مقال

فى طريق الاسلام ومع نبى الله زكريا ” الجزء الثانى “

فى طريق الاسلام ومع نبى الله زكريا ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله زكريا عليه السلام، وكما جاء في سورة الأنبياء قال الله تعالى عن زكريا عليه السلام ” وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين ” ثم جاءت البِشارة الإلهية عن طريق الملائكة تبشر زكريا بإجابة دعائه حيث يقول الله تعالى ” يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ” وكان هذا المشهد من حياة نبي الله زكريا عليه السلام الذي خلده القرآن الكريم تأكيدا على أن قدرة الله تعالى لا تقاس بالأسباب، ولا تفرضها القوانين، وإن أمر الله تعالى لا يحتاج إلى توفّر مقدمات ومتطلبات، وهكذا فقد كان نبي الله زكريا عليه السلام نجارا، يقوم بنشارة الخشب وعملها، فقد ورد عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال “كان زكرياء نجارا” حيث كان يكسب قوته بعمل يده، وهذا هو سلوك أنبياء الله ورسله، وفي ذلك دلالة هامة على أن العمل واحتراف المهن لا ينقص أحدا، و تأكيدا على ذلك كان زكريا يعمل و يأخذ الأجرة في المقابل، فهو أفضل من سؤال الناس، فالعمل من الأخلاق العظيمة التي تقترن بها العفة والرفعة عن الخضوع والذل للغير، فيكون قوت اليوم من عمل اليد وكسبها، ومن الجدير بالذكر أن النبي زكريا عليه السلام هو زوج خالة مريم بنت عمران، وقد كفلها بعد وفاة والدها وهي صغيرة، في حين كان الله عز وجل كافلها ورازقها وهي المباركة العظيمة.
فكان كلما دخل عليها المحراب يجد عندها الطعام الكثير، فيسألها من أين لك هذا الطعام، فترد عليه قائلة أنه من عند الله، وقبيل ميلاد السيد المسيح عيسى عليه السلام، كان زكريا من كبار الربانيين الذين كانوا يخدمون الهيكل، وكان عمران والد السيدة مريم، إمامهم ورئيسهم، والكاهن الأكبر فيهم، كما كانت حنة زوجته، خالة إليصابات زوجة زكريا، وقد استجاب الله لدعاء عمران وحنة، بعد أن لبثت حنة عاقرا ثلاثين سنة، فحملت ونذرت أن تهب ولدها لخدمة بيت المقدس، وكانت ترجو أن يكون ذكرا، إلا أنها رزقت بطفلة سمتها مريم، وحملتها وقدمتها إلى بيت المقدس، ودفعتها إلى العباد والربانيين فيه، تنفيذا لنذرها، وكان هذا من أحكام الشريعة اليهودية، وتنافسوا في كفالتها، لأنها ابنة رئيسهم وكاهنهم الأكبر، ويعتقد أن عمران أباها قد توفي في هذه الأثناء، وأصر زكريا، على أن يكفلها هو، وحصل الخصام بينهم أيهم يكفل مريم، فلجأوا إلى القرعة، فكانت كفالتها من حظ زكريا عليه السلام، وقد نشأت السيدة مريم نشأة دينية، وتفرغت للعبادة، فكان زكريا يجد عندها رزقا من رزق الله لم يأتها به، وفي غير وقته، وهذا من إكرام الله لها، عندئذ، وقع حب الذرية في قلب زكريا، وتمنى أن يهبه الله ولدا ذكرا يرث الشريعة عنه وعن العلماء الصالحين من آل يعقوب، وخشي أن يتولى أمر الرئاسة الدينية في بني إسرائيل موالي من الجهلة والفساق والمتلاعبين بالدين.
هنالك دعا زكريا ربه، بأن يرزقه بغلام، فاستجاب الله له وبشرته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى، وأنه سيكون من الأنبياء الصالحين، وقد ورد في وفاة نبي الله زكريا عليه السلام، روايتان، كلتاهما تلخص بأن نبى الله زكريا عليه السلام قد قتل على يد أفجر الخلق من بني إسرائيل، فإنهم من عادتهم قتل الأنبياء كما قال الله تعالى في كتابه الكريم، وأولى الروايتين أنه لما شاع خبر ولادة مريم عليها السلام ادعى أناس من بني إسرائيل أن زكريا عليه السلام أوقعها في الفاحشة، فأقبلوا إليه، فقتلوه على ذلك ظلما، حيث نشروه بالمنشار، وأما الرواية الثانية فهي أنه لما قتل نبي الله يحيى عليه السلام، أرسل الملك هيرودس وهو قاتله من يبحث عن زكريا عليه السلام، فاختفى زكريا عليه السلام، عن الانظار، حتى نادته شجرة بإذن الله أن يدخل إلى داخلها، فانشقت، ودخل فيها، فعرف بذلك الشيطان، فأخذ شيئا من لباس زكريا، وذهب إلى القوم يدلهم مكانه، فأخبرهم بمكانه داخل الشجرة، وهو يملك الدليل، وهو شيء من ملابس زكريا عليه السلام، فأقبل القوم يقطعون الشجرة، ويضربونها بفؤوسهم، حتى قتل زكريا عليه السلام، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به رأى نبى الله زكريا عليه السلام في السماء، فسلم عليه وقال له “يا أبا يحيى أخبرني عن قتلك كيف كان، ولم قتلك بنو إسرائيل؟”
قال “يا محمد أخبرك أن يحيى بن زكريا كان خير أهل زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجها، وكان كما قال الله تعالى ” وسيدا وحصورا” وكان لا يحتاج إلى النساء، فهوته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بغية، فأرسلت إليه وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها، فأجمعت على قتل يحيى بن زكريا، ولهم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب” قال “فخرج الملك إلى العيد فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجبا، ولم تكن تفعله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك سليني فما سألتني شيئا إلا أعطيتك، قالت أريد دم يحيى بن زكريا، قال لها سليني غيره، قالت هو ذاك، قال هو لك” قال ” فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي، وأنا إلى جانبه أصلي، قال فذبح في طشت وحمل رأسه ودمه إليها” قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “فما بلغ من صبرك؟” قال “ما انفتلت من صلاتي” قال ” فلما حمل رأسه إليها، فوضع بين يديها، فلما أمسوا خسف الله بالملك، وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل قد غضب إله زكريا لزكريا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا” قال “فخرجوا في طلبي ليقتلوني، وجاءني النذير فهربت منهم، وإبليس أمامهم يدلهم علي، فلما تخوفت أن لا أعجزهم، عرضت لي شجرة فنادتني وقالت إليّ إليّ، وانصدعت لي ودخلت فيها” قال “وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي.
والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس أما رأيتموه دخل هذه الشجرة، هذا طرف ردائه دخلها بسحره، فقالوا نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس شقوه بالمنشار شقا” قال “فشققت مع الشجرة بالمنشار” قال له النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “هل وجدت له مسا أو وجعا؟” قال “لا، إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها” ولكن قيل أن هذا سياق غريب جدا، وحديث عجيب، ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر نبى الله زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث، وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء “فمررت بابني الخالة يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وهما ابنا الخالة” فجاء على قول الجمهور كما هو ظاهر الحديث، فإن أم يحيى أشياع بنت عمران، أخت مريم بنت عمران، وقيل بل أشياع وهي امرأة زكريا أم يحيى، وهي أخت حنة امرأة عمران أم مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم، فالله أعلم، فلما ذكرت قصة امرأة عمران مع ابنتها مريم، وكيف أن الله عز وجل كان يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء كرامة من الله لهذه المرأة العابدة، الزاهدة، الورعة، التقية، النقية، التي كانت تسجد وتركع وتقوم لله رب العالمين، لما رأى زكريا عليها السلام حالها طمع حينئذ في الولد، طمع أن يكون له ولد صالح.
لما رأى صلاح هذه البنت طمع أن يكون له ولد، وكان شيخا كبيرا قد وهن عظمه، واشتعل رأسه شيبا، وكانت امرأته عاقرا لا تلد، ومع كل هذه الأسباب المانعة من الولد فإنه لم ييئس من رحمة الله، وكان قوي اليقين بالله تعالى ودعا ربه، وقال ” رب هب لى من لدنك ذرية طيبة ” ومعنى من لدنك أى من عندك، وإذا وهب الله تعالى من عنده شخصا ذرية طيبة، وولدا صالحا، فأنعم وأكرم به، ” إنك سميع الدعاء ” وهذه يدل على ثقته بالله، وبالرغم من ضعف الأسباب أنه شيخ كبير في السن، وبالرغم من أن زوجته عاقر لا تلد، وبالرغم من أن رأسه قد اشتعل شيبا، ولكنه مع ذلك دعا ربه دعاء الموقن بالله” إذ نادى ربه نداء خفيا، قال ب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ” وقد وهن العظم وضعف، وهذا ضعف الباطن العظم من الداخل، وأما الظاهر قال واشتعل الرأس شيبا، فهذا ضعف الظاهر، لأن الشيب دليل الكبر والضعف، وهو رسول الموت ورائده ونذيره، ولذلك قال عدد من المفسرين في قوله تعالى كما جاء فى سورة فاطر ” وجاءكم النذير ” وهو يعني الشيب، وهذا السؤال من زكريا لله تعالى بهذه الطريقة، وأن هذه سؤال الله بضعف الحال، والله يحب هذا، يحب أن العبد يسأله بضعف، يعني لو واحد قال اللهم إني أسألك بقوتك، وأشكو إليك ضعفي، قال ” أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي ” رواه البخاري، فيسأل الله يشكو إليه حاله.
وإن الله يحب من العبد أن يشكو إليه حاله، أثناء الدعاء يقول هذه حالي، وهذا ضعفي، وهذا فقري، ونبى الله موسى عليه السلام قال ” رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ” أى أنا محتاج إلى خيرك يا رب، وأنا محتاج إلى رحمتك، أنا محتاج إليك، فإذا يسأل غنى ربه ويشكو ضعفه إليه، فإن الله يحب هذه الحال من العبد الله، يحب من العبد أن يتبرأ من حوله وقوته، وأن يثق بحول الله وقوته، فيقول أبرأ إليك من حولي وقوتي، لا أتكل إلا عليك، أعوذ بك من أن تكلني إلى نفسي، فإنه سبحانه وتعالى يحب أن يتوسل إليه عبده بضعفه وعجزه وافتقاره إليه، ونبى الله موسى عليه السلام قال ” رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ” وقال نبى الله زكريا عليه السلام “ولم أكن بدعائك رب شقيا ” وإن هنا المعنى متقارب، لم تكن يا رب تردني خائبا، ولا محروما من الإجابة، بل لم تزل بي حفيا، ولدعائي مجيبا، وألطافك تتوالى علي، وإحسانك يصل إليّ، وهذا توسل إلى الله بإنعامه علي، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن إليه سابقا أن يتمم إحسانه عليه لاحقا، وجمع بين نوعين من التوسل، وهما التوسل إلى الله ببيان حال الضعف والعجز، والتوسل إلى الله بأفعال الله وصفاته سبحانه وتفضله، وإنعامه، وشكى حاله، وقال ” وإنى خفت الموالى من ورائى ” أى بمعنى خفت من يتولى بعدي على بني إسرائيل، ألا يقوم بدينك حق القيام، وألا يدعو عبادك إليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى