مقال

الحق فى القرآن الكريم الجزء الرابع عشر

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

الحق فى القرآن الكريم

ونكمل الجزء الرابع عشر مع الحق فى القرآن الكريم، وأنه لا بد للبشرية أفرادا وجماعات من عبادة الله، وإما عبادة الشيطان، ويستحيل أن يوجد وسط بين ذلك، فكل إنسان يرفض عبادة الله لا بد أن يعبد الشيطان لأن مجرد رفض عبادة الله عز وجل، هو ذات عبادة للشيطان، فلا يمكن أن تخلو الدنيا من أحد هذين الأمرين، ولا يمكن أن يخلو شخص من أحدهما، لذلك نعلم أنه لا يمكن أن يوجد إنسان وسط، وإنه لا يصلح إنسان وسط ما بين الجنة والنار، وبالتالى لا يصلح إنسان فى هذه الدنيا وسط بين الهدى والضلال والحق والباطل، وإن وجود حق وباطل في أمر لا يعنى الوسطية، وأما عن مسألة الحياد في أمر الحق والباطل غير وارده، وحين يقول إنسان أنا محايد بين الحق وبين الباطل، فإنه يصنف في دين الله وشرعه في قائمة أهل الباطل، فليس هناك إمكانية الحياد في مسألة الحق والباطل، والهدى والضلال، والخطأ والصواب، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال أن يوجد أمور يكون فيها حق وباطل وخطأ وصواب، لكن لا يعنى هذا أن الخطأ صار صوابا أو أن الصواب صار خطأ، بمعنى أنك تجد الإنسان يقول بقول في مسألة من المسائل لا تستطيع أن تقول إن هذا القول باطل محض، ولا أن تقول إن هذا القول حق محض لكن تستطيع أن تقول إن هذا القول التبس فيه الحق والباطل، أى أنه توجد نسبة من الحق وهى كذا وكذا، وتوجد نسبة من الباطل وهى كذا وكذا، ويبقى الحق حقا والباطل باطلا، وأما عن قدم الصراع بين الحق والباطل، فإن هذا الحق والباطل بينهما صراع منذ أن خلق الله الإنسان على ظهر الأرض.

 

فيوم أن كان آدم وحواء في الجنة كان الله عز وجل قد خلقهما للابتلاء والاختبار، ومنذ تلك اللحظة ابتلي الإنسان بكيد الشيطان وخصومته وصراعه معه، وما زال الشيطان يكيد لآدم وحواء حتى أهبطا إلى هذه الدنيا، وبعد إهباطهما وإهباط الشيطان يقول الله عز وجل كما جاء فى سورة البقرة ” بعضكم لبعض عدو ” وهنا انتقل ميدان الصراع إلى هذه الأرض، وبدأت الخصومة، ولذلك بعد هبوط آدم وحواء إلى الأرض ظلت أجيال من الناس على الهدى قرونا طويلة يتوارثون الهدى والخير والإيمان عن أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما عند الحاكم والطبري وغيرهما في تفسير قول الله عز وجل ” كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين” فقال ابن عباس رضى الله عنهما كان بعد آدم عشرة قرون كلهم على الهدى فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وهكذا جاء في قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين هذا أحد الأوجه في تفسير الآية، وبناء عليه نستطيع أن نقول إن الأجيال التالية لآدم ظلت وفية للحق، وفيه للتوحيد الذي تلقته عن آدم عليه الصلاة والسلام، حتى أثر فيهم كيد الشيطان، فانحرفوا عن التوحيد، واندرست معالمه، فاحتاج الأمر إلى بعثة نبى يجدد الإسلام والدين والتوحيد فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وبعد بعثة هؤلاء الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم وبين أعداء الرسل من أتباع الشيطان، ولذلك يقول تعالى كما جاء فى سورة الفرقان

 

” وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين” فما من نبى بعث إلا ويصدى له أعداء من المجرمين يضعون العراقيل فى طريقه، ويعترضون عليه بمختلف الوسائل، وأما عن أطراف الصراع في هذه الأمة، فإنه بعد بعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم انحصرت الخصومة بين أتباع النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له أعداء كثيرون في الحياة، من المجرمين، من الأكابر، فقال تعالى فى سورة الأنعام ” وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون” وما أبو جهل وأبو لهب وعتبة وشيبة وغيرهم إلا أمثلة ونماذج لأعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم الذين يحاربون دعوته صلى الله عليه وسلم عبر العصور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبالمقابل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أصبح أولياؤه هم العلماء الذين ورثوا هديه وتراثه، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن العلماء ورثة الأنبياء” وكلذلك بيّن الله سبحانه تعالى قبل ذلك أن هذه الأمة سيوجد فيها من يحمل الرسالة، فلا تعني وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سقوط الراية، فالراية كلما جاء جيل، قيض الله تبارك وتعالى بين هذا الجيل من يحمل الراية، ويقيم الحجة على هذا العصر، ولهذا يقول الله عز وجل كما جاء فى سورة الأعراف ” وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون” وبصورة أخص أنه تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن اسم خاص لحملة الهدى النبوى الذين يخلفون الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس في الإسلام فقط.

 

وليس في الالتزام بالسنة فقط، بل بالدعوة إليها والقيام عليها والصبر، ودعوة الناس إلى ما كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكان الاسم الخاص الذي ميزهم الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء به هو أنه ميزهم بـالطائفة المنصورة، وهذا اسم جليل عظيم تهتز له القلوب، وتستبشر له النفوس، وفي حديث متواتر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس” فهى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وهؤلاء يقابلهم أعداء الرسل ويحاربونهم ويضعون في طريقهم الأذى والشوك، فلا يضرونهم إلا بالتعب والجهد واللأواء، وهذه خصومة طبيعية، لكن الطريق ماض، والقافلة مستمرة لا يمكن أن يؤثر هؤلاء فيها توقفا، وفي الآيات والأحاديث التي وردت فى شأن الخصومة بين الحق والباطل وهي كثيرة نلاحظ عدة ملاحظات مهمة جدا للمسلم في هذا العصر، وهو يلاحظ حركة الصراع بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وأريد أن ألقى الضوء على بعض الأمور المهمة التي يحتاج إليها المؤمن في هذا العصر، وهى قوة الروابط بين الأعداء في هذا العصر، فالملاحظة الأولى وهي الرابطة الوثيقة التي يتناصر بها أعداء الرسل، فيقول الله تبارك وتعالى فى سورة الأنعام ” وكذلك جعلنا لكل نبى عدو شياطين الإنس والجن” فكل هؤلاء مصنفون في عداد أعداء الأنبياء، ثم قال تعالى ” يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروا” وهذا هو اتحاد أهل الكفر في مواجهة الإسلام.

 

فأعداء الرسل هم أعداء الإسلام يتناصرون بمقتضى بالعداوة، وقد يكونون بينهم من البور والخلاف الشيء الكثير، لكنهم حين يواجهون الإسلام يكونون صفا واحدا، فليس من الضرورى أن تكون ولايتهم مطلقة، بل ولاية بعضهم لبعض قد تكون مطلقة وقد تكون أمام الإسلام فقط، فمثلا اليهود والنصارى بينهم عبر التاريخ خصومات طويلة، ومجازر رهيبة، وخاصة اليهود طالما تسلطوا على النصارى وآذوهم، وسفكوا دماءهم وأحرقوهم بالنيران، والعكس كذلك، ومع ذلك الله عز وجل يقول بعضهم أولياء بعض، أى فى حرب الإسلام ومواجهته يقول القائل وليس غريبا ما نرى من تصارع هو البغى لكن للأسامى تجددا، وأصبح أحزابا تناحر بينها وتبدو بوجه الدين صفا موحدا، فحين يكون العدو والخصم هو الإسلام ينسون خصوماتهم الداخلية والفرعية ويوحدون الوجهة ضد الإسلام وأهله فهذا أمر ملحوظ في ولاية أعداء الرسل بعضهم لبعض، وهذه الولاية توجب على حملة الإسلام أنه لا بد أن يكون بعضهم لبعض أولياء أيضا، وأما عن الفرق بين ولاية المؤمنين والكافرين، فإن هناك فرق أساسي بين ولاية المؤمنين وولاية الكافرين، فولاية الكافرين مبناها على التعصب والهوى واللجاج، ولذلك فالله سبحانه وتعالى يقول ” المنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض” وأيضا يقابلها في الآية الأخرى ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” وبادى الرأى قد يخيل للإنسان أن كلمة من هنا أبلغ، فكيف عبر الله عز وجل عن علاقة المنافقين بأن بعضهم من بعض، أما علاقة المؤمنين فقال.

 

 

” بعضهم أولياء بعض ” فهل معنى ذلك أن علاقة المنافقين بعضهم ببعض أقوى من علاقة المؤمنين؟ كلا، وإنما السر والله تعالى أعلم، أن علاقة المنافقين ليست مبنية على منهج وطريق صحيح يتوالون فيه، بل القضية مبنية على الهوى والتوافق على الباطل، أما أهل الحق فولايتهم مبنية على الحق، فهم أولياء لبعض في الحق، ولذلك لو تخلى أحد منهم عن الحق تخلوا عن ولايته، وكذلك لو أخطأ إنسان لما كانت ولايتهم له موجبة لموافقته في الخطأ، ولذلك قال تعالى ” بعضهم أولياء بعض ” فهي ولاية نبوية بصيرة، وليست ولاية عمياء على مجرد الهوى، وإنه لا بد فى كل عصر وفى هذا العصر بالذات، وقد رأينا جميعا كيف يتوالى أعداء الإسلام على حربه لا بد من التعاون بين المسلمين على البر والتقوى، كما أمر الله عز وجل فقال تعالى ” إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص” فهل تجد أبلغ من هذا الوصف والتشبيه؟ كأنهم بينان مرصوص، والبنيان المرصوص لا يمكن أن يجد فيه ثغرة ينفذ منها أو يتسلل منها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ” ونحن الآن لو وجد الواحد منا قطعة فى الشارع لكان من السهل أن يحملها أو يكسرها، لكن حين يأتي إلى جدار مكون من مجموعة من اللبنات، فلو حاول أن يدفعه لما استطاع، لأن هنا انضمت اللبنة المفردة إلى أختها فاكتسبت قوة جديدة، وأصبح من غير الممكن للإنسان أن يدفعها، وهذا سر من أسرار التعاون الذي أمر الله تبارك وتعالى به المؤمنين.

 

فلا بد أن يتقي المؤمنون الله عز وجل بألا ينشغل بعضهم ببعض، وكذلك أيضا ضرورة اتحاد أهل السنة والجماعة، فإن الحاجة ماسة إلى أن يجتمع أهل السنة والجماعة تحت الراية الواحدة التي تجمعهم مهما اختلفت المسائل الفرعية التي تجمعهم عليها أصول متحدة، ومهما اختلفت اجتهاداتهم في الأمور العملية، ومهما اختلفت اجتهاداتهم في وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، ومهما اختلفت بلادهم وآراؤهم، فهذه القضايا ليست مدعاة إلى أن يتفرق أهل السنة والجماعة أما إذا كان الخلاف خلافا عقديا مبنيا على الأصول، فهنا الأمر لا شك أنه يستدعي توضيح الأمر، وألا يلتبس الحق بالباطل على الناس، أما أن نتخذ من هذه الخلافات الجزئية والفرعية التي لا تؤثر سببا للتفرق والخصومة والتناحر، وأن ينشغل بعضنا ببعض، فهذا ليس من الحكمة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، فهل من الحكمة أن ينشغل المؤمنون والدعاة والصالحون مثلا بالخلاف حول سنه من السنن أو حول مسألة فقهية ويتركوا أمرا هم مجمعون على أنه خطأ حرام وباطل وضلال؟ فإن هذا ليس من الحكمة، ولو سألت مؤمنا عن رأيه مثلا من الفساد الأخلاقى الذى يجتاح المجتمعات الإسلامية؟ لمّ رأسه، وقال إنا لله وإنا إليه راجعون، ولو سألته عن هذه المعاملات الربوية التي لوثت جيوب الناس وحياتهم؟ لما كان يخالفك على ذلك أي مسلم، فإن هناك أشياء كثيرة يتفق المؤمنون من أهل السنة والجماعة على أنها منكرات وأخطاء وضلالات، بل إن منها ما يتفقون على أنه كفر بالله العظيم، فلماذا لا يكون هناك تعاون في محاربة هذه الأشياء التي يتفق الجميع على أنها كفر أو باطل أو حرام؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى