى تعليم الناس الأساليب التى تستخدمها صناعة الأخبار الكاذبة، فليس من سبيل أفضل لإعدادهم اليس كذلك؟
وكانت النتيجة لعبة مثل خلالها المشاركون دوراً من أربعة أدوار منها دور المكدر للصفو بنشر أخبار مفزعة ومبالغ فيها ودور محترف الإثارة الذى يلجأ لوسائل تجعل القارئ يهرول للضغط وقراءة الخبر وكان التركيز في اللعبة على إستراتيجيات الأخبار الكاذبة وليس الموضوعات.
وجربت اللعبة بنجاح فى صف بالدراسة الثانوية فى هولندا، ومن ثم نقلها الخبراء الى الإنترنت. وتستغرق العملية على الإنترنت أقل من 15 دقيقة – ولكنها خبرة لا تصدق تعتمد على إطلاق موقع أخبار تكون أنت محرره لخبر كاذب وشراء جيش من الحسابات الوهمية على تويتر وتوجيه متابعيك بعيدًا عن أى جهة قد تساعدهم فى التثبت من الحقائق. وقد جربتها وتجاوز متابعى سبعة آلاف حتى شعرت بالخوف من إدمان اللعبة! وخلال اللعبة تتعرف على ستة أساليب مختلفة يستخدمها أقطاب الأخبار الكاذبة، وهى التقمص، والإستغلال العاطفى والإستقطاب والمؤامرة والتكذيب والإثارة. والهدف هو كشف تلك الوسائل في الحقيقة أو هكذا يأمل المرء! ثمة لعبة على الإنترنت لإدراك أساليب صناع الأكاذيب، ومنها التقمص والإستغلال العاطفي والاستقطاب والمؤامرة والتكذيب والإثارة
وقد يبدو غريباً أن تعلِّم الأشخاص رفض الأخبار الكاذبة بأن تجعلهم يحتلون هم أنفسهم موقع مروجى تلك الأخبار، لكن الباحث روزنبيك يثق بتجربته ويجدها ممتعة ومقلقة بعض الشئ! ويقول روزنبيك وهو باحث بمرحلة الدكتوراة: حتى بعد التطعيم الطبى يشعر المرء بنوع من الغثيان ويعتل بعض الشئ، ولكن الأمر يفيده لاحقاً
وقد صاغ الباحثان روزنبيك وفان ديرليندن ورقة بحثية تضم ما خلص اليه 20 الف لاعب وافقوا على المشاركة ببيناتهم لغرض الدراسة، ورغم أن البحث لم ينشر الا أنهما يعتقدان أن النتائج مشجعة.
وهناك نسخة أصغر من اللعبة معروضة لبعض الوقت بمتحف لندن للتصميمات يمكن للوافد أن يلعب خلالها دور مروج أخبار كاذبة فى بريطانيا فى حقبة ما بعد التصويت بالخروج من الإتحاد الأوروبى.
ولشدة ولع فريق كمبريدج بتشبيه التطعيم، يتحدث أفراده الآن عن ترجمة اللعبة لاثنتى عشرة لغة، ويتوقع فان ديرليندن أن تعم الوقاية على الإنترنت لو تشارك الناس بالأمر بما يكفى. ويتحدث روزنبيك عن الأمل فى الوصول لى مناعة عامة لعدم تركيز اللعبة على قضية بعينها ولكن على الإستخدام العام للأخبار الكاذبة. وفى النهاية، الوقت وحده كفيل بإثبات نجاح الفكرة من عدمه ولا يعرف الخبراء حتى متى يعطى التحصين مناعة، فالتضليل مثله مثل الفيروس يتحور بإستمرار ويتكيف مع المتغيرات. وتقول نيومان: لو تغير الفيروس هل سيستمر الناس فى الوقاية منه؟ متسائلة عما إذا كانت اللعبة ستنجح مع الطبيعة المتغيرة بإستمرار للإثارة والأكاذيب على الانترنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى