غير مصنف

أين المؤامرة ؟

جريدة الاضواء

أين المؤامرة ؟
كتب / يوسف المقوسي
أبحث عن المؤامرة ولا أجدها. بالمؤامرة نتنصل من المسؤولية. ما يحدث في فلسطين ليس نتاج مؤامرة أو مؤامرات. ما يحدث هو سياسات معلنة، مزمنة، وفاتكة.

الساحات الفلسطينية مفتوحة أبوابها على الدول كافة. كل فريق يرحب بمرجعيته الخارجية. ليس سراً أبداً ما يقدم عليه الفرقاء في فلسطين , رجاء، إمحوا لفظة السيادة. السيادة في فلسطين ، فضيحة. كلهم هنا، أو عبروا من هنا. الآخرون “الغرباء” يقيمون في فلسطين ويتقنون الاقناع بالإملاء والإغراء. وإلا.. فالعقوبات. ليس سراً أبداً ما يقوم به السفير القطري. البلد مفتوحة ذراعاه لاستقباله والاسترشاد بنصائحه وسماع كلمته. إنه هنا وهناك وفي كل مكان. حتى في القرى النائية وصولاً إلى الوزارات هذا كله معلن. معروض على الشاشات والذين يزورهم ينفشون بريشهم ويصرحون بما يرضي البيت القطري.. وهذا ليس جديداً بالمرة. ففلسطين وقطر أصبحا تؤامان.

من الأفضل أن لا ننسى أبداً الذين يقومون بالواجب.

ما أريد أن أؤكد عليه، أن ليس في فلسطين مؤامرة. بل سياسات معلنة، واضحة، ومُعبّر عنها، إنتماءً وخدمة وأغراضاً.

ولنفترض أن هناك إصراراً من قبل المتنازعين، المتحدين حتماً في مؤسسات السلطة ، ولكل منهم حصته المصانة، على إلصاق تهمة “العمالة” للأجنبي الدولي والإقليمي، فهل لدى المَّدعين وثائق تؤكد وجود مؤامرة، أو مؤامرات خارجية على فلسطين . ونستطرد عائدين إلى صلب المشكلة التي لا حل لها راهناً أبداً. نسأل: هل فعلاً هناك مؤامرة على فلسطين وعلى المقاومة.. وهل صحيح أن المقاومة هي لخدمة أهداف خارجية توسعية في المنطقة وبالتالي السيطرة على فلسطين وإدارتها من بعيد بواسطة حماس، أي هل هناك مؤامرة قطرية تركية سرية أو مُلوَّح بها؟

إذا كان هناك مؤامرات فأين الأدلة؟ أين الوثائق؟ أين التسجيلات؟ أين التسريبات؟ أين الشهود؟ (لا شهود الزور طبعاً!). ما حصل وما حدث في فلسطين ليس نتيجة مؤامرات، بل هو ترجمة لسياسات معلنة، واضحة، بينة، مكشوفة، مفهومة، مقروءة، طبيعية، وهي من طبيعة الاجتماع الفلسطيني، ولا أحد يخجل بارتباطاته. لا الفريق الاميركي الغربي الخليجي، ولا الفريق الذي يتطابق مع سياسات إيران الداخلية والخارجية.. كل شيء معلن وتصدح به وسائل التواصل والشاشات والصحف. فلسطين من زمان “حيطها واطي” وليس هناك من يقول إننا من جماعة “ما شفش حد يخش البلد دا”.

القوى السياسية لا تخجل أبداً بارتباطاتها. وهي تُعبّر عن نفسها كذلك، وتقوم بسياساتها على رؤوس الاشهاد. فلا مؤامرة ولا من يحزنون. المؤامرة الوحيدة السرية في تاريخنا كانت: سايكس بيكو. حتى وعد بلفور لم يكن مؤامرة. كان سياسة معلنة.

القوى السياسية المتنازعة في فلسطين تُعبّر عن نفسها سياسياً وتنظيمياً على رؤوس الأشهاد. لا أسرار عندنا. نحن سوق نبيع ونشتري بصوت مرتفع وبنقد معروف. فلسطين ليست سراً. كل ما فيها علني. على عكس الدول العربية التي تمارس سياسة الكتمان، بقمع وشراسة وتحايل. في الدول العربية وبعض الإقليم أنظمة تفرض سياستها بالقوة، وتمارس الخفية. أما في فلسطين ، فالسياسة ترجمة لكيانات اجتماعية – سياسية، وتعلن بمواقفها المتحزبة والمرتبطة من دون مواربة. وهي أمينة جداً لأصولها التاريخية والتنظيمية . السياسة في فلسطين تشبه التجارة. الأكثرية في فلسطين من حفدة الكنعانيين الذين تاجروا وانتشروا.

إذاً ماذا؟ إن الانقسامات الفلسطينية تم تنظيمها عبر منهج التسوية. ثم التوافق الرجراج على تركيبة النظام، والسلطة فيه، وعلى كيفية ممارسة السياسة والحصص المبرمة لكل طرف، من دون حرج ديموقراطي أبداً. الديموقراطية ليست غشاء بكارة، بل هي طوع الشهوات التنظيمية الجيّاشة دائماً، والتي تستطيع العبور من الفراش الفلسطيني الضيق، إلى رحاب الفراش الإقليمي والدولي.. فلسطين بلد عابر للحدود. وهو بلا حدود. حدوده مرسومة على الخرائط، أما على الأرض، فالعبور سهل جداً.

في قراءة سريعة لتاريخ الأزمات في فلسطين . لا نجد نزاعاً أدى إلى ارتكاب العنف، لأسباب داخلية. من المؤكد جداً، أن نزاعات فلسطين الدموية، لم تكن مرة لأسباب داخلية أبداً. الداخل منضبط بالتسوية والتوازن والمحاصصة ومعالجة القضايا بالتي هي أحسن. مصائب فلسطين وسفك الدماء، بدأ مع انقسام الفلسطينيين حول مشروع ألدولار وطموحات الإخوة الأعداء. دفع الفلسطينيون الثمن. انتهت الفتنة بقرار قطري – مصري. هنا توقف القتال.

أخيراً، نصل إلى ما نحن عليه الآن: هل هناك مؤامرة على سلاح المقاومة؟ أؤكد بالحبر الصافي، أن ما يحصل ليس نتيجة مؤامرة أميركية – صهيونية أبداً. إنها سياسات معلنة ومؤكدة ومكشوفة. إنها نتاج مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية معاً.. الداخل منقسم من زمان، حول كل القضايا الإقليمية والداخلية لا جديد في ذلك. هناك من يريد التنصل من فلسطين كلياً، منذ الخمسينيات، وهناك من وقف . فلسطين لا تعنيهم كثيراً. مواقف أكثريتهم رخوة ولا تكتم رغبتها بالتطبيع.

إنها سياسات معلنة وطبيعية. هذا هو فلسطينكم الداشر بين العواصم، من تركيا … قطر… إلى طهران.
أي جحيم هذا “الوطن”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى