منوعات

في مثل هذا اليوم 

في مثل هذا اليوم

كتب/ يوسف المقوسي

 

في مثل هذا اليوم 2 مايو ايار من سنة : 1968 – اندلاع “إحتجاجات مايو 68” بفرنسا.

 

– أحداث ماي عام 1968 في فرنسا هي فترة عنيفة من الاضطراب المدني سادتها الإضرابات العامة والاعتصامات في المصانع والجامعات في أنحاء الجمهورية الفرنسية بدفع من الطلبة والعمال والاشتراكيين والشيوعيين.

– انفجرت أحداث مايو 1968 كنتيجة لتراكمات فرضتها ظروف محلية ودولية مهمة على المستويين السياسي والاقتصادي منذ بداية الستينيات.

– كان السبب المباشر لانتفاضة مايو 1968، هو اعتقال طالب ألماني أمه فرنسية يدعى «دانييل كون – بنديت» (هو نائب بالبرلمان الأوروبي في المانيا اليوم) وصدر قرار بطرده بسبب تأسيسه حركة أسماها «حركة 22 مارس» ردا على إقدام السلطات على اعتقال مجموعة من الطلاب في وقت سابق لتنظيمهم تظاهرة ضد حرب فيتنام وتشكيلهم لجنة أسموها «لجنة مناصرة فيتنام».

– طالب كون – بنديت وزملاؤه بإطلاق سراح زملائهم، ولما لم تستجب السلطة لطلبهم أقدموا على احتلال مبنى جامعة «نانتير» الباريسية في بداية مايو 1968، أمام هذا الواقع أعلنت ادارة الجامعة عن إغلاق ابوابها فقرر الطلاب المحتجون نقل تحركاتهم الى مبنى «السوربون» في اليوم التالي.

– وهنا بدأت الصدامات المباشرة بين الطلاب وقوات الشرطة التي تدخلت جديا، وألقت القبض على قادة التحرك الذين أخضعوا لتحقيق مع مجلس التأديب في الجامعة انتهى الى قرار طردهم.

– أدى قرار الطرد الى تواصل المظاهرات وتعزيز المشاركة فيها والتعاطف معها، وفي يوم 10 ماي لم تجد قوات الشرطة مفرا لمنع تدهور الأمور إلا مواجهة تظاهرة ضمت آلاف الطلاب بعنف شديد، خصوصا ان مطالبهم تمثلت بالتمسك بالإفراج عن أعضاء مناصري فيتنام واعادة الطلبة المفصولين.

– نتيجة للقمع المفرط الذي ظهر في بعض الصحف انضم للمحتجين عدد كبير من المفكرين والمثقفين وانتقلت العدوى الى صفوف العمال والنقابات حتى خرجت في 13 مايو مظاهرة ضمت مئات الآلاف رغم الإفراج عن الطلبة إذ ظهرت مطالبات العمال بتحسين الأجور وتحسين أوضاعهم الاقتصادية وظروف عملهم. وفي 14 ماي أعلن الإضراب العام في البلاد فشارك فيه 10 ملايين مواطن.

– واستمر نحو شهر لم ينته إلا بموافقة الدولة على زيادة الحد الأدنى للأجور 37% والموافقة على تمثيل العمال في نقابات المصانع.

– أحدثت الانتفاضة آثارا مدوية في أوروبا الغربية، خصوصا انه لم يكن معروفا ما ستنتهي اليه، فبعد انضمام العمال الى المظاهرات اعتقد اليمين ان اليساريين يتجهون الى الاستيلاء على السلطة معززين بدعم الطلاب، لكن قراءة التجربة تؤكد ان النقابات خاصة تلك التابعة للحزب الشيوعي عملت على فك الارتباط بين تحركي الطلاب والعمال.

وكان من المستغرب في بداية التحرك الهجوم العنيف لوسائل إعلام الحزب الشيوعي على الطلاب الذين وصفوا بـ «الهمجيين» والفوضويين والرعاع. والتأكيد على تبرؤ الحزب منهم رغم انسجام شعاراتهم مع شعارات اليسار!

– ولم تهدأ حدة الهجوم إلا بعد أن تدخل قادة ومفكرون كبار في اليسار ليؤكدوا ضرورة التعاطف مع الطلاب ومطالبهم المحقة وتعزيز الحريات والخروج من الكبت والمحظورات التي فرضت على الشعب الفرنسي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

– إذن، لم يكن الشيوعيون يسعون أو يخططون للانقلاب، ولا الطلاب كما أكد «كون – بنديت» في لقاءاته الإعلامية اللاحقة يرغبون في الاستيلاء على السلطة.

– في خضم الأحداث، وعندما استولى الطلاب على جامعة السوربون طلب الرئيس ديغول من رئيس وزرائه جورج بومبيدو «سحق التحرك وتنظيف الجامعة»، إلا أن الأخير رفض وكان محقا في تصرفه لأنه كان يعلم ان كل تصعيد لابد ان يُقابل بتصعيد أكبر في الشارع.

الشرطة بدورها عمدت إلى التنسيق مع قادة المظاهرات في مختلف المناطق وفتحت معهم خطوطا تفاوضية لمنع سفك الدماء وقد نجحت في ذلك.

– وكانت نقابة رجال الأمن في بداية المواجهات قد حذرت الحكومة – والرئيس ضمنا ـ ن ان المواجهة مع الطلاب تلقي بـ «مسؤولية ضميرية» كبيرة على رجال الأمن، وقد أصاب هذا الموقف الجنرال ديغول بحرج كبير جدا دفعه الى مغادرة البلاد الى قاعدة فرنسية في ألمانيا الغربية.

– ولم يعد حتى تأكد من ان المحتجين «ليسوا «ثوارا» ولا يهدفون الى الاستيلاء على السلطة.

– أمام هذا الواقع لم يجد الجنرال ديغول مخرجا الا الدعوة الى انتخابات مبكرة واستقالة الحكومة في 21 جوان، ورغم فوز حزب ديغول مجددا، إلا أن الأحزاب لم تتبن الانتفاضة والطلاب لم يسعوا للانقلاب، فقد مهدت الأحداث لتحالف الاشتراكيين والشيوعيين وتدعيم ركائز اليسار الذي سمح بإيصال الرئيس فرنسوا ميتران الى الرئاسة في 1981 واستمراره حتى 1995.

– هذا اليسار الذي يفتخر بانتفاضة 1968 يرى انها حركة عززت حقوق الفرد وحريته ورفعتها الى مصاف مهمة وانتزعتها من سلطة لم تكن ترغب في اعطائها، بذلك رفعت القيود عن كل شيء : الصحافة، المسرح، الأدب، الكتب، وأصبح من الممكن التعبير بحرية وانتقاد النظام وممارساته الاستعمارية وكشف وسائل تعذيبه والتأكيد على حرية أهالي المستعمرات في الاستقلال، ويؤكد ان آثارها على فرنسا اليوم لا تقل أهمية عن آثار الثورة الفرنسية عام 1789 والشعارات التي رفعتها.

– في النهاية وباختلاف الأحكام الصادرة بحق تلك الأحداث أو الانتفاضة، هناك حقيقة مؤكدة انها مهدت الى تحركات مهمة هزت أوروبا وقضت على الكثير من موروثات الحرب العالمية الثانية برغم استمرار الحرب الباردة في أصعب لحظاتها.

ثورات الربيع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى