مقال

أحكام الصيام ” الجزء السابع “

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع أحكام الصيام، وقد توقفنا عندما أوصى المجمع الإسلامى أنه على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق، وقد زادت الندوة الفقهية الطبية التاسعة أمورا على أنها ليست من المفطرات بإجماع أعضائها، وهو التبرع بالدم سواء للمنقول منه، أو المنقول إليه، وزادت بالأغلبية الأمور التالية وهى قطرة الأنف، وبخاخ الأنف ، وبخاخ الربو، وممن أفتى بأن بخاخ الربو لا يفطر العلاماتان ابن باز وابن العثيمين رحمهما الله، وما يدخل الشرج من حقنة شرجية، أو تحاميل وهو لبوس أو منظار، أو إصبع طبيب فاحص، والعمليات الجراحية بالتخدير العام، إذا كان المريض نوى الصيام من الليل، وأيضا الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقنا في الصفاق وهو الباريتون، أو بالكلية الاصطناعية، وأيضا منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل أو مواد أخرى، وأما عن الحقن المغذية مثل الجلوكوز فقد اختلف فيها الفقهاء المعاصرون.

 

على أنه لا يحتاج إليها إلا مريض مرضا شديدا يباح معه الفطر، وأما عن العلاقة الزوجية في رمضان، وهو أنه يجوز للصائم أن يقبل زوجته، وأن يضمها، وأن يعانقها، ولكن يحذر من أن يمص رضابها وهو لعابها فهذا يبطل الصيام، ويوجب القضاء فضلا عن حرمته، وأن يحذر من خروج المنى بأثر هذه المقدمات، فهذا مفسد للصيام عند جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى غير ذلك، وأن تشتد شهوته فلا يملك نفسه عن الجماع، والجماع للصائم معصية كبرى، وتوجب القضاء والكفارة، فمن لا يملك نفسه يبتعد عن التقبيل ونحوه، ومن يملك نفسه فجائز له هذا، وأما عن مبطلات الصيام فهى أنواع فإن هناك نوع يبطله ويوجب الإثم والقضاء والكفارة وهو الجماع لا غير، وعلى الزوجة كفارة مثل الرجل طالما كانت مختارة مطاوعة، وبعض العلماء لا يرى كفارة عليها، والجمهور على أن الكفارة على الترتيب، أى العتق، فإن عجز فصيام ستين يوما، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، وذهب بعض العلماء مثل ابن حزم وغيره إلى أن الكفارة فقط.

 

هي الواجبة هنا دون القضاء وهو الراجح، وأن هناك نوع يبطله ويوجب القضاء فقط، ولا يوجب إثما ولا كفارة، وهو الحيض والنفاس حتى لو أصيبت المرأة بهما قبل الغروب بلحظة، ونوع يبطله، ويوجب القضاء والإثم دون الكفارة، وهو الأكل والشرب عمدا، والتدخين، وتناول المخدرات شربا ومضغا واستنشاقا وحقنا، وإنزال المنى بالمباشرة أو الاستمناء، وأن هناك نوع يبطله، ويوجب القضاء فقط دون إثم أو كفارة، وهو الأدوية التي تتناول بالفم شربا أو امتصاصا أو ابتلاعا، ومثله المكياج الذى يوضع بالشفتين إذا تحلل منه شيء ووصل إلى المعدة، وأن هناك أمور لا تفطر الصائم، ومن الأمور التى لا تفطر الصائم أكثر من أن تحصى، والذى يمكن أن يحصى هو المفطرات، وضابط ما يفطر الصائم من المفطرات الاختيارية الطعام والشراب وما في معناهما، والدواء المأخوذ من طريق الفم، والجماع، وبعض العلماء يزيد على ذلك أشياء ذكرتها في موضعها، وأما ما لا يفطر الصائم فكثير، فيقول العلامة ابن حزم ولا ينقض الصوم حجامة.

 

ولا احتلام، ولا قيء غالب، ولا قلس وهو ما تقذفه المعدة عند امتلائها خارج من الحلق ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه، ولا دم خارج من الأسنان أو الجوف، ما لم يتعمد بلعه، ولا حقنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل وهو رأس الذكر، أو فى أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلق، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ولا كحل، وإن بلغ إلى الحلق نهارا أو ليلا، بعقاقير أو بغيرها، ولا غبار طحن، أو غربلة دقيق، أو حناء، أو غير ذلك أو عطر، أو حنظل، أو أى شىء كان، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة، ولا من رفع رأسه فوقع فى حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك منه، ولا مضغ أو علك، ولا سواك برطب أو يابس، ومضغ طعام حتى يستسيغه أو تذوقه، ما لم يتعمد بلعه، ولا مداواة جائفة أو مأمومة وهو جرح بالرأس بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك، ولا طعام وجد بين الأسنان أى وقت من النهار وجد، إذا رمى، ولا دخول حمام، ولا تغطيس في ماء، ولا دهن شارب، ولا يفطر بابتلاع ريقه ولو كثر.

 

والنخامة وهى البلغم والمخاط لا تفطر كما هو المعتمد عند المالكية، ورجحه الشيخ ابن العثيمين، ولكنه ذهب إلى حرمة ابتلاع المخاط لضرره واستقذاره، ونحن نرى أن المرجع في ذلك للأطباء فإن كان في ابتلاعه ضرر فيحرم أو يكره حسب نسبة الضرر وإلا فلا، وإذا ابتلع ما علق بين أسنانه بغير قصد أو كان قليلا يعجز عن تمييزه ومجّه فهو تبع للريق ولا يفطر، وإن كان كثيرا يمكنه لفظه فإن لفظه فلا شيء عليه وإن ابتلعه عامدا فسد صومه، وإذا كان في لثته قروح أو دميت بالسواك فلا يجوز ابتلاع الدم وعليه إخراجه فإن دخل حلقه بغير اختياره ولا قصده فلا شيء عليه، واستنشاق بخار الماء فى مثل حال العاملين فى محطات تحلية المياه لا يضر صومهم، وإذا أخر الصائم الجنب الغسل إلى الصباح فلا يفطر بذلك ولكن عليه أن يبادر بالغسل ليدرك الصلاة، وإذا نام الصائم فاحتلم فلا يفسد صومه إجماعا، وأما عن الصيام والنسيان والخطأ، فإنه من أكل أو شرب ناسيا فقد أطعمه الله وسقاه، ولا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة سواء أكان صوم نافلة أو فريضة.

 

ومن ظن أن الشمس غربت فأفطر فبان خطؤه فالجمهور على أن عليه القضاء، والراجح أنه لا قضاء عليه، كما أن الراجح أن من تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع فبان خطؤه أنه لا قضاء عليه وإن كان الجمهور يوجبون القضاء في الحالتين، ولا فرق بين من أكل ناسيا أو جامع ناسيا، وللمسلم أن يأكل حتى يتيقن من طلوع الفجر، فإذا كان يشك هل طلع الفجر أم لا فيجوز له أن يأكل حتى يتيقن، فقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت” وهو مذهب الجمهور، ورجحه شيخ الإسلام، وجاءت آثار عن الصحابة تفيد ما هو فوق ذلك، ومن تعاطى مفسدا من مفسدات الصيام جاهلا فلا يفسد صيامه إذا كان قريب عهد بإسلام، وأما غيره فلا، ومن أكره على تعاطى ما يفطر فالراجح أنه لا يفطر خلافا للجمهور، والدم الخارج من اللثة لا يفطر الصائم مالم يتعمد ابتلاعه وهو بعيد ورجوع بعض الدم إلى الحلق غلبة أى دون قصد لا يفسد الصيام، فإن الصيام دون صلاة حسنة مع سيئة كبرى.

 

والسيئة لا تمحو الحسنة، وأما من رأى أن ترك الصلاة كفر فلا يثاب تارك الصلاة عنده إن صام لأنه يلقى الله كافرا، والترجية هنا أولى من التيئيس، وذهب بعض السلف إلى أن معصية اللسان مثل الغيبة ومعصية الأذن مثل استماع الغيبة ومعصية العين مثل النظرة المحرمة ومعصية اليد والرجل كل ذلك من مفسدات الصيام، والجمهور على أنه لا يفطر شيء من ذلك غير أن الجميع متفق على أن المعاصى تذهب بثواب الصيام، وكفى تخويفا في هذا قوله صلى الله عليه وسلم” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخارى، وإن النية شرط في الصيام، والنية في الفقه غيرها فى التصوف والسلوك، فالأولى عزم القلب على الصيام أى نية العبادة والثانية إرادة ما عند الله بهذه العبادة وهو الإخلاص وكلاهما مطلوب من الصائم ففوات الأولى لا يكون معه صيام ، وفوات الثانية لا يكون معه ثواب وإن تحققت ألأولى، والذى رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أن من لم يستطع أن يوقن بأن غدا من رمضان أم لا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى