مقال

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء الأول “.. إعداد / محمـــد الدكــروى

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء الأول “

إعداد / محمـــد الدكــروى

إن حفاظ القرآن العاملين به هم أصفياء الله من خلقه، وخيرته من عباده، ومن أعلى الناس درجات في الجنة يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن لله أهلين من خلقه” قالوا “ومن هم يا رسول الله؟ قال “أهل القرآن هم أهل الله وخاصته” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرأها” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف” ونحن فى شهر رمضان فى روضة فواحة بالفضائل والعبادات المتنوعة، وعلى رأس هذه العبادات قراءة القرآن الكريم، فللقرآن ارتباط وثيق بالصيام عموما وبرمضان خصوصا، فكلاهما يصفى الروح ويجلو القلب والعقل، والقيام بهما معا له شأن من الحلاوة والراحة، وقد جمع رسول الله بين الصيام والقرآن فقال “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام أي رب، منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان”

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء الأول “

وفى رمضان أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فهذا هو شهر رمضان، شهر الصفح والرحمة والغفران، شهر العفو والروح والرضوان، شهر الفوز بالجنان، والعتق من النيران، شهر المساواة والمواساة والمجازاة والمعافاة، شهر الجود والكرم والسخاء، شهر البهجة والفرحة والهناء، شهر تشرق فيه وجوه المؤمنين، وتظلم وجوه الفاسقين، شهر تنزل فيه الرحمات تترى تنبت في قلوب المؤمنين الإيمان، وتزيدهم هدى، وتزودهم تقى، وترفعهم درجات علا، فإذا كان المسلم يجد في قلبه شوقا وحنينا إلى شهر رمضان، يروم أن يكثر فيه من الطاعات، ويجتهد في العبادات، ويستجلب الرحمات، ويقوم بالدعوات، ويتمنى أن يرجع من الذنوب والخطايا كيوم ولدته أمه، فهذا دليل على صدق إيمانه، وسلامة صدره، وحسن سريرته وطويته، ويناديه ملك من السماء يا باغى الخير أقبل، فرمضان فرصة سانحة، ومناسبة غالية لتزكية النفوس وتطهير القلوب من صدأ المعاصى والذنوب، وميدان فسيح للتنافس والتسابق والتسارع إلى الخيرات.

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء الأول “

والباقيات الصالحات، وفيه تدريب وتمرين وتعويد على اجتناب المعاصى والسيئات، والسيطرة على اللذات والشهوات، والابتعاد من الخوض في الموبقات والملهيات، هذا شهر مضان الذى انزل فيه القرآن وبه يهتدى الضال والحيران، ويتقى الحرمان والخسران، ويجتنب البغى والعدوان، وينأى عن الجحود والنكران، ويسلك طريق الرشد والرضوان، ويسير على درب الخير حتى يدخل الجنان دار السلام والقرار، فإنها النصيحة إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يغتنموا الفرصة في شهر رمضان، ويعظموا قدر القرآن ويرفعوا شأنه، ويعلوا مكانه في نفوسهم ونفوس أبنائهم وبناتهم وشبابهم وشيوخهم حتى تكون كلمة الله هي العليا، وأن نطلع على ما كان عليه السابقون من العناية الشديدة بالقرآن الكريم مدى العام عامة وفي رمضان خاصة هذا قتادة رحمه الله كان يختم القرآن في كل سبع ليال دائما، وفى رمضان فى كل ثلاث، وفى العشر الأخير منه فى كل ليلة، وهذا إبراهيم النخعى رحمه الله يختم القرآن.

فى رمضان فى كل ثلاث ليال، وفى العشر الأواخر فى كل ليلتين، وهذا سفيان الثورى رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وهذا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا فى صلاة، وهذا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن فى ركعة من صلاته ويقول هو “لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله” رحمهم الله جميعا ورضي عنهم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليعلم المسلم أن التدبر فى القرآن فريضة من فرائض الإسلام وشعيرة من شعائره، وواجب مِن واجباته، وبدونه لا يتم إيمانه ولا يتحقق إسلامه، ويقول الحسن البصرى رحمه الله “يا ابن آدم، والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حزنك، وليشتدن فى الدنيا خوفك، وليكثرن فى الدنيا بكاؤك” وإن القرآن أيها المؤمنون شفاء، وإن الرقية بالقرآن سنة ماضية فقد رقى جبريل عليه السلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء الأول “

وقد رقى النبى صلى الله عليه وسلم طائفة من الصحابة، فالرقية بالقرآن وبالأدعية النبوية امر جائز، فهيا لنجدد العهد مع الله بتلاوة القرآن والإقبال على تدبر آياته والعمل به لعل الله ان يرفعنا بالقرآن ويرحمنا بالقرآن ويدخلنا الجنة بالقرآن، وإن القرآن متدبرا ما تلاه لسان إلا طاب وحلا، ولا وصل أثره قلبا إلا صلح وصفا، ولا حل صدرا إلا انبسط وانشرح، ولا تأمل فيه عقل راجح إلا اتسع وانفسح، وهل هملت الدموع الصادقة عند تلاوته أو سماعه إلا بتدبره، وخشعت القلوب بعد أن كانت قاسية كالحجارة إلا بتعقله، وهل عرفت علوم الشريعة إلا بالنظر فيه، والتفكر فيما يحويه، فيقول تعالى كما جاء فى سورة النساء ” أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا” ألا إن الصديقين والشهداء والصالحين أوصلهم تدبر القرآن إلى ما هم فيه من المراتب العالية والمناقب السامية، وإن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين، ولقد كان لأهل الإيمان مع تدبر القرآن حديث مؤثر، خشعت له قلوبهم، ودمعت منه عيونهم.

وسارعت به إلى الأعمال الصالحة جوارحهم، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم “اقرأ على القرآن” قال فقلت يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال “إنى أشتهي أن أسمعه من غيرى” فقرأت النساء حتى إذا بلغت ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيد” من سورة النساء، رفعت رأسى أو غمزنى رجل إلى جنبي فرفعت رأسى فرأيت دموعه تسيل” فما الذي أبكاه عليه الصلاة والسلام إلا التدبر والتفكر فيما سمع، وكان خليفته أبوبكر الصديق رضي الله عنه رجلا أسيفا أى حزينا لا يفتتح الصلاة قارئا إلا هملت عيناه، وهذا هو عمر الفاروق رضي الله عنه في ليلة من ليالي عدله وإحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه يخرج ليتفقد رعيته، إذ مر بدار رجل من المسلمين فوافقه قائما يصلي فوقف يستمع قراءته فقرأ الطور حتى بلغ ” إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع” فقال عمر ” قسم ورب الكعبة، فنزل عن حماره واستند إلى حائط فمكث مليا ثم رجع إلى بيته.

فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، وما مرضه إلا تأثره بما سمع” وهذا الصحابي الكريم أبو طلحة رضى الله عنه يقرأ سورة التوبة، فلما بلغ قوله تعالى ” غنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون” قال “أرى ربنا يستنفرنا شيوخا وشبابا، جهزونى يا بنى، فركب البحر غازيا فى سبيل الله فمات فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام فنزلوا فدفنوه، ولم يكن قد تغير جسده خلال تلك الأيام التسعة فوق السفينة “رضى الله عنه ورحمه، وهذا هو جبير بن مطعم صحابى آخر رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور حتى بلغ قوله تعالى ” أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون” قال” فكاد قلبي يطير فكان ذلك من أسباب إسلامه، نعم لقد تأثر حتى طار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتلو كتاب الله تعالى لا بد أن نتأمله ونتدبره ونتعرف على معانيه الجليلة، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة محمد ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى