مقال

القعقاع بن عمرو ” الجزء السادس “

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع القائد الشجاع القعقاع بن عمرو، وقد توقفنا عند صباح يوم أغواث، فكانت بداية حسنة وجيدة للمسلمين، استبشروا بها خيرا، ورفعت معنوياتهم بعد يوم متعب وصعب وهو يوم أرماث، وقد عمد القعقاع إلى أسلوب تكتيكي رائع قبل وصوله، واخترع شكلا من أشكال الفن العسكرى فى المعارك، حيث قسم القعقاع فرسانه الألف إلى عشرة عشرة، وعهد إليهم أن يتوافدوا إلى أرض المعركة كل عشرة على حدا، وأن لاتتحرك المجموعة الأخرى حتى تصل الأولى، فتقدم القعقاع على رأس العشرة الأولى، ووصل إلى المسلمين وسلم عليهم، وبشرهم بقدوم المدد من الشام، وقال لهم “يا أيها الناس أني قد جئتكم في قوم، والله لو كانوا مكانكم، ثم أحسوكم حسدوكم حظوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فإصنعوا كما أصنع” ورغم صعوبة السفر وعنائه لم يخلد القعقاع للراحة، بل توجه إلى ميدان القتال مناديا من يبارز؟ وكان فرسان الفرس على معرفة تامة بالقعقاع من حروبهم السابقة وأنه فارس لايشق له غبار، مرهوب الجانب في المعارك.

 

فترددوا في الخروج إليه، فاضطر أشجع فارس فيهم إلى الخروج إليه وهو بهمن جاذويه فقال له القعقاع من أنت؟ فقال أنا بهمن جاذوية، وعندها تذكر القعقاع ما أصاب المسلمين في موقعة الجسر على يد هذا القائد، ومقتل أبو عبيد الثقفي وألاف المسلمين، فثار الدم في جسمه ورأى أنها الفرصة المناسبة للأخذ بثأر المسلمين، فصاح القعقاع في وجه بهمن جاذوية يألثارات أبو عبيد وسليط وأصحاب الجسر، وهجم القعقاع على بهمن جاذوية وقتله، وسر المسلمون بمقتله، ووهنت الفرس، فكانت هذه بداية حسنة للمسلمين، وبداية سيئة للفرس في هذا اليوم، وخرج القعقاع مرة أخرى يطلب المبارزة، فخرج له فارسان من الفرس وهما البندوان والبيرزان، وانضم للقعقاع الحارث بن ظبيان، فبارز القعقاع البيرزان وقتله، وقتل الحارث البندوان، وبعدها اشتعلت المعركة، وبدأ القتال العنيف، وجعل القعقاع يشد من أزر المسلمين بخطبة حماسية فكان يقول لهم “يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف، فإنما يحصد الناس بها” ولم تشترك الفيلة في هذا اليوم.

 

لأن توابيتها تكسرت في الأمس، فاستأنفوا إصلاحها في هذا ذلك اليوم، فأراد القعقاع أن يرهب خيل الفرس، كما فعلت الفيلة بالأمس بخيل المسلمين، فحمل هو ورجال من بنى عمه بني تميم على أبل قد برقعوها، وجعل لهذه الأبل المبرقعة فرسان تحميها، وحدث له ما أراد، فقد نفرت منها خيل الفرس، مما ساعد المسلمين على حربهم وطعانهم، ولقيت الفرس فى هذا اليوم أشد من مالقيه المسلمون من الفيلة بالأمس، وظهر النصر في يوم أغواث للمسلمين بفضل الله عز وجل ثم بفضل خطط القعقاع بن عمرو، التي كانت لها الدور الأكبر في إرجاع كفة المعركة لصالح المسلمين، وقد حمل القعقاع في هذا اليوم ثلاثين حملة على الفرس، وفي كل حملة يقتل فارسا أو أكثر، وجعل القعقاع يرتجز ويقول ” أزعجهم عمدا بها إزعاجا أطعن طعنا صائبا ثجاجا، وقد قتل القعقاع فى ذلك اليوم، عظيما من عظماء قادة الفرس، يقال له بزرجمهر، وفيه يقول القعقاع “حبوته جيلشه بالنفس هدارة مثل شعاع الشمس، في يوم أغواث فليل الفرس أنخس بالقوم أشد النخس”

 

وقد استمر القتال بين الفريقين حتى منتصف الليل، وكانت ليلة أغواث تسمى ليلة السواد، ورجع الجيشان إلى مواقعهم بعد أن رجحت كفة المسلمين في يوم أغواث، ومما قاله القعقاع في هذا اليوم ” لم تعرف الخيل العراب سواءنا عشية أغواث بجنب القوادس، عشية رحنا بالرماح كأنها على القوم ألوان الطيور الرسارس” وقد جاء الحديث عن الجهاد، والترغيب فيه لما تعلمون من حال الأمة حين تخلت عنه، واستبدلته بمتع الدنيا، فخسرت الدنيا، وعرضت نفسها لعقوبة الله في الآخرة، والجهاد فى سبيل الله طريقنا إلى العز والتمكين في الدنيا، وهو طريق موصل للجنة ونعيمها في الآخرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ” الجنة تحت بارقة السيوف وإن “الجنة تحت ظلالِ السيوف” رواه البخارى، ولا ريب أن الجهاد يكون بالنفس، والمال، والقلب، واللسان، فقال ابن القيم رحمه الله والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين، إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، وليس يخفى أن الإخلاص شرط في قبول الأعمال كلها.

 

وقد جاء النص عليه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم “والله أعلم بمن يجاهد في سبيله” رواه البخارى، وجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن فى سبيل الله؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم “مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” رواه البخارى، ومن هنا يكون الحديث عن الجهاد الذى ترفع به راية الإسلام وينشر به العدل، ويحقق به حكم الله فى الأرض، ويُذل به الكفار، وتطهر به الأرض من الظلم والجور، ويخلى بين الناس وعبوديتهم لرب العالمين وليس الجهاد الذى تزهق به الأرواح بغير حق، أو تدمر به الممتلكات بغير علم ودون فائدة، أو ترفع به الرايات العميّة، أو يكون ميدانا للشهرة، أو تبرز فيه العصبيات والإقليميات الضيقة، وأما عن يوم عماس، فقد أشرقت شمس اليوم الثالث والمسلمون والفرس فى مواقعهم على استعداد كامل لبدء يوم ثالث في القتال، ورأى القعقاع أن يبدأ هذا اليوم بعمل يرفع فيه شأن المسلمين.

 

لأنه خشي أن لايتمكن هاشم بن عتبة والجيش الذي معه من الوصول في هذا اليوم، فبات القعقاع يسرب أصحابه الألف الذين جاءوا معه، إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس، قائلاً لهم إذا طلعت الشمس فاقبلوا مئة مئة، كلما توارت مئة تبعتها المئة الأخرى، فإذا جاء هاشم بن عتبة بمن معه من الجيش فذاك هو المراد، وإلا جددتم على الناس رجائهم وبدأ القتال في يوم عماس بين الجيشان بالمبارزة والضرب والطعان، وبدأ أصحاب القعقاع بالتوافد إلى ميدان القتال، فلما رأهم القعقاع كبر وكبر معه المسلمون، وقالوا جاء المدد، وكلما طلعت مئة عليهم كبر القعقاع وكبر معه المسلمون، فزاد ذلك من عزيمتهم وشدتهم على عدوهم، وعندما أوشكت المئة الأخيرة أن تتحرك، طلع عليهم هاشم بن عتبة على مقدمة الجيش ومعه سبعمائة فارس قادمين من الشام، فأخبروه بما صنع القعقاع فاستحسن ذلك، ورأى أن يسير على نفس خطة القعقاع، فقسم جيشه إلى كتائب، كل كتيبة بنحو سبعين فارسا، وأمرهم أن يقدموا على ميدان القتال فوجا بعد فوج.

 

وخرج هاشم على مقدمة جيشه، حتى وصل إلى أرض المعركة، كبر وكبر معه المسلمون، ثم قال أول القتال المطاردة، ثم المراماة، وقد استخدم الفرس في هذا اليوم سلاحهم الفتاك الفيلة، وقد رأى ما كان صنعه المسلمون بالفيلة في اليوم الأول بتحطيم توابيتها، فقاموا بوضع فرسان لحمايتها، وبدأ القتال في يوم عماس بقتال شديد من أوله إلى آخره، وبعث يزدجرد بالنجدات والمدد إلى الفرس بالقادسية، وكان القتال سجالا بين الطرفين، وأحسن الفرس توجيه ما معهم من فيلة، فهاجمت المسلمين وفتكت بهم، وفرقت جموعهم، فراى قائد المسلمين سعد بن أبي وقاص ماتفعله الفيلة بصفوف المسلمين، فاستشار بعض الفرس الذين كانوا قد أسلموا، وانضموا إلى جيوش المسلمين عن أفضل وسيلة لكسر شوكت هذه الفيلة، فقالوا له المشافر والعيون لاينتفع بها بعدهما فجال سعد ببصره يمينة ويسارة للبحث على من يحسن القيام بهذه المهمة، فوقع اختياره على القعقاع بن عمرو وأخيه عاصم بن عمرو التميمي، فأرسل إليهما أكفيانى الفيل الأبيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى