مقال

عرفجة بن هرثمة ” الجزء الثامن

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع الصحابى عرفجة بن هرثمة، وقد توقفنا معه عند بناء المسجد الجامع، وقال مؤرخ الموصل عبد الواحد ذنون طه أن المسجد الجامع، قد أسس هذا المسجد هرثمة بن عرفجة البارقى، الذى عينه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الموصل بعد عتبة بن فرقد السلمى، وقد وسعه وأعاد بناءه في العصر الأموي مروان بن محمد، فسمي منذ ذلك الوقات بالجامع الأموى، وكان هذا المسجد ملاصقا لدار الإمارة وحوله الأسواق، التى ربما أنشئت لتكون أوقافا له، وتشير المصادر إلى أن عرفجة قد ابتنى المسجد الجامع عندما وضع خطط الموصل وأسكنها القبائل العربية، ويبدو أن بناء المسجد الجامع وتوزيع خطط المقاتلين المرافقين لعرفجة جاء في فترة واحدة، وكان لبيت عرفجة من بعده شأن عظيم ومكانة عالية بين أهل الموصل، تقديرا لجدهم الوالى العظيم، وظلت ذريته مسيطرة على الموصل حتى بداية العصر العباسى، وكان الولاة يخشونهم، لقوة نفوذهم وحب الناس لهم، ولكن نفوذهم كان دينيا أكثر منه سياسيا.

 

وفي ذلك يروى ابن إياس الموصلي قائلا ” كانت أم حكيم بنت يوسف بن يحيى بن الحكم بن أبي العاص تحت هشام بن عبد الملك، فولى أخاها الحر بن يوسف الموصل، فقالت له أم حكيم تولى أخي الموصل وما قدرها، فقال لها هشام يا بنت يحيى أما يرضى أخوك أن يصلي خلف الهراثمة؟ يعني ولد هرثمة بن عرفجة البارقي، وهشام بن عبد الملك كان قد سكن الموصل، ويعلم أهميتها وما فيها من قبائل عربية لها تاريخ وكفاح في الفتوحات العربية، وتذكر المصادر أن عرفجةَ كان شهما غيورا، قوى الإيمان شديد الثقة بنفسه، بعيد النظر، يؤثر المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، حكيما فى عمله حكيما في قوله، نافذ البصيرة، ذكيا، سديد الرأى حتى إن عمر بن الخطاب أوصى عتبة بن غزوان قائلا ” إني قد أمددتك بعرفجة بن هرثمة وهو ذو مجاهدة ومكايدة للعدو، فإذا قدم عليك فاستشره وقربه” وألزم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الوالي عتبة بن غزوان أن يستشير عرفجة ويقربه، لِما له من حنكة وخبرة ورجاحة عقل، كما كان له فراسة عالية.

 

ويُروى عن فراسة عرفجة أنه لما رأى المهلب بن أبي صفرة حينما كان طفلا يلعب مع الصبيان فى السنة الثانية عشر من الهجرة فتفرس فيه علامات الرياسة والسيادة قائلا ” خذونى به إن لم يسد سرواتكم، ويبلغ حتى لا يكون له مثل” وقال محمود شيت خطاب عن عرفجة إن الذي يقرأ سيرته إنسانا يتبين أنه كان مؤمنا حقا، يتفانى من أجل عقيدته ومبدئه، ولم يكن مرتزقا يجمع الأموال والعقار من أعماله العامة قائدا وواليا، بل ارتفع بنفسه عن المادة الزائلة ليبقى عمله خالصا لوجه الله وحده، وكان صادقا وفيا، شهما غيورا، كريما مضيافا رزينا متزنا، عاقلا ذكياء، يحب لغيره ما يحب لنفسه، وكان إداريا حازما برز في الإدارة بروزا لا يقل عن بروزه فى ميدان الحرب، وقد اتضح من دراسة أعمال عرفجة العسكرية أنه كان يمتلك موهبة إعطاء القرارات الحكيمة السريعة وكان شجاعا، مقداما، واسع الحيلة، ذا شخصية قوية نافذة، له قابلية بدنية ومجاهدة فائقة تعينه على تحمل أعباء القتال، فهو بحق كما يقول عنه عمر بن الخطاب؟

 

وهو ذو مجاهده للعدو، وذو مكايدة شديدة وكان جريئا حيث كان أول من تجرأ من قادة العرب المسلمين على ركوب البحر بالمراكب إلى فارس، وجرأ المسلمين من بعده فى الغزو البحرى، وكما قال محمود شيت خطاب، كان عرفجة مثالا رفيعا من أمثلة الشجاعة العربية النادرة، وكان في زمانة معدودا من أفذاذ الشجاعة، لذلك نرى عمر بن الخطاب يعينة بالاسم في البعوث كلما تحرج موقف المسلمين في ساحة ما من ساحات الفتح، ولم يكن التوجه إلى العراق يومذاك سهلا، خاصة بعد أن تلقى المجاهدون من المسلمين فيه درسا قاسيا في معركة الجسر، ولكن شجاعة عرفجة ونخوته وشهامته أبت عليه إلا أن يختار أخطر ساحات الفتح الإسلامى، فذهب إلى العراق مختارا وبذل فيه أقصى ما يبذله المؤمن القوى الشجاع، وكان سريع القرار صائبه، له نفسية لا تتبدل في حالتى النصر والاندحار، يتحمل المسؤولية كاملة بلا تردد ولا خوف، ويتمتع بمزية سبق النظر لذكائه واتزانه، يثق برجاله ويثقون به ويحبهم ويحبونه، له شخصية نافذة وإرادة قوية وماضى ناصع مجيد وكان في أعماله يطبق أهم مبادئ الحرب، يختار مقصده بدقة ويتوخاه دائما.

 

وكل معاركه تعرضية، يحشد لها أكبر قوة ممكنة، وينفذ خططه بصورة مباغتة ويعمل دائما على إدامة معنويات قطعاته ويؤمن لها كافة متطلباتها الإدارية، وكان عرفجة هو أحد أشراف العرب في الجاهلية، ومن سادة الأزد، كما شملت سيادته بجيلة، وكانت له هجرة إلى يثرب، ويعد من كبار الصحابة أولى الشجاعة والمكيدة، ويذكر التاريخ لعرفجة بن هرثمة جهاده المرتدين وجهوده في الفتح الإسلامى، فقد كان له أثر كبير في إعادة المتمردين من أهل عمان ومهرة إلى سلطة الخليفة، وكان عرفجة أمير أحد الألوية الإحدى عشرة التي أعدّها أبو بكر الصديق لمحاربة المرتدين، وقد ساهم عرفجة في جلَّ فتوح العراق وإيران في عصر الخليفة عمر بن الخطاب، ولكن عرفجة يُذكر دائما عندما تذكر مدينة الموصل التى فتحها ثم اختطها ومصرها، فقال محمود شيت خطاب أنه يذكر التاريخ لعرفجة جهوده الجبارة في قتال أهل الردة في عمان ومهرة، ويذكر له أعماله الفذه في أكثر معارك الفتح الإسلامى في العراق وفارس، ويذكر له أنه أول قائد عربى.

 

في الإسلام ركب البحر وجرأ العرب على ركوبه، ويذكر له تمصيره مدينة الموصل الحدباء وجعلها من أكبر قواعد العرب والإسلام، وتلك هي مآثر عرفجة في التاريخ، وكان عرفجة قد أعطى اهتماما رئيسيا لنشر الإسلام، فكانت مدينة الموصل في عهده قاعدة انطلاق وانتشار دين الإسلام إلى أرجاء مناطق ولاية الموصل، فأسلم على يد عرفجة غالبية أهل تلك البلاد من العرب المسيحين، ودخل الأكراد في الدين الجديد، وترسخت دعائم العصر العربي الإسلامي في ولاية الموصل، ولم يزل عرفجة أميرا واليا عليها إلى أن توفى سنة أربعة وثلاثون من الهجرة النبوية الشريفة الموافق ستمائة وأربعة وخمسون من الميلاد، وهكذا كان القضاء على ردة أهل عمان ومهرة وعك والأشعريين حيث كانت عمان تابعة لفارس وعليها أمير يدعى جيفر بن عبد الله بن مالك من بني سليم، وقد أرسل إليه النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه فأسلم على يديه، زأقام عمرو رضي الله عنه بين القوم حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

حيث عاد إلى المدينة بعد أن ارتدّ أهل عمان، وفرّ جيفر إلى الجبال ولم يرتد مع المرتدين، وقد تزعم ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي حركة الارتداد، وادّعى النبوة مقتديا بغيره، وكان يُعرف بالجلندى، وعندما بلغت أخبار الردة مسامع أبي بكر الصديق أرسل ثلاث فرق عسكرية إلى المنطقة الأولى بقيادة حذيفة بن محصن الغلفانى الحميري رضي الله عنه، والثانية بقيادة عرفجة بن هرثمة البارقى الأزدي رضي الله عنه، والثالثة بقيادة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، والتقى الطرفان في دبا وأسفر عن انتصار المسلمين، وأقام حذيفة رضي الله عنه بعمان يوطد الأمور ويسكن الناس، وعاد عرفجة رضي الله عنه إلى المدينة ومعه خمس الغنائم، وتوجه عكرمة غربا إلى مهرة، فأخضع سكانها من المرتدين بقيادة المـصيح أَحد بنى محارب، وارتدت قبائل عك والأشعريين بتهامة وانضم إليهم الأوزاع، فتمركزوا في الأعلاب وقطعوا المواصلات بين مكة والساحل، فتعطل الأمن على الطريق المؤدى إلى اليمن، وكانت الطائف أقرب المدن الإسلامية إلى هذا الطريق فكتب عاملها طاهر بن أبى هالة رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه يشرح له الوضع المتدهور، ويستأذنه بإخضاع المرتدين فأذن له، فاصطدم بهم في الأعلاب وهزمهم.عرفجة بن هرثمة " الجزء الثامن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى