مقال

رمضان شهر المجد والإنتصارات ” الجزء الخامس

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع رمضان شهر المجد والإنتصارات، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا ” ما من شيء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء” رواه الترمذى، لذلك فإن الإنتصار على السيء من الأخلاق، وعلى العادات السيئة كذلك التى يكون العبد قد تعودها قبل رمضان من الغايات العظمى التي ينبغي أن يجعلها المؤمن على سلم أولوياته فى هذا الشهر، وإن من الإنتصار فى الشهر المبارك هو الإنتصار على التآكل والهزال الروحى، فإن هموم الحياة ومشاغلها وضغوطها، تنحت من الجانب الروحى والإيمانى للمؤمن، فإن لم يتعهدها دائما بالتجديد والتزود فإنه الهلاك بعينه، فتأتي نفحات رمضان وفيوضاته الروحية ليستدرك بها وفيها مانقص من إيمانه، وماتآكل وهزل وجف من روحه، فيجدد التوبة والأوبة والرجوع إلى مولاه، ويكثر من الإستغفار والتذلل والإنكسار والإنابة إليه، ويتصالح مع الصلاة والقرآن والأذكار، ويكثر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله.

 

فما يمر عليه الشهر إلا وهو ممتليء روحيا يقظ إيمانيا، ويجد نفسه وقد ردت إليه روحه التى كاد أن يفقدها في زحمة المغريات والشهوات والجواذب والصوارف، وتخلص من تآكلها وهزالها وجفافها، بعد أن كانت قاحطة جدباء، وأنها قد أشرقت بنور ربها، بعد أن أظلمت وأدلهمت بكثرة الذنوب والمعاصى والآثام والتقصير في جنب الله عز وجل، فيخرج من محطة الصيام وهو أقوى إيمانا وأرق فؤادا وأنور قلبا وأهنأ بالا وأكثر إطمئنانا وأشف روحا وأشد عزما وأصلب عودا وأوفر سكينة وأعظم زادا، فما عليه إلا أن يواصل الترقى الروحي ويحافظ على كل ذلك لينتفع بها بعد رمضان، فالحذر كل الحذر أن يخرج عليك رمضان وأنت تراوح مكانك روحيا، فلا أنت تخلصت من جفافها وتآكلها، ولا أنت إستطعت أن تتفوق في عمليتى التخلية والتحلية ، فإن كان فأعلم بأنك قد إنهزمت في معركة الروح ، وأنك حرمت بركات الشهر وفضائله، فإن هذه الإنتصارات ينبغى على العبد المؤمن الصائم أن يحققها.

 

وأن تكون برنامجه العملى في رمضان، حتى يحكم له بأنه قد كتب فى عداد الفائزين والناجحين والحاصلين على الجوائز، وأنه قد قدم الدلائل العملية البينة والقوية للقبول في مدرسة الثلاثين يوما، ووضع لبنة صالحة لتقريب موعد النصر وزيادة فرصه للأمة ودينها، وبأن لايكون حجر عثر في طريق تحقيق ذلك بتكاسله وهزائمه المتكررة أمام شيطانه وشهواته ونفسه وهواه ولسانه، وكما كانت فى أولى المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام، كانت غزوة بدر الكبرى في السابع عشر رمضان من العام الثانى للهجرة، فقاد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة من أصحابه لاعتراض قافلة لقريش يقودها أبوسفيان بن حرب، إلا أن القافلة اتخذت طريقا آخر، مما دفع كبار قريش إلى الخروج من مكة والتصميم على ملاقاة المسلمين في معركة مباشرة، ظنا منهم أنها ستكون نزهة عسكرية، وكانت هذه المعركة هى الانتصار الأول للمسلمين في تاريخهم الحربي، فقتل من جيش قريش سبعين ووقع مثلهم في الأسر من أصل ما يقرب من ألف مقاتل.

 

فيما استشهد أربعة عشر صحابيا من المسلمين، من ثلاثة مائة وثلاثة عشر كانوا عدد المسلمين فى تلك المعركة، وأكسب الانتصار في تلك الغزوة روحا معنوية عالية للمسلمين، أعطتهم الثقة في أنفسهم لمواجهة أعدائهم من يهود المدينة الذين كانوا يكيدون للمسلمين، وكذلك مواجهة قريش أخرى، وكان من الإنتصارات هو فتح مكة، فى عشرين من رمضان عام ثمانى هجرية، فقد قاد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة، بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية مع حلفاء النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، واعتداء قبيلة بني بكر حلفاء قريش على قبيلة خزاعة حلفاء المسلمين، ودخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مكة بعد أن استسلم أهلها وعلى رأسهم سيد مكة أبوسفيان بن حرب، وهنا ظهرت أخلاق النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في التعامل مع قومه حينما عفا عنهم جميعا، رغم ما فعلوه به وبأصحابه قبل هجرته إلى المدينة، وكان فتح مكة هو بداية سيطرة الإسلام على الجزيرة العربية بأكلمها.

 

وانتهت أكبر قوة مناوئة لانتشار الإسلام بين العرب، وأيضا كان من الإنتصارات هو فتح الأندلس، فلم يمر قرن على الهجرة إلا وكان الإسلام قد وصل إلى الصين شرقا، وإلى المحيط الأطلنطي غربا، وفى الثامن والعشرين من رمضان عام اثنين وتسعين هجرية كانت جيوش المسلمين بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير تقرع أبواب أوروبا عن طريق الأندلسوهى إسبانيا والبرتغال حاليا، فعبر طارق بجيشه المضيق الذى عرف باسمه ليلاقى جيوش القوط ويهزمها في معركة وادى لكة والتي فتحت الباب أمام المسلمين لفتح شبه الجزيرة الأندلسية، وظلت الحضارة الإسلامية في الأندلس لمدة ثمانى قرون، وكانت أحد أهم معابر الحضارة بين المسلمين وأوروبا، وانتهت الحضارة الإسلامية في الأندلس بسقوط مملكة غرناطة في الثانى من يناير عام الف وربعمائة واثنين وتسعين ميلادية، على يد الملكين فرناندو وزوجته إيزابيلا، وأيضا كان من الإنتصارات هو معركة بلاط الشهداء، وما زلنا فى التاريخ الأندلسى.

 

فبينما فتح المسلمون نصف فرنسا الجنوبى كله، وكانوا على بعد كيلومترات قليلة من باريس، وفى شهر رمضان غام مائة وأربعة عشر هجرية، التقى جيش المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقى ضد جيوش أوروبا بقيادة شارل مارتل فى معركة بلاط الشهداء أو كما تسمى في الغرب بمعركة بواتيه، ودارت مناوشات عديدة بين الجيشين كان الانتصار حليفا للمسلمين فيها، إلا أن المعركة لم تحسم لطرف من الأطراف، وفى وسط القتال استشهد قائد المسلمين عبدالرحمن الغافقي، مما أدى لانسحاب الجيش الإسلامي من المعركة، وكانت هذه آخر محاولات المسلمين لفتح فرنسا، وأيضا كان من الإنتصارات هو معركة عين جالوت، حيث جاء خطر المغول من الشرق ليأكل فى طريقه الأخضر واليابس، ويهدم في طريقه كل الحضارات والدول التي قابلها، فاحتلوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم آخر الخلفاء العباسيين فى بغداد عام ستمائة وسته وخمسين هجرية، ودمروا مكتبات بغداد، بل وتقول بعض الروايات إنهم صنعوا جسرا من الكتب في نهر دجلة.

 

واستمر زحف المغول حتى وصلوا إلى بلاد الشام، لكن الله قيض لهم جيش مصر بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز وقائده المحنك ركن الدين بيبرس البندقدارى، الذين قادوا معركة عين جالوت في الخامس والعشرين من رمضان سنة ستمائة وثمانيه وخمسين هجرية، مما كان بداية النهاية للخطر المغولى على العالم الإسلامي، وهكذا فإن شهر رمضان شهر خير وبركه وشهر جد وإجتهاد فإنظروا إلى الماء الراكد فإنه تتغير رائحته، وبعض الفقهاء إذا تغيرت رائحته يرون أنه لا يجوز الاستنجاء ولا الوضوء به، فتصوروا أن الماء لا يكون طيبا إلا إذا جرى، ولا شك أن من أسباب الكسل طبيعة بعض الناس وتربية بعض الناس، والترف الزائد من أسباب الكسل مع الأسف، ولكن لو نظرنا في الواقع نجد أن بعض الذين يملكون الأموال الطائلة والله لا يعرفون الكسل، فإن المال في كثير من الأحيان يؤدى إلى الترف والكسل، لكن إذا كان الإنسان عنده قابلية لهذا المرض، ونستعيذ من الكسل كما استعاذ نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم “اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى