مقال

ماذا عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الرابع عشر”

ماذا عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الرابع عشر”
إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الرابع عشر مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وقد كانت أخلاق نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مضرب المثل والقدوة، فهو شجاع في موطن الشجاعة، قوي في موطن القوة، عفو في موطن العفو، رحيم رفيق في موطن الرحمة والرفق، فصلوات الله وسلامه عليه، وقد قال الله تعالى عنه ” وإنك لعلى خلق عظيم” ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب أهمية الخلق، بالرغم من أنه ليس أهم شيء بعث النبى صلى الله عليه وسلم من أجله فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيره أهم منه، فإن قال قائل ما وجه أهمية الخلق حتى يقدم على العقيدة والعبادة؟ فإن الجواب هو إن الخلق هو أبرز ما يراه الناس، ويدركونه من سائر أعمال الإسلام فالناس لا يرون عقيدة الشخص لأن محلها القلب، كما لا يرون كل عباداته، لكنهم يرون أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها لذا فإنهم سيقيمون دينه بِناء على تعامله، فيحكمون على صحته من عدمه عن طريق خلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله، وقد حدثنا التاريخ أن الشرق الأقصى ممثلا اليوم في إندونيسيا والملايو والفلبين وماليزيا، لم يعتنق أهلها الإسلام بفصاحة الدعاة، ولا بسيف الغزاة، بل بأخلاقِ التجار وسلوكهم، من أهل حضرموت وعمان وذلك لما تعاملوا معهم بالصدق والأمانة والعدل والسماحة، وتشكل الأخلاق أهمية كبيرة في الإسلام، فهي بمثابة الجانب المعنوي والروحي للحضارة الإسلامية، وهي الأساس والركيزة التي ترتكز عليها أية حضارة من الحضارات.

حيث تحفظ سر بقائها، وصمودها على مدى التاريخ، ويؤدي غياب الأخلاق إلى زوال الدفء المعنوي لدى الإنسان، أي زوال روح الحياة والوجود، ويجدر بالذكر هنا أن الأخلاق والقيم الإسلامية لم تكن نتيجة التطور الفكرى عبر العصور، وإنما هي وحي من عند الله تعالى إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومصدرها التشريع الإسلامي، وأن هناك العديد من الأمثلة على مكارم الأخلاق، ومنها هو التعاطف مع الآخرين، والسعي لمساعدتهم لزيادة المحبة والتعاطف بين الناس، والمعاملة الحسنة للآخرين، وذلك من خلال معاملتهم برفق ولين، والتخلق بالحلم والأناة الحرص على إفشاء السلام على جميع الأشخاص، سواء كانوا معروفين أم لا، فهذا دليل على الإيمان، وسلامة القلب، والتواضع، وأيضا الالتزام بالأدب واللطف في جميع الأحوال والظروف، والإسراع في زيارة المريض، وأيضا تعلم أدب الاختلاف في الرأي، وكذلك الحرص على الأمانة، وعدم إفشاء الأسرار، والمداومة على تذكر الإحسان، والبعد عن نكران الجميل، ومصاحبة المؤمنين والأتقياء، والحرص على الكلمة الطيبة، وأيضا الحرص على التخلق بخلق التواضع، والحرص على الابتسامة الدائمة، واستقبال الناس بوجه رحب، فهي وسيلة تقرب، وتودد، وحب بين الناس، ولها أيضا الكثير من الفوائد، ومنها هو أنها تعد من أبواب الخير والصدقة، وأنها تقود المرء لكسب الناس، ونيل الأجر والثواب من الله تعالى لأنها من أخلاق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنها أيضا تزيل الهم والغم، وتروح عن النفس.

وأنها تدل على صفاء النفس، وحسن خلق صاحبها، وهكذا فإن الأخلاق هي مجموعة من العادات والسلوكيات والتصرفات والأقوال والأفعال التي تنبع من ذات الإنسان وضميره وقناعته فالخير والشر داخله في صراع دائم، فمتى غلب خيره شره أصبح صاحب خُلق عظيم، وإن جزء من الأخلاق تكتسب بالتربية الصالحة والاعتياد على سلوك الأوائل من ذوي الأخلاق الحميدة، وهذا الجزء يقع على عاتق كل ولي أمر من الوالدين والمدرسة والمعلمين والمجتمع، ومكارم الأخلاق هي أفضل الدرجات في كل خُلق، فالأمانة خُلق كريم ومن اتّصف بكمال الأمانة فقد وصل إلى مرحلة المكارم في هذا الخُلق، كما كان يوصف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين، وبالأخلاق تعلو الأمم وتنهض وتزدهر وتتقدم، وهي دليل على بقاء الحضارات وتقدم شعوبها ورفعتهم فيقل معدل الجريمة والانحطاط والاستغلال، ولا يصعد الأغنياء والأقوياء على حساب الفقراء والضعفاء، وإن مكارم الأخلاق جُمعت في الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فمن تحلى بخُلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد تحلى بمكارم الأخلاق، وإن من هذه المكارم هو الحياء، فالحياء هو الخجل من فعل القبيح وقوله، وكذلك الحياء من الله سبحانه والابتعاد عن فعل ما يغضبه، وأيضا الحياء من الملكين اللذين يكتبان الأعمال، والحياء من فعل المعاصي والذنوب والكبائر، فالحياء هو خُلق الإسلام الذي تميز به عن كل الأديان السماوية، وأيضا من مكارم الأخلاق العفو والصفح.

فالعفو عند المقدرة هو من أسمى الأخلاق، فلا ميزة فى عفو مع عجز أو ضعف، إنما العفو هو أن تمتلك القدرة على الثأر والعقاب لكنك تؤثر العفو والسماح إرضاء لله عز وجل، وأيضا الصفح الجميل وهو أن تسامح وتصفح دون أن تلحق ذلك بالمن والتذكير بعفوك أمام الناس، وإن أشهر أمثلة العفو ما فعله الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش يوم فتح مكة عندما قال صلى الله عليه وسلم لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” وأيضا من مكارم الأخلاق هو الرفق واللين فقد جاء فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن من ضمن اللذين لا يدخلون النار، كل إنسان كان اللين والسهولة والرفق من أخلاقه وصفاته فى التعامل مع أهل بيته وزملائه وأقاربه وكل من عرف ومن لم يعرف، وقد خاطب القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لولا اتصافك بصفة اللين لتركك أصحابك فاللين سبب للقرب واستمرار المحبة والمودة بين الناس، فعن ابن مسعود رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” حرم على النار كل هين سهل قريب من الناس” ويقابل اللين والرفق، الغضب والفحش في القول وما يرافق تلك الحالة من السب والشتم واللعن والتشاؤم، وكل تلك الصفات مكروهة بغيضة من الله سبحانه ومن خلقه، وفي الأخلاق نرى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على انتشار الأخلاق الحميدة في المجتمع المسلم، حتى عندما جاء الإسلام فقد أقر بعض أخلاق الجاهلية التي تتوافق مع قيم الإسلام وألغى بعضها الآخر فكان من ضمن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.

هو الدعاء بالخلق الحسن، فكان يقول “اللهم اهدني لأحسن الأعمال، وأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال، وسيء الأخلاق، فإنه لا يقي سيئها إلا أنت” وكان صلى الله عليه وسلم يقول”اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء”وكان صلى الله عليه وسلم يقول “الّلهم جمل خُلقي كما جملت خلقي” وإن أهم ما ميز الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم هو الأخلاق العظيمة وكما نعلم فإن الدين الاسلامي هو دين المعاملة، وإن أساس المعاملة هو حسن الخلق وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتصف بمكارم الأخلاق، وكانت هذه من أهم المميزات التي تمتع بها الرسول، والتي حرص على تعليمها لأصحابه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على توصية أصدقاؤه بحسن الخلق وبمكارم الأخلاق، وقال لهم بأن ” أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، وأبعدكم عني مجلسا الرثاون والمتشدقون” وفى هذا الحديث دليل واضح على أهمية التمسك بالأخلاق في التعامل مع الناس، حيث أن المعاملة الحسنة تجعل الانسان أقرب ممن حوله كما أنه يستطيع أن يصل إلى قلوب من حوله، ومكارم الأخلاق تكسب الانسان الدارين الآخرة والدنيا، فهو سيجد محبة شديدة ممن حوله من الناس، كما أنه في الدار الآخرة سينال صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما أن الانسان الذي لا يتمتع بمكارم الأخلاق بل من تتصف أخلاقه بالسوء فهو لا يحظى بأي سعادة، حيث أن الناس تنفر منه في الدنيا.

كما أنه لن ينال صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وإن الأخلاق لم تقتصر فقط على المسلين بل شملت جميع الناس من مختلف الديانات، حيث أن حسن الخلق يعني النهوض بالمجتمع والرقي به فعندما يراعي الانسان حرمة أخيه الانسان، أو عندما يتلفظ ألفاظا حسنة أثناء الحديث معه ستبقى الألفة قائمة بين الناس على مر العصورن وكما أن حسن الخلق من أكثر الأعمال التي يتقرب بها الانسان إلى الله عز وجل، وهي كفيلة بأن تزيد حسنات الانسان في ميزانه، وإن صاحب الخلق الحسن يكون من خير ما على الأرض، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دوما يشدد في التحذير من إيذاء الآخرين سواء باللسان أو باليد، أو حتى من خلال النظرات، فلو تخيلنا مجتمع لا يحترم فيه أحد الآخر، كما ترك الكل أخلاقه، سنجد أن هذا ينتهك حرمة بيت هذا ويهتك عرضه، كما أن سوف يقوم بالتعدي على حقوق هذا دون أن يشعر بأدني ذنب، الأمر الذي يعني فساد المجتمع وتهتك العلاقات لأبعد حد، كما أن حسن الخلق عند الله تعالى عظيم تماما كعظمة القيام والصيام، حيث أن الخلق الحسن يقيد صاحبه من ارتكاب المعاصي، وغن من أمثلة حسن الخلق هو رفع الأذى عن الطريق، والاحسان إلى الفقير، والعطف على الصغير، واحترام الكبير، والاحسان إلى الشيخ الكبير وإلى السيدة العاجزة الضعيفة، والاحسان إلى الزوجة وإلى الوالدين، وأن يسلم الناس من لسان الانسان من أذاه، كما أن يكون محبوبا بين الناس في جميع الأمور التي يفعلها، ولقد حث الإسلام على حسن الأخلاق المتمثلة في كف الأذى عن الناس.

والكلمة الطيبة، والصبر، فالالتزام بالأخلاق الحسنة ترفع درجات المسلم عند ربه ويجزيه الثواب في الدنيا والآخرة، وإن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بيننا وبينه، وصلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم، وليست الأخلاق أن تكون صالحا فحسب بل أن تكون صالحاً لشيء ما، وأن في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، ولا يمكن للإنسان أن يصبح عالما قبل أن يكون إنسانا، وأن هناك شيئان ما انفكا يثيران في نفسي الإعجاب والاحترام، وهما السماء ذات النجوم من فوقي، وسمو الأخلاق في نفسي، وأنه تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة، وإن الخلوق من إذا مدحته خجل وإذا هجوته سكت، ولا مروؤة لكذوب، ولا ورع لسيء الخلق، وإنه ما قرن شيء إلى شيء أفضل من إخلاص إلى تقوى، ومن حلم إلى علم، ومن صدق إلى عمل، فهي زينة الأخلاق ومنبت الفضائل، وإن الخلوق صدوق، والعنيف ضعيف، والأصيل نبيل والحليم حكيم، والشريف عفيف، وإن حسن الخلق أحد مراكب النجاة، والأخلاق نبتة جذورها في السماء، أما أزهارها وثمارها فتعطر الأرض، والتربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه و ثوبه، وتفسد المؤسسات حين لا تكون قاعدتها الأخلاق، وإن النفاق وهو زيف أخلاقي يبرهن على قيمة الأخلاق الصحيحة، وكذلك الاتحاد هو ثمرة لشجرة ذات فروع وأوراق وجذوع وجذور، هي الأخلاق الفاضلة بمراتبها، وإن رجل بلا أخلاق هو وحش تم إطلاقه على هذا العالم، وإن مكارم الأخلاق عشر، هن صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى