مقال

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الحادى عشر مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وإن من ثمرات الأخلاق هو بناء روابط الثقة والأمان في المجتمع حيث تعمل الأخلاق على بناء روابط الأمان والثقة في المجتمع، فيشعر الفرد بأنه آمن ويستأمن على أمواله ونفسه وأملاكه وأراضيه، ويشعر بينه وبين نفسه بالثقة بكل من حوله فيأمن غدرهم ومكرهم لأنه يعلم أن الأخلاق تمنع الغدر والخيانة والظلم، فيشعر الفرد الذي يعيش في مجتمعٍ مسلح بالأخلاق أن حياته آمنة وليس فيها ما يدعو للخوف ما دام ينتمي لمجتمع تسوده الأخلاق، وكذلك الحصول على احترام المجتمعات الأخرى، حيث يحظى المجتمع الذي يتحلى أبناؤه بالأخلاق باحترام المجتمعات الأخرى، لأنه مجتمع لا يصدر منه الأذى ولا الضرر، ولا يربي أشخاصا يسببون الأذى والظلم لغيرهم، لذا فإن كل مجتمع يعزز الأخلاق فيه يشع نفسه في مكانة مرموقة بين باقي المجتمعات، ويكون أفراده محط احترام الجميع، وهذا بحد ذاته من أطيب الآثار التي تسببها الأخلاق في المجتمعات، وكذلك فإن الأخلاق الحميدة هي النتاج الصالح من النفس البشرية وسلوك الإنسان، لها تأثير على الفرد وأسرته

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

ومجتمعه، حيث إن الأخلاق ترفع من شأن الإنسان في الدنيا والآخرة، وتعمل على تنشئة أسرة بنفسية سليمة، وتزيد من تكافل وتعاون وإنتاجية المجتمع واحترام المجتمعات الأخرى له، فإن الأخلاق عالم متكامل من القيم والمبادئ والمنظومات القيمية التي تميز الشعوب والأمم، وهذه القيم والأخلاق وكما تبين عند الحديث عن أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام ترفع الأمم أو تهدمها.

 

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

وتؤثر على الشعوب وأحوالها، وأيضا يمكن القول إن الخلق الحسن أو السيئ لا بد أن يكون ذا أثر على الفرد نفسه الذي يتحلى بهذه الأخلاق ويتسم بها، فكلما ارتقى الإنسان بأخلاقه وقيمه ومبادئه، وامتثل لأصول الدين وما يرتبط بها من خلق حسن، واتخذ من القرآن، وهو النور المبين وهو الهدى إلى الطريق المستقيم، منهجا له في حياته كلما ارتقت أخلاقه، وقوي إيمانه، وابتعد عن الشهوات وكل ما يغضب الله تعالى ويخالف الشريعة والسنة النبوية، وكلما اقترب الإنسان من الأخلاق الحسنة وامتثل لها كلما ازداد جمالا، جمالا في روحه وفي تعامله وفي تفكيره، وكلما ابتعد عن مكارم الأخلاق وفضائلها كلما كان واهيا وضعيفا وقبيحا في نظر نفسه أولا وفي نظر من حوله ثانيا، ولما كانت الأخلاق الحسنة التي نادى بها الإسلام، ودعا إليها القرآن، ووصى بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ذات أثر على الفرد، فهي أولى أن تكون أيضا ذات أثر أكبر على المجتمعات والشعوب وبنيانها وتقدمها وتطورها، فكلما ارتقت أخلاق الأمم، وارتفعت

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

منظوماتها القيمية كلما ازدادت قوة ومنعة ورفعة، وكلما انحطت هذه القيم والمبادئ كلما انحدرت الأمم وتراجعت، وهذا الأثر للأخلاق لا يقتصر على الأمة التي تتسم بحفاظها على الأخلاق، وإنما ينتقل إلى الأجيال القادمة التي سترث هذا المجد العظيم، والإرث الرفيع، إضافة إلى أن هذه الأخلاق الحسنة تصون شرف الأمة وعزتها، ولعل ما ورد من دور وأثر كبيرين للأخلاق على الفرد وعلى المجتمعات، يبين أن أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام تحتاج مجلدات.

 

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

ومجلدات للحديث عنها وعن مكانتها ودورها العظيم في إعمار الأمم وإعلاء الهمم، وإنه من الجيد والجميل والمستحب في الدين الإسلامي أن يكون الإنسان صاحب خلق عظيم ورفيع وحسن، ولكن الأعظم والأفضل والأقوى هو أن يثبت الإنسان على هذا الخلق ولا يتراجع عنه مهما تغيرت الظروف والأحوال، ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن الأخلاق في الإسلام هي ليست لونا من الترف يمكن للإنسان المسلم الاستغناء عنه عند اختلاف البيئة، كما أنها ليست ثوبا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء، إنما هي ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة السليمة التي فطر الله تعالى عليها كل الناس، وهنا تكمن القوة الحقيقة في الإيمان أن يثبت الإنسان على موقفه وأخلاقه وقيمه ولا يتراخى فيها البتة، ولعل هذا ما يزيد من أهمية الأخلاق

نفحات إيمانية ومع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الحادى عشر “

ومكانتها في الإسلام، وما على الإنسان إلا أن يسأل الله عز وجل الثبات، وأن يجعل خير أعماله خواتيمها، وهكذا فإن الأخلاق هي أعمال الإنسان وصفاته النفسية التي يتحلى بها، وقد توصف بالحسن أو القبح، وأما مكارم الأخلاق فهي أحسن الأخلاق التي يسمو الإنسان عند الاتصاف بها وتستقيم حياته، ومن الأمثلة على مكارم الأخلاق التي قد يتصف بها الإنسان الصدق، والأمانة، والرحمة، والوفاء بالعهد، والوفاء، والحلم، والجود، والتسامح وغيرها من أمثلة، وقد زكى الله تعالى نبيّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه بأفضل وصف وأقوم بيان حين قال تعالى ” وإنك لعلى خلق عظيم”

وفي ذلك دلالة على أهمية الأخلاق، فهي ميزان صلاح الأعمال عند الله، حيث قال نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم” إن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل” فالأخلاق الحميدة تجعل المجتمع متماسكا كالجسد الواحد، قويا في وجه ما قد يواجهه من الفتن، كما تساهم بالارتقاء في المجتمع عن ارتكاب الرذائل والفواحش، فيسود العدل وتنتشر الأمانة وتعم معاني الرحمة والتسامح والعطف والسلام المجتمع بأسره، وللأخلاق الحميدة أثر كبير على اقتصاد المجتمع الذي ينهض بهمة أفراده الصادقين والمثابرين في تأدية أعمالهم على أكمل وجه، إن سأل سائل عن كيفية التحلي بمكارم الأخلاق؟ فيكون ذلك بإيمانه الخالص بالله وبقدرته على هدايته لها، وبالتقرب من الصالحين ومصاحبتهم، وبترويض النفس على التمهل وعدم التعجل في الحكم على الآخرين، وبالمبادرة في تقديم يد العون لأصحاب الحاجة، كما يساعد الدعاء على اكساب الشخص أحسن الأخلاق وأطيبها، دون إغفال دور الأهل والمربيين الأساسي في زرع هذه البذرة في أطفالهم منذ الصغر، وإن لحسن الخلق ثمرات وفوائد تعود على صاحبه في الدنيا والآخرة وهى تتمثل فى محبة الخلق فإن الفرد إذا حسنت أخلاقه أحبه الناس وأقبلوا على معاملته والزواج منه واشتهر بصدقه وأمانته وهذا الذي دفع السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى اختيار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليتجر في مالها ثم الزواج منه لصدقه وأمانته فقد كان مشهورا بين قريش بالصادق الأمين وكل هذا قبل البعثة.

وأيضا من ثمراته هو أن حسن الخلق قوام الحضارات، فالحضارات والأمم تبني على التعاون والتشارك والصدق والأمانة في البيع والشراء وسائر القيم والأخلاق الفاضلة أما إذا انتشر الكذب والنفاق والغش والخداع والتضليل والقهر والظلم والربا والاحتكار وانتشرت الجرائم من السرقة والزنا والقتل والتفجير والتخريب فأنى لقيام الحضارات؟ وكذلك فإن حسن الخلق من كمال الإيمان، فصاحب الأخلاق الحسنة يكون كامل الإيمان، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا” رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال المباركفوري، أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا،لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، وخياركم خياركم لنسائهم لأنهن محل الرحمة لضعفهن، وإن الاخلاق الحميدة قيل هى عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم، وللأخلاق الحميدة طابعان، الأول أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى، أما الثاني فهو ذو طابع إنساني، أي للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا النظام من الناحية العملية، والنظام الأخلاقي هو نظام يجب العمل به من أجل الوصول إلى حياة فاضلة ونيرة، فالأخلاق الحميدة ليست جزء من الدين الإسلامي فحسب، بل هي عبارة عن جوهرة الإسلام وجوهرة جميع الديانات السماوية الأخرى.

فالدين الإسلامي والأديان الأخرى كلها تحث على التحلي بالأخلاق الحميدة والحرص على التعامل بها مع الله تعالى ومع النفس ومع الغير، ويتضح أن الغرض من رسالة سيد الخلق أجمعين رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هي إتمام مكارم الأخلاق، والعمل على تقويمها، فالهدف من كل الرسلات هدف أخلاقي، والدين نفسه هو دين حسن خلق، كما من الممكن إيجاد الأخلاق في جانب العقدية، حيث ربط الله تعالى رسوله الأمين الإيمان بحسن الخلق، ففي الحديث لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم “أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا” فالأخلاق الحميدة هى قوة راسخة في الإرادة تنزع بها إلى اختيار ما هو خير وصلاح، وإن أصول الأخلاق، وجذورها العلمية، تبين الفرق الشاسع بين نوعي الأخلاق، فيمكن الآن وبكثير من الاطمئنان تبيان أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام، ومما هو جدير بالذكر أن الأخلاق في الإسلام لم تبنى على نظريات مذهبية، ولا على مصالح فردية، ولا على عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها، بل هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها إذ لا يمكن أن تكون الأخلاق فضائل منفصلة، إنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة، فالدين الإسلامي الحنيف عقيدته أخلاق، وشريعته أخلاق، وإذا خرق المسلم إحداها أحدث خرقا في إيمانه، ولعل أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام تكمن في الدرجة الأولى في كونها دليل الإسلام وترجمته العملية، وكلما كان الإيمان قويا كلما أثمر خلقا قويا، فالأخلاق هي الثروة الفكرية والحضارية.

التي تصنع مجتمعا بشريا تسوده قيم الخلق والأدب والخير والحق، ولذلك عندما بدأ الإسلام في ما مضى من الزمن قام على الخلق الحسن، والمعاملة الحسن، ولذلك ساد وانتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وكلما تراجعت الأخلاق تراجعت المكانة، فإن أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام لها شأن عظيم، ودور كبير في إحياء الأمم ونهضتها، وعودتها إلى مجدها وعزتها ولما كانت أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام على هذا القدر من الرفعة والعظمة، ولما كان للأخلاق هذا الأثر في بناء الأمم ورقيها، أو هدمها واندثارها، كان لا بد من العودة إلى القرآن الكريم، وهو منهج المسلمين ونورهم المبين الذي يهتدون به في حياتهم، وإعادة النظر والتمعن في الآيات القرآنية الكريمة التي تحث على الخلق الحسن، وتبين ما هي الأخلاق الكريمة والفاضلة التي توافق منهج الدين الإسلامي، وهدي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه قطوف من أقواله صلى الله عليه وسلم، وقبس من أحاديثه الشريفه صلى الله عليه وسلم في حثه وأمره بالأخلاق، تضيء لنا الطريق لنعيش في روضة أخلاق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، علما وعملا واقتداء، ففي الأخلاق العامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خياركم أحاسنكم أخلاقا”رواه الترمذي، وقال أيضا “إن من أحبكم إلىّ أحسنكم أخلاقا” رواه البخاري، وفي معاملة الوالدين وبرهما، والاهتمام بهما وتقديهما على غيرهما فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى