مقال

ظالم بن سارق ” الجزء الثانى

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع ظالم بن سارق، وقد توقفنا مع مدينة دبا، وعثر كذلك في مدينة دبا على بعض العملات القديمة بالقرب من القبور التي يرجع تاريخها الى القرن الأول الهجري، وفى وادى منساره عثر على فخار اسلامى مزجج ذى بريق يشبه الفخار الهلنتى كما اكتشف نوع آخر من الفخار له لون بني غامق مصقول وكلها من المقتنيات الأثرية التى عثر عليها المنقبون أثناء بعثات التنقيب المتتالية على المنطقة، ويذكر المؤرخون أن دبا كانت مركزا تجاريا هاما في عهد الفينيقيين، وقد دخل أهل دبا الإسلام عام ستمائة وعشرون ميلادية وقال الاصمعى، أن دبا سوق من أسواق العرب وهي مدينة قديمة مشهورة لها ذكر في أيام العرب وأخبارها وأشعارها، وكانت توصف قديما بأنها قصبة عمان ولعل هذه السوق المذكورة فتحها المسلمون في أيام أبى بكر الصديق رضي الله عنه عنوة فى السنة الحادية عشرة من الهجرة، ولقد إشتهرت ببيئتها الخصبة المليئة بالأصداف البحرية الكبيرة اللازمة لصناعة الخزف والنقوش للمبانى.

 

وصناعة أزرار الملابس وغيرها من، الأستخدامات الصناعية الأوروبية فى ذلك الوقت، ولتجارة الأصداف في دبا قديما أصول وقواعد تتبع حيث كانت تباع بالوزن وكانت السفينة تجلب في رحلة واحدة حوالي من ألف إلى ألف وخمسمائة من الأصداف، وكان المن الواحد من تلك الأصداف يساوي حوالى خمسة أصداف كبيرة، وكما كانت دبا أيضا تشتهر بصيد الأسماك وتصدير أنواع كبيرة منها مثل أسماك السردين والمالح والشعاريف إلى الخارج إضافة إلى توافر أسماك أم الروبيان قرب سواحلها حيث تعيش تلك الأنواع من الأسماك على الصخور ولم يكن الأهالي يهتمون بصيد هذا النوع من الأسماك برغم سهولة صيدها حيث يسلط عليها ضوء فتقترب من هذا الضوء ويمكن إمساكها باليد، وبرغم وجود المدينة على ساحل البحر إلا أنها تتمتع بمصادر عذبة ووفيرة للمياه بجانب تربة زراعية خصبة لذا فهي بيئة زراعية يحرص الكثير من أهلها على العمل بالزراعة واستثمارها خير استثمار وتحوي العديد من الثمار والنخيل المثمرة.

 

الى جانب أشجار الليمون والمانجو والرمان والفرصاد التوت وغيرها من أنواع الحمضيات والفواكه المختلفة، فهى واحة الحضارة والأصالة، وإن دبا مدينة الحضارة والتاريخ واحة الإمارات الخضراء ومعقل التراث والآثار الخالدة التى تعود الى الألف الرابع قبل الميلاد، فهى بحق رمز من رموز التقدم والعطاء، وتحفة فنية وحضارية، وهى مدينة عصرية حديثة تسر الناظرين عندما تشتاق الى الأصالة ويشدك الحنين الى الماضى فبين حدائقها السندسية الخضراء المطرزة بالورود والرياحين ستجد روعة الحاضر الزاهر وأصالة التاريخ يتعانقان على ارضها، حيث تمتاز مدينة دبا بموقعها الجغرافى الرائع على الساحل الشرقى لدولة الإمارات وهى منارا سياحيا لما تمتاز به من مناظر طبيعية خلابة وجبال وأودية وشلالات وينابيع طبيعية وقلاع أثرية وشواطئها الجميلة، وتطل شواطئها على خليج عمان والمحيط الهندى لتضفى روعة أخرى إلى روعة الساحل الشرقى، ودبي هي تصغير لكلمة دبا التي كانت سوقا مشهورا.

 

ولقد سميت دبي بهذا الاسم تشبيها لها بسوق دبا، وقيل تصغير دبا وهو الجراد الذى لم تثبت له الأجنحة بعد سميت بذلك لأنها كان ينتشر فيها الجراد آنذاك قبل أن تسكن ومن أسمائها الوصل، وأما عن ظالم بن سارق قد أسلم فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، ونزل على حكم حذيفة، فبعثه إلى أبى بكر فأعتقه، وأخرجه الطبراني فى الأوسط، من طريق زياد بن عبد الله القرشى، وقيل دخلت على هند بنت المهلب بن أبي صفرة، وهي امرأة الحجاج وبيدها مغزل تغزل به، فقلت لها تغزلين وأنت امرأة أمير؟ فقالت إن أبي يحدث عن جدى، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” أطولكن طاقا أعظمكن أجرا” وقالوا وفد الأزد من دبا مقرين بالإسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث عليهم حذيفة بن اليمان الأزدى مصدقا، وكتب له فرائض صدقاتهم، فذكر الحديث في الردة وقتال عكرمة إياهم، وغلبته عليهم، وإرسال سبيهم إلى أبى بكر الصديق مع حذيفة، قال فحدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده.

 

قال لما قدم سبي أهل دبا، وفيهم أبو صُفرة غلام لم يبلغ الحلم، فأنزلهم أبو بكر الصديق في دار رملة بنت الحارث، وهو يريد أن يقتل المقاتلة، فقال له عمر بن الخطاب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم مؤمنون، إنما شحوا على أموالهم، فقال انطلقوا إلى أى البلاد شئتم، فأنتم قوم أحرار، فخرجوا فنزلوا البصرة، فكان أبو صفرة والد المهلب فيمن نزل البصرة، وقال أبو عمر، كان أبو صفرة مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفد عليه، ووفد على عمر بن الخطاب في عشرة من ولده، وكان المهلب أصغرهم، فجعل عمر بن الخطاب ينظر إليهم ويتوسم، ثم قال لأبى صفرة هذا سيد ولدك، وهو يومئذ أصغرهم، وقال عمر بن شبة فى أخبار البصرة أوفد عثمان بن أبى العاص وهو أمير البصرة أبا صفرة فى رجال من الأزد على عمر بن الخطاب، فسألهم عن أسمائهم، وسأل أبا صفرة، فقال أنا ظالم بن سارق، وكان أبيض الرأس واللحية، فأتاه وقد اختضب، فقال أنت أبو صفرة، فغلبت عليه الكنية، وقال ابن حجر العسقلانى.

 

فهذا معارض لرواية الواقدى أنه كان لما وفد غلاما لم يبلغ الحلم، وقال الأصمعى في ديوان زياد الأعجم إن أبا صفرة سأل عثمان بن أبي العاص أن يقطعه فأقطعه خططا بالمهالبة، فقيل له إن هذا الرجل أقلف، فدعا به، فقال ويحك، أما تطهرت؟ قال والله يا أمير المؤمنين، إنى لأفعل ذلك خمس مرات في اليوم، قال إنما سألتك عن الختان، فقال والله، أعز الله الأمير، ما عرفت ذلك، فأمره فاختتن، قال وفي ذلك يقول زياد بن الأعجم ” اختتن القوم بعدما شمطوا واستعربوا بعد إذ هم عجم” وكان إنه هو المهلب بن أبى صفرة، وهو المهلب بن أبي صفرة الأزدى وكان مولده فى السنة الثامنه من الهجرة، وتوفى فى السنه الثانية والثمانين من الهجرة، وكانت كنيته أبو سعيد، وعن يحيى بن معين أنه قال المهلب بن أبي صفرة هو مهلب بن ظالم بن سارق، وجاء في طبقات ابن سعد أن المهلب كان من التابعين وقد ولد عام الفتح الذي كان سنة ثمان من الهجرة، وكان المهلب بن أبى صفرة يتمتع بكثير من الصفات الحميدة، والتى لا تتوفر فى كثير من الرجال.

 

مثل الشجاعة والقدرة الفائقة على القتال وإدارة المعارك بكفاءة منقطعة النظير، فهو الذى مهد لفتح السند ومدينة خجندة على نهر سيحون بينها وبين سمرقند عشرة أيام وهو الذى استعاد منطقة الختل وقد ظل يحارب الخوارج طيلة تسعة عشر سنة ولم يقضى على شوكتهم غيره،ولقد كان من صفاته الكرم، فقد كان من أكرم أهل زمانه والأمثلة على ذلك كثيره منه، أنه أقبل يوما من احدى غزواته فتلقته امرأة فقالت له أيها الأمير إنى نذرت إن أنت أقبلت سالما أن أصوم شهرا وتهب لى جارية وألف درهم فضحك المهلب وقال قد وفينا نذرك فلا تعودى لمثلها فليس كل أحد يفى لك به، ووقف له رجل فقال أريد منك حويجه وهى تصغير حاجة فقال المهلب اطلب لها رجيلا تصغير رجل يعنى أن مثلى لا يسأل إلا حاجة عظيمة، وكان المهلب يوصى خدمه أن يقللوا من الماء ويكثروا من الطعام عندما يكون ضيوفه على خوانه حتى لا يملأ الضيوف بطونهم بالماء وحتى يملأها من الطعام، ولقد كان من صفاته أيضا الحلم، فكان رضى الله عنه من أحلم الناس.ظالم بن سارق " الجزء الثانى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى