مقال

ظالم بن سارق ” الجزء الأول

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ومازال الحديث موصولا عن المرتدين وعن مدعى النبوة وقد تحدثنا عن مدعى النبوه الشهير فى العصر الحديث صلاح شعيشع وهو رجل إدعى النبوة في الاسكندرية والاهالي كانوا بيقولوا له صلى الله عليه وسلم، وقد بدأ شعيشع نشاطه الدينى قبل ذلك فى أوائل الستينيات حين اهتم بتحضير الأرواح، والالتقاء بمدعى التعامل مع الجان، ثم اتجه إلى الصوفية وأنشأ جماعة خاصة به، لكن لم يلبث أن انفض عنه أنصاره، وإن ومكمن شهرة شعيشع أن أتباعه لم يقتصروا على البسطاء بل كان منهم أطباء وأساتذة جامعيون ومهندسون وبعض من كبار رجال الأعمال فى الإسكندرية، وكانت له طقوس غريبة يمارسها مع أتباعه كتقبيل الرجال والنساء من أفواههم فيما كان يسميه القبلة المحمدية القدسية، كما أسقط عن أتباعه الذين كان يفرض عليهم الأتاوات وجاوز عددهم ألف ومائتى شخص فروض الصلاة والحج والزكاة وغيرها، وأما عن ظالم بن سارق، فقيل أن إسمه ظالم، وقيل اسمه قاطع، وقيل غالب بن سارق، وقيل ابن سرّاق.

 

وقيل ابن سراف بن صُبح الأَزدى العتكى البصرى، وهو والد المُهلب بن أبى صفرة، وقد ذكره ابن السكن في الصحابة، وروى أن أبا صفرة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبايعه وعليه حلة صفراء يسحبها خلفه دراعة، وله طول وجثة وجمال وفصاحة لسان، فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أنت؟ قال أنا قاطع بن سارق بن ظالم ابن عمر بن شهاب بن الهلقام بن الجلند بن السلم الذى كان يأخذ كل سفينة غصبا، أنا الملك بن الملك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أنت أبو صفرة، دع عنك سارقا وظالما، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله حقا، حقا يا رسول الله، إن لي ثمانية عشر ذكرا، ورزقت بنتا سميتها صفرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” فأنت أبو صفرة” وكان أبو صفرة من أزد دبا، ودبا فيما بين عمان والبحرين، ودبا الحصن هى مدينة هادئة تقع على الساحل، عرفت فى التاريخ وكانت موطنا رئيسيا للهجرات التي وفدت على الخليج العربي من اليمن.

 

وقد ساهم موقعها الجغرافي الهام في دعم مكانتها التجارية على المحيط الهندى، وتطل دبا الحصن على ضفاف الشاطئ الغربي لخليج عمان، وتتميز بموقعها الجغرافى الذي يمثل الامتداد الشرقى الطبيعي لإمارة الشارقة، فدبا الحصن من المدن الجميلة التابعة لهذه الإمارة، وتجاورها دبا الفجيرة ودبا البيعة، ويرتبط اسم دبا بسوق من أسواق العرب بالجاهلية مثل سوق عكاظ وعدن وصنعاء وعمان وحضرموت، وكان ذلك السوق يسمى بسوق دبا ويجمع بين تجار جزيرة العرب والهند والسند وبلاد فارس والصين، وبسبب الحركة التجارية التي كانت تشهدها دبا في الماضي، ولأن تربتها خصبة للمحاصيل الزراعية، توافدت عليها أنواع كثيرة من المحاصيل الزراعية وتم زراعتها فيما بعد وانتشرت في المنطقة بعد ذلك، وكان أغلب رجال مدينة دبا الحصن يعملون في البحر كصيد الاسماك وغواصين على اللؤلؤ وبناء السفن الخشبية أو رحالة، فقد وصل بعضهم إلى شرق أفريقيا والهند وبلاد فارس، وكان البعض الآخر منهم يعمل فى الزراعة.

 

وكانوا يشتهرون بجودة محاصيلهم وخاصة الرطب والمانجو والخضروات، وكان للمرأة في مجتمع دبا الحصن دور بارز حيث يغيب الرجال بسبب الانشغال أو الأسفار لطلب الرزق، فكانت المرأة تتحمل أعباء كثيرة في تربية الأبناء، وكانت تقضي وقتها في أعمال مختلفة من أجل توفير الماء والغذاء للأسرة، وبالإرادة والروية يمكن صنع المستحيلات، فبالنظر إلى عبقرية التاريخ وحكمة الجغرافيا يمكن استعادة الأمجاد، وهكذا هو الحال في دبا الحصن التي تحولت خلال مدة قصيرة من واحة تقيم فى الماضي تستدعي نواميسه وأحواله إلى مدينة ترفن بالنعيم وتتجدد بوتيرة صاعدة، في دبا الحصن يتعانق الماضي مع المستقبل ضمن بانوراما مشهدية ودلالية تباشر ثقافة استثنائية للعمل وتحقيق الأحلام، وتقديم رافد آخر من روافد النماء المادى والروحي لإمارة الشارقة، فإن مدينة دبا ذات التاريخ المغرق في العراقه والقدم, تحدث عنها ابو حيان التوحيدي في كتاب الامتاع والمؤانسه، وسرد لنا قصتها المرزوقي المتوفى عام ربعمائة وواحد وعشرون.

 

من الهجرة في كتاب الازمنة والامكنه، وقد ورد اسم هذه المدينة في كتابين هما مراصد الاطلاع، واحسن التقاسيم في معرفة الاقاليم، وكل هؤلاء قالوا عنها انها كانت احد اسواق العرب في الجاهلية وسوقها المعروف باسم سوق دبا، وكان واليها هو الجلندى بن المستكبر، وعندما اشرق الاسلام بنوره على المنطقة كان اهل دبا ومعهم اهل المنطقة قد استاجبوا للدعوة الالهية، وهى من جملة أسواق العرب وتقوم سوقها في آخر يوم من رجب وتجمع بين تجار جزيرة العرب والهند والسند والصين، ويبدو أنها كانت ذات شأن ثم اضمحل مركزها, ولعل السوق المذكورة كانت عندما فتحها المسلمون أيام الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه فى العام الحادى عشر هجرية وكانت العادة ألا يباع فيها شيء حتى يبيع ملكها الجلندى بن المستكبر كل ما عنده, وذكر أبو حيان التوحيدى سنة ربعمائة من الهجرة في كتابه الإمتاع والمؤانسة، أنها من أسواق العرب، حيث تقع شرقي خورفكان بينما تفصل إمارة الفجيرة بين كلبا وخورفكان, وهى ساحل نظيف.

 

على خليج عمان تحده جبال عمان التي تستمر حتى خليج عمان, وبها الكثير من الأخاديد العميقة, وتنحدر منها المياه إلى السهول لتسقى المزارع والبساتين شتاء, أما الساحل فتقدر سعة مدخله بحوالي سبعة كيلو مترات, والقسم التابع لإمارة الشارقة من دبا يسمى دبا الحصن وبه ميناء للصيد وسوق تجارى، وقد ظهر فيها قادة وعلماء، منهم كعب بن سوار بن بكر الذي تولى قضاء البصرة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، والمهلب بن أبى صفرة الذي كان قائدا لجيوش المسلمين في عهد الدولة الأموية، وفي العصر الحديث إشتهر بها الشيخ صالح بن محمد الكمزاري الشحي، الذى ورد ذكره في كتاب مخاطر الإستكشاف فى الجزيرة العربية لمؤلفه وليام توماس، ومن المعالم الأثرية في دباء تلك القلعة المسماة السيبة، وكما يوجد بها قلعة سبطان والمقبرة المعروفة بمقبرة أمير الجيش، والتي ينسب وجودها إلى حروب الردة، ومن معالمها السياحية، وجود الخلجان الواسعة الواقعة في وسط الجبال، والمعروفة بخلجان الغباين.

 

والتي يتخذها الصيادون ملجا لهم عند هياج البحر، ومن أهم هذه الخلجان خور معلى والميم، كما يوجد عين ماء يسمونها السقطة إلى جانب عدد من الكهوف الواسعة داخل الجبال، وفي دبا عدد من الحرف والصناعات والفنون التقليدية، فمن أهم الحرف صيد الأسماك والزراعة وتربية الماشية، ومن اهم صناعاتها التقليدية هى صناعة السفن الصغيرة والحدادة والسعفيات والنسيج، وأما المسجد والمسمى بمسجد القلعة أو مسجد العثمانيين والذى يقع في الطريق من دبا إلى الفجيرة فيعد إعجازا هندسيا أثريا رغم صغر مساحته حيث أن سقفه مكون من أربع قباب يحملها عمود واحد وهذا المسجد ليس له شبيه أو مثيل في جميع أنحاء العالم مما يجعله متفردا بهذا الشكل والتصميم والطراز حيث أن النسق الذي بني عليه بقبابه المحمولة يستهدف تكبير الصوت داخل المسجد من خلال الصدى ورغم أن تاريخ بنائه غير محدد على وجه الدقة إلا أنه مبني في العصر العثمانى، وعثر كذلك في مدينة دبا على بعض العملات القديمة بالقرب من القبور.ظالم بن سارق " الجزء الأول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى