مقال

فى طريق النور ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء التاسع “

مكارم الأخلاق وبناء الحضارات " الجزء التاسع "

فى طريق النور ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء التاسع ”
إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء التاسع مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وقد توقفنا عند قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى أول سورة البقرة ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون” وهذه من الأخلاق الفاضلة أيضا، من أخلاق المؤمنين، والإقامة للصلاة، والإيمان بالغيب، والإيمان بالله ورسوله، والإيمان بالآخرة، والإيقان بها، والإيمان بالرسل الماضين وما أنزل إليهم كل هذا من الأخلاق العظيمة، ومنها الإنفاق والجود والكرم كل هذا من الأخلاق العظيمة وهكذا يقول سبحانه في سورة البقرة ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون” وهذه أيضا من صفات الأخيار وهذه من الأخلاق العظيمة التي مدحها الله تعالى وأخبر سبحانه وتعالى أن أهلها هم الصادقون المتقون، فعليك بهذه الأخلاق استقم عليها، وهكذا في سورة آل عمران في أثنائها يقول الله عز وجل ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التى أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين”

فانظر إلى ما مدحهم الله تعالى به من الأخلاق، واستقم عليها، ثم قال سبحانه في وصف المتقين ” الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” فكانت هذه من أخلاقهم العظيمة وهى من أخلاق المتقين ومنها ما ذكره الله سبحانه بقوله ” والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنبوبهم” والفاحشة هي المعصية، وهذه من أخلاقهم العظيمة التوبة والاستغفار من جميع المعاصي، ثم قال سبحانه وتعالى ” ومن يغفر الذنوب إلا الله ” فليس هناك غافر إلا الله عز وجل فهو سبحانه وتعالى الذي يغفر الذنوب ويقبل التوبة، ثم قال عز وجل “ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون” والمعنى أنهم لم يقيموا على المعاصي بل تابوا وأقلعوا منها خوفا من الله سبحانه وتعالى وتعظيما له، وهذه من أخلاقهم العظيمة أخلاق أهل الإيمان، كما قال الله تعالى ” أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين” وهذا هو جزاء التائبين الصادقين، فالمؤمنون والمؤمنات هذه أخلاقهم، التقوى لله والاستقامة على هذا الدين والإنفاق في السراء والضراء والشدة والرخاء، ولو بدرهم واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “اتقوا النار ولو بشق تمرة” وكما جاء في سورة التوبة فقد ذكر الله سبحانه وتعالى أيضا جملة من أخلاقهم وذلك في قوله سبحانه وتعالى “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم”

وهذه من أخلاق أهل الإيمان فإن الرجال والنساء بعضهم أولياء بعض، والأولياء فيما بينهم من أخلاقهم هو المحبة والتواصي بالخير، والتعاون على البر والتقوى، فلا يغتاب بعضهم بعضا، ولا ينم عليه ولا يشهد عليه بالزور ولا يظلمه، هكذا المؤمنون والمؤمنات أولياء ليسوا متباغضين، ولا متحاسدين، ولا متشاحنين، ولا يكذب بعضهم على بعض ولا يغتابه، ولا ينم عليه ولا يشهد عليه بالزور، ولا يظلمه في قول ولا عمل ولا دم ولا مال، ولا يغشه في معاملة، ولا يخونه في جميع الأحوال، ثم قال الله سبحانه وتعالى “يأمرون بالمعروف” وهكذا أينما كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأسلوب الحسن وبالطريقة الحميدة وبالعلم والبصيرة كما قال الله تعالى “قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة” فهم يأمرون عن بصيرة وينهون عن بصيرة، والمعروف ما أمر الله به ورسوله، والمنكر ما أنكره الله ورسوله ونهى عنه، هكذا المؤمنون والمؤمنات إذا رأوا من بعض إخوانهم تقصيرا في طاعة الله أمروهم بمعروف، وإن رأوهم يتخلفون عن الصلاة في الجماعة قالوا لهم اتقوا الله وحافظوا على الجماعة فهي مفروضة عليكم ولا تتشبهوا بالمنافقين، وهكذا لو رأيته يتعاطى الربا نصحته لله، أو رأيته يجالس من ليس من الطيبين تنصحه وتذكره بالله فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن ” فإن هذه من صفات المؤمنين وأخلاقهم دعاة إلى الله ناصحون لله ولعباده يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لكن بالأساليب الطيبة.

لا بالعنف والشدة حتى يقبل منهم الحق وحتى يستفيدوا ويستفاد منهم قال الله تعالى في كتابه العظيم ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” وقال سبحانه وتعالى في دعوة الكفار “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن” وهم اليهود والنصارى، وهكذا المؤمن من أخلاقه العظيمة الدعوة بالتي هي أحسن ويجادل بالتي هي أحسن يرفق بالناس يقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف” ويقول صلى الله عليه وسلم “إن الرفق لا يكون في الشيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه” ويقول أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم “من يحرم الرفق يحرم الخير كله” فلابد من صبر ولا بد من حلم ولابد من رفق في أمرك ونهيك ودعوتك، وهذه أخلاق أهل الإيمان، وهؤلاء أولياء الله إذا أردت أن تصير منهم فعليك بهذا الخلق العظيم، وهو الإيمان الصادق بالله ورسوله وبكل ما أخر الله به ورسوله، والتقوى بطاعة الأوامر وترك النواهي، فمن تخلق بهذا الخلق فهو من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهم”الذين آمنوا وكانوا يتقون” والمعنى أنهم آمنوا بالقلوب وصدقوا بالأقوال والأعمال ، فهؤلاء هم أولياء الله الذين آمنوا بأن الله هو الواحد المستحق للعبادة وصدقوا ذلك بالعمل ووحدوا الله وخصوه بالعبادة وتركوا الإشراك به، وعرفوا أن الله أوجب الصلاة فصلوا وحافظوا عليها في الجماعة وعرفوا الزكاة فأدوا الزكاة وأنها فريضة، وهكذا عرفوا الصوم وأنه من أخلاق المؤمنين فريضة فصاموا رمضان.

وعرفوا الحج فأدوه كما أمر الله، وعرفوا الجهاد فجاهدوا، وهكذا عرفوا المحارم فاجتنبوها وحذروها مثل الزنا وعقوق الوالدين وشرب المسكر والربا وأكل مال اليتامى وغير هذه المحرمات عرفوها واجتنبوها ، طاعة لله وتعظيما له ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى، هكذا المؤمنون الصادقون والمؤمنات الصادقات، وإن من صفات أخلاق المتقين العظيمة هو التهجد بالليل والاستغفار في السحر والصدقة للسائل والمحروم وهو الفقير، وقال الله تعالى كما جاء في سورة الحديد ” آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير” وهذه أيضا من أخلاقهم العظيمة وهو الإنفاق مما جعلهم الله مستخلفين فيه حسب الطاقة وقد وعدهم الله على ذلك بالأجر الكبير، ويقول سبحانه في سورة الملك ” إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير” فالخشية لله أمرها عظيم وعاقبتها حميدة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له” فلا بد من خوف الله وخشيته مع رجائه وحسن الظن به في جميع الأحوال حتى يؤدي المؤمن والمؤمنة ما أوجب الله ويدع ما حرم الله عن إيمان بالله سبحانه وخوف منه ورجاء لفضله، وهذه الصفات من أعظم الأخلاق وأهمها وأنفعها للعبد في دينه ودنياه، وهي أن يخشى الله ويراقبه ويرجو فضله وإحسانه مع القيام بحقه وترك معصيته أينما كان ولقد صدق من قال وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

فالأخلاق التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها هي أسباب سعادة الأمة ورقيها وبقاء حكمها ودولتها ، ويقول آخر، وليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خرابا، فكأن مكارم الأخلاق بناء شيده الأنبياء، وبعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليتم هذا البناء، فيكتمل صرح مكارم الأخلاق ببِعثته صلى الله عليه وسلم ولأن الدين بغير خلق كمحكمة بغير قاض، كذلك فإن الأخلاق بغير دِين عبث، والمتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن أَزمتها أزمة أخلاقية، وإن الخلق فى اللغة هو السجية والطبع والدين، وهو صورة الإنسان الباطنية، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخُلق لذلك كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم” واهدني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِئها، لا يصرف عني سيِئها إلا أنت” رواه مسلم، ويوصف المرء بأنه حسن الظاهر والباطن إذا كان حسن الخلق والخُلق، والخُلق هو عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسر، من غير حاجة إلى فكر ولا روية، وهذه الهيئة إما أن تصدر عنها أفعال محمودة، وإما أن تصدر عنها أفعال مذمومة، فإن كانت الأولى، كان الخُلق حسنا، وإن كانت الثانية، كان الخُلق سيِئا، وإن هناك فرق بين الخُلق والتخلق إذ أن التخلق هو التكلف والتصنع، وهو لا يدوم طويلا، بل يرجع إلى الأصل، والسلوك المتكلف لا يسمى خُلقا حتى يصير عادة وحالة للنفس راسخة، يصدر عن صاحبه في يسر وسهولة فالذي يصدق مرة لا يوصف بأن خُلقه الصدق، ومن يكذب مرة لا يقال إن خلقه الكذب.

بل العبرة بالاستمرار في الفعل، حتى يصير طابعا عاما في سلوكه، وهكذا فإن الاخلاق هي عنوان الشعوب، وقد نادت بها الأديان المختلفة، فهي ميزة مهمة وأساس كل حضارة تتميز بها عن غيرها من الحضارات، ووسيلة للمعاملة بين الناس، ولذلك قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فمن خلال هذا الحديث الشريف يؤكد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على أن السبب والغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق على أمته الإسلامية، وذلك لأن التحلي بالأخلاق الحسنة والتمسك بها يفتح الطريق أمام الإنسان للسعادة والهناء والرضا في الدنيا والآخرة، أما الأخلاق الإسلامية فهي مجموعة من القيم والمبادئ والآداب التي يجب أن يتحلى بها الإنسان وحث عليها الإسلام، وهي صفة يتميز بها كل شخص عن غيره، وعبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، وإن من أبرزمكارم الأخلاق التي وجب التحلي بها هى القناعة، والرضى، والبر، والإحسان، والصدق، والأمانة، والصبر، والحلم، والأناة، والشجاعة، والتحمل، والتروي، والكرم، والاعتدال والإيثار، والعدل، والحياء، والشكر، وحفظ اللسان والجسد، والشورى، والوفاء، والعفة، والتواضع، والعزة، والقوة، والتعاون، والتسامح، وفعل الخير، والبعد الشر، والمساعدة، والنية الحسنة، وكف الأذى عن الناس، وطاعة الوالدين، ونشر المحبة، والستر حفظ السر، والمحافظة على الدين، والصلاة، والتقرب إلى الله، والبعد عن النميمة والغيبة وشتم الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى