مقال

فى طريق الإسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الثانى “

فى طريق الإسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الثانى “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع تنظيم وتحديد النسل، وقد توقفنا فى الحديث مع السيده خديجه بن خويلد، فالسيدة خديجه رضي الله عنها وأرضاها كان يذكرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعد موتها ويثني عليها خيرا، ويكرم عجوزا كبيرة كانت تأتيه زمن خديجة، فلما سئل عن ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم “إن حسن العهد من الإيمان” رواه الحاكم، وأما عن موضوع تحديد النسل، فإنه لم تخل المجالس الفكرية والدينية أو الجلسات الشعبية من الجدل الكبير الذي يتمحور حول موضوع تحديد النسل، حيث تحكم المجتمعات العديد من النظم والاتجاهات الفكرية التي تؤثر وبشكل كبير جدا على آراء أبناء هذه المجتمعات وتجعلهم تابعين لفئة معينة من الناس بأسماء كثيرة لا مجال للتفصيل فيها أو سبر أغوارها والوصول إلى منابعها الآن، إلا أنه من الواضح أن هناك فريقين من الناس فالبعض يرى أن تحديد النسل هو أمر منفصل تماما عن تنظيم النسل، فيما يرى البعض الآخر أنهما يؤديان نفس المعنى، فالقسم الأول يرى أن تحديد النسل يعني منع الحمل نهائيا وتحديده بعدد معين من مرات الإنجاب، فيما يعني تنظيم النسل وهذا بحسب وجهة نظرهم، أو عدم منع إنجاب الأطفال منعا نهائيا ولكن تنظيم عملية الإنجاب والإنجاب بفترات متباعدة، أما القسم الآخر فيرى أن التنظيم والمنع كلاهما واحد وهما يفيدان إما منع عملية الحمل والإنجاب منعا نهائيا أو تنظيم عملية الإنجاب بحيث يتم الفصل بفترة زمنية جيدة بين الأطفال.

ولكن الأمر الذي لا جدال فيه هو أنه وبغض النظر عن معمعة التسميات ومتاهتها فإن الأمر الذي لا جدال فيه هو وجود الوسائل التي يمكنها أن تمنع الحمل وأيضا وجود الوسائل التي تنظم عملية الحمل ومن ثم عملية الإنجاب، وتتنوع طرق تحديد النسل إما بالمنع أو بالتنظيم، فلتنظيم النسل هناك العديد من الوسائل التي يمكن بواسطتها أن تتم عملية المباعدة بين الأحمال، فقد يلجأ الأبوان حتى ينظموا عملية التناسل والإنجاب إلى العديد من الوسائل والتي من أبرزها وسيلة العزل أثناء ممارسة العملية الجنسية أو الامتناع عن ممارسة العملية الجنسية ومن الطرق أيضا استعمال الواقي الذكري في أثناء الممارسة الجنسية أو استعمال طرق أخرى مثل اللولب وحبوب منع الحمل، أما لمنع الحمل وبشكل نهائي فقد تلجأ المرأة إلى وسيلة ربط قناة فالوب، فالربط يمنع وبشكل نهائي عملية الحمل، بحيث تحد هذه الطريقة من التقاء البويضات التي ينتجها جسم المرأة بالحيوانات المنوية والتي تأتي من الرجل، مما يؤدي وبعد فترة إلى تحلل البويضة في جسد المرأة ومن ثم امتصاصها من قبل جسمها وهذه الوسيلة تلاقي المعارضة الأكبر من بين كافة الوسائل الأخرى، نظرا لأنها تمنع الحمل بشكل نهائي، وقد تنوعت آراء الناس على اختلاف مللهم واتجاهاتهم الفكرية ما بين تحريم وربما تجريم اللجوء إلى مثل هذه الوسائل، وقد قابل أتباع الأديان اتباع هذا السلوك واستخدام مثل هذه الوسائل بالرفض في غالب الأوقات.

فمثلا رفض أتباع الكنيسة الكاثوليكية وأتباع الشريعة الإسلاميه هذه الوسائل أو اللجوء إليها في الأحوال الطبيعية إلا إن كانت هناك دوافع حقيقية أو أسباب خطيرة ووجيهة تستدعي اللجوء إلى مثل هذه الوسائل فعلماء المسلمين تحديدا قالوا أن التحديد هو المنع النهائي وهذا مرفوض في حين قالوا أن التنظيم هو الفصل بين الأحمال وهو جائز إن كان لأسباب ضرورية كما ذكرنا، أما أتباع المذهب البروتستانتي فقد كانوا متساهلين إلى حد ما في بعض الأحيان ورافضين لها في أحايين أخرى كثيرة، وهناك أتباع ديانات أخرى رفضت تماما هذه الوسائل فيما تساهل بعض أتباع الديانات الأخرى في هذا الموضوع، ولكن المتساهلين أكدوا على ضرورة عدم المساس بحياة الجنين بعد ثبوت الحمل والتأكد منه عن طريق الإجهاض مثلا، فهذا فيه امتهان للحياة الإنسانية وهو عمل غير أخلاقي، وقد انطلق أتباع الديانات في رفضهم لهذه الوسائل من منطلقين أساسيين جمعهم جميعا، الأول أن تحديد النسل فيه إهانة لحياة الإنسان، فقد أكدوا على ضرورة أن تبقى العملية الجنسية بين الرجل والمرأة مدخلا وبوابة لاستمرار الحياة على وجه الأرض، في حين كان منطلقهم الثاني أن هذه الأديان تحتاج للبقاء نسلا كثيرا، ومن هنا فقد واظب أتباع الديانات على تنبيه الناس وتحذيرهم من استخدام مثل هذه الوسائل، وإن أخذنا أتباع الديانة الإسلامية كحالة منفردة، نجد أنهم وبالإضافة إلى الأسباب سابقة الذكر.

فقد انفردوا بأسباب أخرى من أبرزها أن تنظيم النسل أو تحديده قد يكون بسبب الخوف من الرزق وهذا سبب لهم أرقا كبيرا جعلهم يفرقون بين تحديد النسل خوفا على الرزق وبين تنظيم النسل خوفا على الصحة، فحرّموا تحديد النسل بسبب الخوف من الفقر وأباحوا تنظيم النسل بسبب الخوف على الصحة أو لأية أسباب أخرى ، والسبب الثاني أن التحريض على استخدام مثل هذه الوسائل ما هو إلا ضربة للإسلام من أعداء الأمة، لأنه يهدف إلى تقليل أعداد المسلمين حول العالم، وفي الحقيقة فهذا السبب واه جدا لسبب بسيط وهو أن وسائل تنظيم النسل مستخدمة في كافة أنحاء العالم وتستهدف كافة البشر على اختلاف أنواعهم وأجناسهم وصفاتهم وأفكارهم ومللهم، فلو قالوا على الأقل أن السبب الرئيسي للترويج لهذه الوسائل هو زيادة أرباح الشركات التي تنتجها لربما كان ذلك أفضل، أما السبب الأول وهو الخوف على الرزق فيقودنا إلى المحور التالي رأي جميل في مسألة تحديد النسل بسبب الخوف من الفقر، وإن معنى النسل في اللغة هو الولد، ومعنى وتناسلوا، أى توالدوا، ويراد به في الشرع الولد والذرية التي تعقب الآباء وتخلفهم، وحفظ النوع الإنساني على الأرض بواسطة التناسل لذا جعل الله تعالى الزواج سنة في عباده، وآية من آياته العظيمة الدالة على عظمته، وقد وضع الله تعالى في الذكر والأنثى دوافع طبيعية ونوازع فطرية تكفل للنوع الإنساني البقاء والاستمرار، منذ عهد آدم وحواء إلى وقتنا الحاضر.

بل إلى أن يأذن الله سبحانه بفناء العالم، ويرث الأرض ومن عليها، وعزز تلك الدوافع والنوازع بضوابط وقواعد تكفل للنسل أحسن السبل، وأسلم الطرق، وأكرمها في الوجود والاستمرار، وإن حب البقاء، والشوق إلى دوام الحياة فطرة بشرية تجعل النفوس نزاعة إلى الخلف لأنها ترى فيه امتدادا لحياتها، وقد كفلت الشريعة الإسلامية حفظ النسل، وجعلت حفظ النسل مقصدا من مقاصدها التي يُراد تحقيقها بتطبيقها، إذ أن حفظ النسل قد أحيط بسياج من تشريعات متعددة ومتنوعة، تقصد جميعها إلى تحقيق هذا المقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، أما عن ترتيبه في جملة المقاصد، فهو يمثل المقصد الرابع بعد حفظ الدين والنفس والعقل، وبذلك يحتل درجة رفيعة ومنزلة متقدمة حيث إن حفظ الدين هو المقصد الأول الذي من أجله خلق الله الخلق، ثم حفظ النفس وهي الوعاء، ثم حفظ العقل، وهو جزء لا يتجزأ عن النفس، ثم حفظ النسل، وهو نتاج المقصد الثاني والثالث، فبدون تحقق هذين المقصدين لا يمكن بأي حال تحقيق مقصد حفظ النفس، وإن الإسلام حرص كل الحرص على الإنسان، ذلك الكائن الكريم على الله تعالى، الذي خلقه وكرمه، وأودع فيه من آياته، ومن أجله خلق الكونَ وما فيه وسخره له، لذا قدمته الشريعة الإسلامية الإلهية على الماديات، فكانت المقاصد الأربعة، وآخرها حفظ النسل متمركزة حول الإنسان، ثم جاء مقصد حفظ المال وما في معناه من الممتلكات المختلفة تاليا.

وهكذا يتقدم مقصد حفظ النسل على المادة والمال، فتتضح مكانته وتبرز أهميته في الشريعة الإسلامية، وإن من أجل تحقيق هذا المقصد العظيم، لقد شرع الإسلام المبادئ والتشريعات لهذا الموضوع ومنها الوسيلة الأولى وهى الإيجاد وتحقيق المصالح، فحفظ النسل في الشريعة الإسلامية مرتبط بقضية جوهرية وأساسية، وهي قضية وجود هذا النسل، حيث وضعت الشريعة الإسلامية منهجا واضحا ومحددا، يتمثل في نظام النكاح الإسلامي، ليكون الطريق الشرعي الوحيد الذي يوجد منه النسل، وهذا المنهج يتضمن عدة محاور، وهي مشروعية النّكاح حيث شرع الإسلام النكاح، ورغب فيه، واعتبره الطريق الفطري النظيف، الذي يلتقي فيه الرجل بالمرأة، لا بدوافع غريزية محضة، ولكن بالإضافة إلى تلك الدوافع، يلتقيان من أجل تحقيق هدف سام نبيل، وهو حفظ النوع الإنساني، وابتغاء الذرية الصالحة التي تعمر العالم، وتبني الحياة الإنسانية، وتتسلم أعباء الخلافة في الأرض، لتسلمها إلى من يخلف بعدها حتى يستمر العطاء الإنساني، وتزدهر الحضارة الإنسانية، في ظل المبادئ النبيلة، والقيم الفاضلة، وإن النكاح هو عقد الزواج الذى يحل به الوطء وقد اتفق العلماء على أن النكاح في حالة التوقان والخوف من الوقوع في الحرام واجب، وأما في حالة الاعتدال فقال الجمهور بأنه مندوب وكذلك فإن الزواج له مقصد أصلي، ومقاصد أخرى تبعية مكملة للمقصد الأصلي، وهو المحافظة على النسل.

وحفظه من الانقطاع، وأن الله تعالى خلق الشهوة في الرجل والمرأة كقوة دافعة، وقاهرة في كلا الطرفين كي تكون سببا تجعل كلا منهما يتطلع إلى لقاء الآخر بوازع طبيعي قاهر، ولا يختلف عن وازع الأكل والشرب إلا بالاعتبار، والمصلحة الأصلية لمشروعية الزواج هي المحافظة على النسل إيجادا وإبقاء، لذا أجمع العلماء على أن المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية الخمسة، وعلى هذا فإن فكرة تحديد النسل، ومحاربة تعدد الزوجات، تناقض قصد الشارع الحكيم إن كانت مبدأ عاما لحياة الأمة الإسلامية، وأما في حالة الضرورة الخاصة فإن ذلك يُقدّر بقدرها، ويخضع لأحكامها، وأن هناك فارق كبير بين تنظيم الحمل ومنع الحمل، فإن تنظيم الحمل هو قيام الزوجين بالتراضي بينهما باستعمال وسائل معروفة ومشروعة، لا يُراد من استعمالها إحداث العقم أو القضاء على وظيفة جهاز التناسل، بل يُراد بذلك الوقوف عن الحمل فترة من الزمن، لمصلحة ما يراها الزوجان، أو من يثقان به من أهل الخبرة، والسبب الباعث على تنظيم الحمل هو مراعاة حال الأسرة وشؤونها، من صحة، أو قدرة على الخدمة، مع مراعاة الإبقاء على استعداد جهاز التناسل للقيام بوظيفته، أما حكم منع الحمل، فإن منع الحمل وقطعه بالكلية لا يجوز شرعا، إلا إذا قرر الأطباء أن الحمل يسبب موت المرأة، أو تعب الأم بسبب الولادات المتتابعة، أو ضعف بنيتها، أو غير ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى